لماذا وإلى أين ؟

القطيعة مع الفرنسية واجبة والمرور السريع إلى الإنجليزية ضروري 

مبارك بلقاسم 

بما أن الإنجليزية لغة ضرورية فإن قطيعة المغرب والمغاربة مع اللغة الفرنسية واجبة وضرورية. ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن نقطع معها أذرعنا وأرجلنا التي انغرزت فيها الفرنسية. وإنما يجب أن نقطع مع الفرنسية بطريقة لا تضرنا: تدريجيا في بعض المجالات وفوريا في مجالات أخرى.

أما الحل المزيف الذي يقترح الجمع بين الضرتين الإنجليزية والفرنسية (مع إعطاء امتياز للفرنسية) فهو حل مراوغ للضحك على الذقون يحاول ضمان مصالح الفرنسية والفرنكوفونيين. فالمركب أو القارب المغربي لا يتسع لكل ما هب ودب في الكون من لغات ولهجات. وإنما يجب اختيار البضاعة النافعة (الإنجليزية) واستبعاد البضاعة الفاسدة الكاسدة (الفرنسية والإسبانية) وترك مكان كاف ومريح للأمازيغية والعربية المطلوبتين شعبيا بالمغرب.

أنصار الأمازيغية حاليا (في غالبيتهم أو جزء كبير منهم) متخندقون في خندق الفرنسية مع الفرنكوفونيين ويساندون توسيع التدريس بالفرنسية في المغرب (وبالتالي يساندون تأبيد الفرنسية بالمغرب) لسبب بسيط هو أنهم يريدون دائما تبني موقف معاكس للتعريبيين والإسلاميين في كل شيء، حتى في مسألة الإنجليزية والفرنسية.

أما أنصار التعريب والأسلمة بالمغرب فإنهم مغتاظون أشد الغيظ من الهيمنة الفرنسية الساحقة بالمغرب التي جعلت العربية الفصحى في مرتبة ثانية حينا وهامشية تماما حينا آخر. ولهذا يريد التعريبيون والإسلاميون إزالة الفرنسية من عرشها بالمغرب لعل وعسى أن تستعيد العربية الفصحى هيمنتها وسطوتها الأسطورية.

ويريد جزء من التعريبيين والإسلاميين أن يتم تعريب التعليم المغربي 100% وأن يتم تدريس كل شيء بالعربية الفصحى فورا. أما التعريبيون والإسلاميون البراغماتيون فينادون بتدريس الإنجليزية بدل الفرنسية، أي بتدريس مادة الإنجليزية بدل مادة الفرنسية وتدريس بعض العلوم بالإنجليزية بدل تدريسها بالفرنسية.

وهذا الجزء الثاني من التعريبيين والإسلاميين المنادي بإزالة الفرنسية وتدريس الإنجليزية مكانها يتبنى هذا الموقف لسببين:

– أن إزالة الفرنسية من المغرب وتدريس الإنجليزية مكانها سيمهد الطريق في المستقبل لتصاعد نفوذ العربية الفصحى وسيطرتها بالمغرب (وهم طبعا واهمون ولكن من حقهم أن يتمنوا ما يشاءون).

– أنهم يريدون تقليد الازدواجية اللغوية العربية – الإنجليزية الموجودة في البلدان العربية مثل السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين والأردن. وهذا يرون فيه شيئا سيقرب المغرب (الأمازيغي) من العرب أكثر فأكثر، وسيسهل عملية تعريب المغرب واستعرابه وتواصله مع العرب المثقفين باللغة الإنجليزية، لأن الازدواجية اللغوية “العربية الإنجليزية” التي يريدونها بالمغرب ستكون متطابقة مع حالة العرب في السعودية وقطر والأردن مثلا.

أما ما يجب أن نعيه ونفهمه فهو أن من يطالب بمزيد من توسيع الفرنسية بالمغرب فهو يطالب (عن وعي أو بدونه) بمزيد من تأبيد الفرنسية بالمغرب وبمزيد من التبعية المغربية والأمازيغية لفرنسا لغويا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا.

