لماذا وإلى أين ؟

كيف أصبح الوضع الإجتماعي في المغرب بعد دستور 2011؟

عرف الشارع المغربي منتصف سنة 2011 احتجاجات عارمة أطرها شعار كبير بعنوان: ” حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، كان من نتائجها (الاحتجاجات) إقرار دستور جديد شهر يوليوز من نفس السنة حمل في طياته مجموعة من المتغيرات التي شملت كل المجالات ومن بينها القطاعات الاجتماعية .

فكيف أصبح الوضع الاجتماعي في المغرب بعد إقرار هذا الدستور وهل استطاعت السياسات العمومية ترجمة ما جاء في الوثيقة الدستورية على أرض الواقع وساهمت امتصاص غضب الشارع أم ساهمت في مزيد من الاحتقان وتهديد السلم الاجتماعي؟

دستور بحمولة جديدة.. لكن؟

عبد الحميد فاتحي، رئيس نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل التابعة لحزب “الاتحاد الاشتراكي” العضو في الأغلبية الحكومية، يرى أن “دستور 2011 جاء بحمولة جديدة خاصة فيما يتعلق بدمقرطة العلاقات الاجتماعية والتركيز على المقاربة التشاركية”، لكن يضيف فاتحي “للأسف لم يتم تفعيل مجموعة من مقتضيات الدستور المغربي في هذا التوجه لأنه كان من المفروض تعزيز القدرات الاجتماعية من خلال الحوار الاجتماعي والعكس هو الذي وقع، حيث تم تجميد الحوار الاجتماعي والاتفاقات السابقة في الملف الاجتماعي مثل إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي ومصادقة المغرب على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولة المتعلقة بالحريات النقابية وإحداث درجة جديدة في الوظيفة العمومية”.

ويوضح فاتحي، في تصريح لـ”آشكاين” أنه “منذ مجيء الحكومة المنبثقة على دستور 2011 لم تقم ولو بإجراء واحد لصالح الشغيلة المغربية، لا زيادة في الأجور ولا تحسين الترقية، بل العكس هو الذي وقع وتم إضعاف القدرة الشرائية للمأجورين من خلال ما سمي بإصلاح التقاعد، حيث فرضت اقتطاعات جديدة وارتفعت الأسعار بعد إصلاح المقاصة وهذا الامر انعكس على الشارع وخلق توترا اجتماعيا تجلى في إضرابات ومسيرات للمركزيات النقابية منذ 2012 حتى 2016 “.

وأكد ذات القيادي النقابي أن “الحكومة الوحيدة التي لم يتم في عهدها تعاقد مع المركزيات النقابية هي الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران، عكس ما وقع في ظل حكومة عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي، حيث أُبرِمت اتفاقات اجتماعية خلقت جوا من السلم الاجتماعي”، مشيرا إلى أنه “رغم أن الدستور فيه عدة ايجابيات تتعلق بالحمولة الديمقراطية لكن لم يتم تفعيله على مستوى الواقع”.

ويعتبر فاتحي أن السياسات العمومية للحكومة بعد دستور 2011 “ساهمت في احتقان اجتماعي وتبخيس العمل النقابي ودور المركزيات النقابية”، بحيث أنه “عندما لا تأتي الاحتجاجات بنتائج فعنصر الثقة يقل عند القواعد في المؤسسات الوسيطة، مثل النقابات، وهذا أمر ليس في صالح الديمقراطية ولا في صالح البلاد”، حسب تعبير فاتحي الذي يرى أن لهذا الأمر “عواقبه على الاستقرار بالمغرب، لأن ما يقع في الملف الاجتماعي يقع في الملف السياسي أيضا، إذ أن الأحزاب لم تعد قادرة على رفع التحديات المطروحة عليها وتأطير الشارع وكذلك النقابات التي أصبح ضعيفة في تأطير الطبقة العاملة وبالتالي عندم تفقد هذه الوسائط يكون خطر على الديمقراطية والتوازنات الاجتماعية”.

الانقلاب على الدستور

بدوره يرى عزيز بنعزوز، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، (معارضة) يرى أن دستور 2011 أسس للانتقال إلى الدولة الاجتماعية”، مشيرا إلى أن تصديره الذي هو جزء منه واضح في فقرته الأولى، إذ يتحدث عن العدالة الاجتماعية والعيش الكريم وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة كاملة، وهذه الاركان الثلاثة هي التي تعطي الطابع الاجتماعي للدولة”.

وأضاف بنعزوز أنه “حينما يتم الحديث عن العدالة الاجتماعية يُتحدث عن الولوج للتعليم والصحة والسكن اللائق والشغل والتغطيات الصحية والاجتماعية كاملة بكل مكوناتها، أي كل شروط العدالة الاجتماعية يجب أن توفر لكل المواطنين على قدم المساواة حين نتحدث عن تكافؤ الفرص والعيش الكريم لكل المواطنين” .

ويتابع متحدث “آشكاين” قائلا: “بعد تشكيل الحكومة حدث الانقلاب على الدستور إذ أن الحكومة السابقة وحتى الحالية التي هي امتداد لها، جميع الإجراءات والتدابير المندمجة ضمن السياسات العمومية التي طبقتها تندرج ضمن الدولة غير الاجتماعية وسعت من خلالها إلى إزالة الطابع الاجتماعي للدولة”.