والانتقال السريع إلى الإنجليزية سيحرر المغرب من التبعية لفرنسا فضلا عن منافعه في جذب الاستثمارات الأجنبية من أمريكا وبريطانيا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وغيرها، والاستفادة من البحث العلمي العالمي المكتوب بالإنجليزية في غالبيته الساحقة.

ولكن ألن يدخل المغرب تحت النفوذ البريطاني والأمريكي إذا درس الإنجليزية ودرس بالإنجليزية؟

نعم سيدخل تحت النفوذ اللغوي والاقتصادي البريطاني والأمريكي مثل كل أوروبا والصين واليابان والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام وكوريا الجنوبية، وبقية العالم.

العالم بأجمعه تحت النفوذ اللغوي والاقتصادي الأمريكي باللغة الإنجليزية. ما الجديد؟

كل ما في الأمر هو أن الملعب الإنجليزي (أمريكا، بريطانيا، كندا، أستراليا، أيرلندا، نيوزيلاندا، الهند، جنوب أفريقيا، نيجيريا، سنغافورة، هونغ كونغ، …) أضخم أضعافا مضاعفة من القزم الفرنسي.

وكل ما في الأمر هو أن المغرب سيستفيد من حجم أكبر من الاستثمارات الأجنبية والعلاقات التجارية ومزيد من البحوث العلمية الأجنبية والتكنولوجيات بفضل معرفة اللغة الإنجليزية. والطلبة المغاربة سيستفيدون بسهولة من المعارف والعلوم المكتوبة بالإنجليزية التي لا يصلون إليها الآن بسبب جهلهم المطبق بالإنجليزية، وبسبب تجهيلهم من طرف النظام التعليمي المغربي الذي حولهم إلى ببغاوات فرنسية هدفها في الكون هو خدمة السائح الفرنسي والرد على المكالمات الفرنسية والبلجيكية الوالونية في مراكز الاتصال، واستهلاك المنتوج الفرنسي، وانتظار صدور الترجمة الفرنسية والدبلجة الفرنسية.

يزعم البعض أن تدريس الفرنسية لا يعني الدخول تحت النفوذ الفرنسي والنفوذ الفرنكوفوني. وهذا تفكير بهلواني. لأن اللغة تحيل دائما على صاحبها في بلدها الأصلي أو في بلدها الذي يتحدثها كلغة أم.

تدريس الفرنسية يجعلك تدخل تحت النفوذ الفرنسي شئت أم أبيت. هذه حقيقة.

تدريس الإنجليزية يجعلك تدخل تحت النفوذ البريطاني والأمريكي شئت أم أبيت. هذه حقيقة.

تدريس الإسبانية يجعلك تدخل تحت النفوذ الإسباني شئت أم أبيت. هذه حقيقة.

تدريس العربية يجعلك تدخل تحت النفوذ السعودي والقطري والعربي شئت أم أبيت. هذه حقيقة.

تدريس الأمازيغية يجعلك تدخل تحت النفوذ المغربي والجزائري والأمازيغي شئت أم أبيت. هذه حقيقة.

إذن: تدريس أية لغة سيجعلك تدخل تحت نفوذ بلدها الأصلي أو بلدها الناطق بها كلغة أم.

إذن لا داعي لبهلوانيات “الفرنسية لا تعني الدخول تحت نفوذ فرنسا ولا تعني النفوذ الفرنكوفوني”. هذه حركات تفكيرية بهلوانية تحاول إنكار الواضحات المفضحات. اللغة مرتبطة بالناطقين بها وببلدها الأصلي وبالدول والسياسة والاقتصاد والحضارات والإمبراطوريات فلا داعي لإنكار هذه الأشياء.

كل ما في الأمر هو أنه يجب عليك أن تختار ما هو أصلح لبلدك المغرب؟

هل ستختار العملاق الأمريكي وزملاءه الغليظين البريطانيين والأستراليين والكنديين وغيرهم كثير؟

أم أنك ستختار القزم الفرنسي؟

ويتذرع أنصار تأبيد الفرنسية بالمغرب بأن المغرب له “روابط تاريخية مع فرنسا” لا يجب أن نمزقها! أليست هذه لغة كودية code تشير إلى الوفاء للاستعمار الفرنسي؟!

ونفس الشيء نقوله عن أتباع اللغة الإسبانية الذين يكررون ليل نهار حكاية “الروابط المغربية الإسبانية” لتبرير تأبيد اللغة الإسبانية بالمغرب. هذا مجرد وفاء للاستعمار الإسباني خصوصا أنه ما زال يحتل مليلية Mřič وسبتة Sebta وَ 21 جزيرة أمازيغية مغربية وهي جزر الناظور وجزر الحسيمة وجزر الكناري Taknara ويواصل بناء المستوطنات الإسبانية فيها ليل نهار.

إذا كانت “الروابط” مع إسبانيا وفرنسا بريئة من الاستعمار فلماذا لا يدرّس الفرنسيون والإسبان اللغة الأمازيغية كلغة إجبارية في ابتدائياتهم وثانوياتهم في Paris وَ Madrid مثلا؟ ألا يجدر بـ”الانفتاح” أن يكون متبادلا بين الضفتين؟! أم أن “الانفتاح” مطلوب من المغرب فقط؟!

ها هو الواقع: الفرنسيون والإسبان يعرفون كيف يعتنون بأطفالهم وشبابهم خير عناية، لذلك يدرسون لهم اللغة الإنجليزية.

يجب أن تكون هناك قطيعة مع اللغة الفرنسية بالمغرب ولكن هذه القطيعة لا يجب أن تتم بقطع أذرعنا وأرجلنا التي انغرزت فيها الفرنسية كما تنغرز الكماشة في مسمار مغروس في قطعة خشب.

هناك مجالات في المغرب يمكن فيها للمغرب أن يزيل الفرنسية فورا ويدخل الإنجليزية فورا. وهناك مجالات أخرى تتطلب إجراءات تدريجية على مدى عدة سنوات لضمان عدم الإضرار بسير المؤسسات ومصالح المواطنين.

هذه بعض منها:

– التعليم الابتدائي والإعدادي: إزالة مادة الفرنسية وتدريس الإنجليزية مكانها فورا في كل مدرسة أو مدينة أو أكاديمية جهوية يتوفر لها عدد من المعلمين أو الأساتذة المكونين بالإنجليزية. إعداد الكتب المدرسية للإنجليزية سهل وكثير منها متوفر أصلا.

– التعليم الثانوي: يجب أن تكون الإنجليزية إجبارية بجانب الأمازيغية والعربية. على الأقل يجب على كل تلميذ في الثانوي أن يدرس أسبوعيا ساعتين من الإنجليزية وساعتين من الأمازيغية وساعتين من العربية. وإدخال اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ضروري لكسب الوقت وتوسيع دائرة التلاميذ المستفيدين من الأمازيغية.

– الانتقال إلى تدريس المواد العلمية في الابتدائي والإعدادي والثانوي (وحتى في الجامعة) بالإنجليزية والأمازيغية والعربية عبر عدة طرق ممكنة، واحدة منها تكون بتطوير كتب مدرسية ثلاثية اللغة أو ثلاثية المصطلحات (إنجليزية – أمازيغية – عربية).

– التعليم الجامعي: انتقال تدريجي إلى الإنجليزية بالاستعانة بالمراجع العلمية الإنجليزية والأطر المغربية والأجنبية والتعاون مع الجامعات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والكندية وغيرها. بل إنه توجد جامعة مغربية تدرس بالإنجليزية وهي جامعة الأخوين بإيفران Ifran المفتوحة فقط للأثرياء.