جوابا عن كيف ذلك؟ يردف بنعزوز “الحكومة الحالية والسابقة التزمت بوثيقة واشنطن التي أنجزت في بداية الثمانينات، وهي وثيقة تلخص إيديولوجية ليبرالية متوحشة، وتمت صياغتها من طرف المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد العالمي والبنك الدولي الذي يتحدث عن توازن المؤشرات الماكرو-اقتصادية على حساب القضايا الاجتماعية، حيث يتم الإجهاز على كل ما هو اجتماعي لمصلحة الرأس المال ولمصلحة المؤشرات الماكرو-اقتصادية، من خلال تبني هذه الوثيقة”.

“نعيش الآن نتائج اعتناق الولاية الحكومية السابقة لهذه العقيدة الاقتصادية وهي الليبرالية المتوحشة” يقول القيادي البامي ويضيف، “إذ هناك تقهقر خطير في ترتيب المغرب على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي تندرج ضمنه الصحة والتعليم والشغل والدخل الفردي الذي هو من أدنى مستويات الدخول الفردية في العالم حيث وقع تدهور وتراجع خطير بفعل هذه السياسات من إجهاز على التعليم بإقرار الكل من أعلى مستوى في الدولة إلى المتضررين المباشرين من تراجع المدرسة العمومية”، أما الولوج للصحة بحسب بنعزوز “فلا يتم إلا لمن رحم ربك لكون التغطية الصحية لا تمس سوى 10 في المائة من الساكنة النشيطة و90 في المائة هذه الاخيرة لا تتوفر على تغطية اجتماعية”، معتبرا (بنعزوز) أن هذه المؤشرات كارثية، وأن هناك العديد من المؤشرات الأخرى مثل غياب الماء الصالح للشرب في عدد من المناطق غياب شروط الحياة خاصة في العالم القروي”.

استمرار التوتر الاجتماعي

وحول ما إذا كانت هذه الإجراءات قد خلقت احتقانا اجتماعيا وتوترا في الشارع قال بنعزوز “أكيد خلقت توترا واحتقان اجتماعي، فكل الاحتجاجات والحركات الاحتجاجية كل مطالبها هي مطالب اجتماعية، يعنى أنها وصلت للعظم في قطاعات واسعة، وعندما نتحدث عن الأزمة فنحن نتحدث عن غياب التعليم والصحة والشغل وغياب أبسط شروط العيش الكريم”، مردفا “في تقديري فالحكومة الحالية غير مستعدة لتغيير التوجه وذا يشكل تهديدا للسلم الاجتماعي”.

وحمل ذات القيادي الحكومة كامل المسؤولية في هذا التوتر لكونها هي المسؤولة عن وضع السياسات العمومية وتنفيذها وفق دستور 2011 وهي الوحيدة التي تتحمل المسؤولية وليس لها أي شريك في هذه الأزمة، فهي التي تدبر الشأن العام وتسن الضرائب والجبايات وتقرر في كل القضايا التي تهم السياسات العمومية خاصة في الجانب الاجتماعي وهي المسؤولة عن الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية وبالتالي فهي من تتحمل كامل المسؤولية ولا داعي للاختباء وراء جهة أخرى”، يقول بنعزوز.

ويرى متحدث “آشكاين” أن “المطلوب اليوم هو أن تنصت الحكومة الحالية للشعب والشارع المغربي وللمركزيات النقابية وللمجتمع المدني والمعارضة بدل أن تنصت للمؤسسات المالية الدولية لأن هذه الأخيرة ستغرق البلاد ولا تهمها سوى مصلحتها فقط”.

ما العمل؟

وفي ظل هذا الوضع، ما هو مآل السلم الاجتماعي الذي ظل لوقت طويل محصنا ضد توتر داخلي وجنب المغرب عواصف هبات شعبية عصفت بأنظمة دول إقليمية؟

وهل سيساهم توجه المغرب في سياسته الخارجية نحو القارة السمراء في إطار سياسة، جنوب جنوب ورابح رابح (سيساهم) في تخفيف الاحتقان من خلال جلب استثمارات وتوفير فرص شغل؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
BRAHIM
المعلق(ة)
21 فبراير 2018 09:19

بعد اكتر من نصف عقد من الزمان والدستور الممنوح لم يغير في حياة المغرب اي شيء بل من المؤسق اننا اصبحنا نعيش في عهد هده الوتيقة في غابة لا يمكن للضعيف العيش فيها ارقام الجريمة ارتفعة البطالة الوحدة التي تسير في تصاعد حب الوطن حب الولدين اصبحت مفقودة وسط هدا التكالب على المصالح جاهلية القيام اصبحت تسود المغرب فكل حزب بمالديه فرح وبختصار هدا الدستور حبر على الورق افسد اكتر ما اصلح والا لمادا نبحت اليوم عن العدالة الاجتماعية ولمادا اعلننا عن فشل المسيرة التنموية في البلاد لمادا اصبح الساسة غير صالحين في البلاد بل اكتر فسادا وجبروت تلك الحال تنبيء بعصر وطاسي جديد

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x