– تكوين الأساتذة والمعلمين: يجب البدء فورا في جعل الإنجليزية (بجانب الأمازيغية والعربية) جزءا إجباريا وأساسيا في كل تكوينات المعلمين والأساتذة لإعدادهم لتدريس الإنجليزية والتدريس بالإنجليزية. ويجب أيضا تنظيم تكوينات مستمرة أو إضافية لمعلمي وأساتذة الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية لتحويلهم (جزئيا أو كليا) إلى تدريس الإنجليزية في الابتدائي والإعدادي والثانوي.

– الوزارات والمؤسسات الكبرى: إلغاء تدريجي للفرنسية على مدى عدة سنوات يبدأ من الآن.

– المستشفيات: إلغاء تدريجي للفرنسية على مدى عدة سنوات يبدأ من الآن.

– الإدارات: إلغاء تدريجي للفرنسية على مدى عدة سنوات يبدأ من الآن مع تغيير لغة الوثائق الإدارية إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني والعربية والإنجليزية.

– الإعلام التلفزي: المناصفة بـ 50% للغة الأمازيغية وَ 50% للعربية والدارجة، وبث نشرات إخبارية يومية بالإنجليزية وبرامج تلفزية يومية لتعليم الإنجليزية للتلاميذ والطلبة.

– مواقع الإنترنيت الرسمية: إدخال النسخة الإنجليزية بجانب الأمازيغية بالحرف اللاتيني والعربية.

ويجب الانتباه إلى أن كاسيطة “عدم جاهزية المغرب للانتقال إلى الإنجليزية” هي كاسيطة قديمة وليست جديدة.

فالمغرب، على ما يبدو، حسب هذه الكاسيطة: “ليس جاهزا للإنجليزية” في 1912 و 1920 و 1930 و 1940 و 1950 و 1960 و 1970 و 1980 و 1990 و 2000 و 2010 و 2019.

متى سيكون هذا المغرب العجيب جاهزا للإنجليزية؟!

هل سيكون المغرب أكثر جاهزية للإنجليزية بعد مضاعفة ترسيخ الفرنسية بالحديد والصلب والإسمنت المسلح في مدارس وثانويات وجامعات وعقول وأمخاخ المغاربة؟

ألن يكون إدخال الإنجليزية في المستقبل أصعب بكثير من الآن إذا تمت مضاعفة فرنسة كل شيء بالمغرب أكثر مما هو مفرنس الآن؟

هل سيكون المغرب جاهزا للإنجليزية بعد فرنسة البشر والشجر والحجر وتحويل المغرب إلى بلد شبيه بالسنغال والغابون والطوغو؟

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
يونس العمراني
المعلق(ة)
15 مارس 2019 21:35

التنمية المعرفية واللغة
واحدة من قدرات مستخدمي اللغة أنهم هم مراجعة عالية فيها، أو القدرة على الإشارة للأشياء أو الأوضاع رغم أنها ليست موضوع مباشر للمتحدث .هذه القدرة غالباً ما تكون متعلقة بنظرية العقل أو وعي بالآخر كما يكون في النفس مع ما يريده الشخص وينويه، ووفقاً لكومسكي (Chomsky) هاوسر( Hauser) وفيتش (Fitch) (2002) بأنه يوجد ستة جوانب رئيسية لنظام المراجعة العالية :
نظرية العقل .
لقدرة على كسب تمثيل مفاهيم لا لغوية مثل غرض أو نوع الاختلاف .
الإشارات الصوتية المرجعية .
المحاكاة لمثل نظام منطقي ومقصود .
السيطرة الإدارية على الإنتاج إشارة كدليل على التواصل المتعمد
نظرية ” النميمة والاستمالة ”
النميمة وفقا لـ روبن دونبر Robin Dunbar، تقوم في حياة مجموعة من البشر مقام التواصل الملموس لدى القردة، فهي تسمح للأفراد أن يخدموا علاقاتهم وأن يحافظوا على حلفائهم على مبدأ ” إذا قمت بالتربيت على كتفي سأقوم بالتربيت على كتفك” ، ونحن ككائنات بشرية نعيش في مجموعات اجتماعية أكبر وأكبر ، لذا فإن مهمة إظهار التعاطف والاهتمام بالتربيت على الكتف أو بملامسة كل أصدقاء ومعارف الشخص أصبحت تستغرق وقتا طويلا ولكون هذا الحل غير متاح لمواجهة هذه المشكلة قام الإنسان بابتكار طريقة للتواصل أرخص وذات كفاءة عالية وهي ” التواصل الصوتي”. للمحافظة على سعادة حلفائك تحتاج الآن فقط لمواساتهم وإظهار التعاطف معهم من خلال أصوات متدنية التكلفة، خادما بذلك عدة حلفاء في نفس الوقت وبالمحافظة على كلتا يديك متفرغتين للقيام بمهام أخرى. بعد ذلك تطور ذالك التواصل الصوتي بشكل تدريجي إلى لغة منطوقة – في البداية على شكل نميمة
نقاد هذه النظرية أشاروا إلى أن كفاءة التواصل الصوتي -حقيقة أن الكلمات رخيصة جدا- قد يقوض قدرتها لالتزام وحيد للنوع المنقول عن طريق التواصل الملموس المستهلك للوقت عالي التكلفة.[54]
انتقاد آخر يشير إلى أن النظرية لم تقدم شيئا لشرح التحول المصيري من التواصل بالأصوات -إنتاج أصوات لإدخال الفرح والسرور ليس لها معنى – للتعقيدات المعرفية لقواعد اللغة والتخاطب.
نظرية “لغة الأمهات”
نظرية لغة الأمهات قدمت في عام 2004 على أنها حلول متوقعة لهذه المشكلة. واقترح وليام تيكومسه فيتش W. Tecumseh Fitch أن المبدأ الدارويني المسمى “اختيار القريب” – تلاقي المصالح الوراثية بين الأقارب – قد يكون جزءً من الإجابة. يقترح فيتش أن تكون جميع اللغات كانت في الأساس “لغة أمهات”. إذا تطورت اللغة بداية على أنها لغة للتواصل بين الأمهات وذرياتهم، قد تتطور لاحقا ً لتشمل أقربائهم البالغين. على كل حال فإن مصالح المتحدثين والمستمعين قد يميل إلى التزامن. ويناقش فيتش أيضا ً بأن المصالح الجينية المشتركة تؤدي إلى وثوق كافٍ وتعاون للإشارات التي لا يمكن الاعتماد عليها بشكل جوهري – الكلمات – لتصبح مقبولة وموثوقة لتبدأ بالتطور مع مرور الزمن.
يشير الناقدون لهذه النظرية على أن “اختيار القريب” ليس مميزا ً لبني البشر. فأمات القردة مثلا ً يتشاركون بالجينات مع ذرياتهم. وكذلك جميع الحيوانات ، فلماذا يكون الإنسان الكائن الوحيد القادر على الكلام ؟ علاوة على ذلك، من الصعب تصديق أن الإنسان البدائي حصر الاتصالات اللغوية على القرابة الجينية: فزواج الأقارب من المحرمات ويجب إجبار الرجال والنساء على التفاعل والتواصل مع غير الأقرباء. فلذلك حتى لو قبلنا مبدئ فيتش الأولي، فافتراض أن اللغة الأم تتفرع من الأقرباء إلى غير الأقرباء يبقى غير مبرر

نعوم تشومسكي هو أحد الدعاة البارزين لنظرية الانقطاع ، ويقول أن تحولا عرضي واحد حدث لفرد منذ مائة ألف سنة تقريباً، مما أثار الظهور الفوري للقدرة على اكتساب اللغة (مكون من مكونات الدماغ) بصورة “مثالية” أو “قريبة من المثالية”. يجري النقاش الفلسفي، باختصار، كالتالي:
أولاَ: مما هو معروف عن النشوء فإن أي تغير بيولوجي لكائن حي ينشأ عن تغير وراثي عشوائي في فرد واحد وهذا التغير ينتشر من خلال مجموعته التكاثرية.
ثانياً: من وجهة نظر حسابية: التغيير الوحيد اللازم كان القدرة المعرفية لبناء وتجهيز المعطيات المتكررة في العقل (ميزة “اللانهائية المتمايزة” التي يبدو أن العقل الإنساني ينفرد بها). يرى تشومسكي أن هذا التغيير الجيني الذي منح عقل الإنسان ميزة اللانهائية المتمايزة يساوي بشكل أساسي الانتقال السريع من القدرة على العد حتى N (حيث هو رقم ثابت) إلى القدرة على العد إلى ما لانهاية (بمعنى، إذا كان من الممكن بناءN فالشيء نفسه يمكن أن يحدث مع N+1) ويترتب على هذه التأكيدات أن تطور القدرة البشرية على اكتساب اللغة هي قدرة فجائية حيث أنه من رؤية منطقية لا توجد وسيلة للانتقال التدريجي من عقل قادر على العد حتى رقم ثابت إلى عقل قادر على العد إلى ما لانهاية . الصورة إذن هي أن تكوين القدرة على اكتساب اللغة أقرب إلى تكوين الكريستال، اللانهائية المتمايزة هي بذرة كريستال في عقل أولي متخم على وشك التطور إلى عقل بشري بواسطة قانون فيزيائي، عقل صغير لكن قوي، حجر أساس تمت إضافته عن طريق التطور..
ولا زالت النظريات قائمة ومستمرة من قبل غالبية العُلماء لفهم تطور اللغة، رغم اختلافهم بكيفية هذا التطور، وبين أولئك العُلماء الذين يرون أن تطور اللغة هو تطور فطري -العالم ستيفن بينكرSteven Pinker الذي يستبعد التخمين حول دلالات معينة في ” الرئيسيات” من غير الإنسان، مؤكدًا ببساطة أن اللغة تطورت تطورًا تدريجيًا وآخرون من نفس هذا الفكر الثقافي – العالم Ib Ulbæk-ايبي يوباك الذي يعتقد بأن اللغة لم تتطور من التواصل البشري بل من الإدراك البشري، والذي يُعتبر أكثر تعقيدًا. كما أن هناك من يرى بأن اللغة أداة تواصل وتعلم اجتماعية مثل مايكل توماسيلو Michael Tomasello الذي يعتقد بأن مظاهر التطور اللغوي أتت من الإدراك بين التواصل البشري، وهذه في الغالب تتم عن طريق الصوت، حيث تظهر أهمية الصوت لدى عُلماء النظريات بأن تطور اللغة يرجع أصله لقدرة البشر في وقت مبكر على الغناء .
وقد تجاوز العُلماء نظرية ظهور اللغة كنتيجة للتحول الاجتماعي بإحداث مستويات جديدة من الثقة في العامة، وبتحرير إمكانيات لغوية لم تكن موجودة مُسبقا’نظرية التحدث المشتركة مثال على هذا المنهج’العلماء في هذا الفكر الثقافي يشيرون إلى حقيقة بأن الشمبانزي والبابون لهم قدرات رمزية كامنة رغم ندرة استعمالهما لها.
وظهور اللغة حدث في ما قبل التاريخ الإنساني، والتطورات التي لها علاقة بموضوع اللغة لم تترك آي آثار مُباشرة، ولا يمكن ملاحظة أي عمليات مشابهة هذا اليوم. وعلى الرغم من هذا، ظهرت إشارات جديدة في العصور الحديثة، – إشارة نيكاراغوا اللغوية على سبيل المثال – قد تقدم نظرة ثاقبة للمراحل التطويرية والعمليات الإبداعية ذات الصلة ومن نهج آخر ستفصح أحافير بشرية قديمة من أجل رؤية آثار التكيف البدني في استعمال اللغة في بعض الحالات يمكن أن يُستعاد الـحمض الوراثي الـ DNA للبشر المنقرضين، لبحث وجود أو انعدام الجينات ذات الصلة باللغة مثل جينات FOXP2التي تعتبر غنية بالمعلومات المُفيدة. وثمة نهج آخر وهو علم الآثار الذي يلاحظ آثارًا متعددة مثل التعدين وتعديل أصباغ المغرة، والطلي على الأجساد وعلى الصخور (في الشعائر والطقوس)، حيث تطور هذه الحجج النظرية لإثبات دلالات على الرموز الكتابية عامة ً إلى اللغات خاصة ً
الفترة الزمنية المستغرقة لتطور اللغة ومتطلباتها الهيكلية تمتد على أقل تقدير من فترة نشوء وتطور السلالات الشبيهة بالإنسان (Homo) منذ ما يقارب ال (2.3 إلى 2.4 مليون سنة مضت)، ومن ظهور جنس الشامبازي (5 إلى 6 مليون سنة مضت) حتى الظهور الجلي للسلوك اللغوي الحديث منذ ما يقارب 50 ألف إلى 150 ألف سنة .
وبالرغم من أن الاسترالوبيتكس افتقدت التواصل الصوتي لكنها أظهرت تطور أكثر من القردة بشكل عام ]. وتختلف أقوال العلماء فيما يتعلق بالتطور منذ ظهور الإنسان أي ما يقارب 2.5 مليون سنة ، فيرى بعض العلماء أن بداية هيكلية لغة أولية (prot-language)) كانت مبكرة إذ أنها زامنت ظهورالإنسان الماهر، والبعض الآخر يرى أن تطور الاتصالات الرمزية بدأت مع ظهور الإنسان المنتصب منذ 1.8 مليون سنة ، أو مع تطور إنسان هايدلبيرغ منذ 600 ألف سنة مضت ، أما نمو اللغة المناسبة لالإنسان العاقل كانت في أقل من 200 ألف سنة مضت .
باستخدام الأساليب الإحصائية لتقدير الوقت اللازم لتحقيق الانتشار الحالي والتنوع في اللغات الحديثة ناقش يوحنا نيكولاس (Johanna Nicholas) – لغوي في جامعة كاليفورنيا في بريكلي – في عام 1998 م أن التنوع في اللغات الصوتية عند الجنس البشري يجب أن تكون قد بدأت على الأقل منذ 100 ألف سنة .وتقدم التحليلات الحديثة في مجال اللغويات دعم قوي بأن استخدام التنوع الصوتي قد ظهر في وقت مقارب لتقديرات يوحنا نيكولاس (Johanna Nicholas) Using phonemic diversity, a more recent analysis offers directly linguistic support for a similar date..التقديرات من هذا النوع مدعمة بشكل مستقل من قبل الأبحاث الجينية أو الدلالات الأثرية أو التاريخية وأدلة أخرى كثيرة تشير إلى أن اللغة نشأت في مكان ما في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية في منتصف العصر الحجري ، والتي تتزامن مع الفترة التي نشأ فيها الإنسان العاقل(Homo sapiens)
يوافق اللغويين على أنه لا يوجد هناك لغة بدائية(Primitive language) بخلاف اللغة البسيطة (Pidgins): وأن جميع اللغات المتحدثة من قبل المجموعات البشرية الحديثة ذات دلالات تعبيرية متماثلة على الرغم من أن هناك بعض الدراسات الحديثة توصلت إلى أن التعقيدات اللغوية تختلف في اللغة ذاتها وتختلف في مابين اللغات الأخرى على مر التاريخ
الطور المشترك للطقوس/الكلام
وكان من اقترح هذه النظرية في الأصل العالم بعلوم الإنسان الاجتماعية المتميز روي رابابورت Roy Rappaport وذلك قبل وضعها من قبل علماء آخرين مثل Chris Knight، كريس نايت. Jerome Lewisجيروم لويس،.[57] Nick Enfield نيك اينفيلد،. Camilla Power كاميلا باوير، وIan Wattsايان واتس. وكان عالم الإدراك والمهندس Luc Steels لوك ستيل . من أبرز مؤيدي هذا النهج وكذلك العالم بعلوم الإنسان وعالم ال Terrence Deaconتيرينس ديكون
يقول هؤلاء العلماء أنه لا يمكن وجود شيء مثل “نظرية أصول اللغة” وذلك لأن اللغة أحد الجوانب الداخلية لشيء أوسع بكثير وهي ثقافة الإنسان الرمزية[ ولقد باءت محاولات شرح ماهية اللغة بشكل منفصل وبعيدا عن هذا السياق الواسع بالفشل الذريع، وبرر هؤلاء العلماء السبب بأن المحاولات كانت لتناول المشكلة لا حل لها، فهل يمكن للمؤرخين محاولة تفسير ظهور بطاقات الائتمان بشكل مستقل وبعيداً عن منظومتها الضخمة التي هي جزء منه؟ فهذه لا يمكن فهمها أو وصفها بدون التطرق إلى المصارف والحسابات المصرفية وشبكة المعلومات الإنترنت وأجهزة الحاسوب وغيرها الكثير، فلا يمكننا فهم جزئية صغيرة ضمن منظومة متكاملة مجهولة لنا. فبهذا، لا يمكن للغة أن توجد خارج المؤسسات والآليات الاجتماعية.
كتب روي ربابورت “الكذب وبدائله، كامنين في اللغة… أن المشاكل تثار في أي مجتمع يتأسس هيكله على اللغة، وهذا يعني جميع المجتمعات البشرية، وعلى ذلك جادلت أنه إذا توفرت للكلمات كل ما هو مهم لإتمامها، فإنها سوف تؤسس عن طريق الثبوتي في الشعائر الدينية ”
كتاب علم البيئة، ومعنى الدين لــ روي ربابورت الذي أصدر سنة 1979
دعاة هذه المدرسة أشاروا إلى أن الكلمات ليست مهمة، كما الهلوسة، لا يمكن الاعتماد عليها. فمثلا، لو استخدمت هذه الكلمات من قبل أذكى الحيوانات في البرية، لن يكون لها معنى على الإطلاق. فان ما يحمل معنى في كلامنا ليست الكلمات، إنما هي التي تعبر عن عواطفنا ومشاعرنا ولا يمكن أن تكون مزيفة.
فاللغة تتكون من مجموعة تباينات رقمية لا قيمة لها. كما تقاليدنا الاجتماعية، تكون نقية فقط عندما تكون طقوس جماعية يمارسها المجتمع ككل أو أغلبيته فتحافظ بذلك على نقاوتها. لهذا، فان المهمة التي تواجه الباحثين عن أصل اللغة أصعب مما يخال لنا لأنها تنطوي على بحث تطور الإنسان وبيئته منذ الأزل واللغة فيه عنصر مهم ولكن فرعي ظهر نتيجة سلسلة متكاملة من التطورات التي نجهل كثيراً منها.
نعوم تشومسكي هو أحد منتقدي هذه الفرضية، إذ قال أنها أفكار “غير موجودة”، يعد هذا حرمان اللغة من دراستها واعتبارها أحد العلوم الطبيعية يقدم تشومسكي نظرية تقول “ظهرت اللغة بمجرد لحظة وظروف مثالية مما دفع منتقديه بالرد عليه والقول أن المعجزات وحدها التي يمكنها القيام بذلك.ولا يزال هذا الجدل مفتوحاً إلى الآن.

عبدالرحيم اومحى
المعلق(ة)
6 مارس 2019 18:59

مقال في العمق الله يعطيك الصحة

salle mohamed
المعلق(ة)
6 مارس 2019 09:08

الفرنسية لغة جميلة نعشقها ونحبها تماما مثل عشقنا وحبنا للغة العربية ،لاننا نتقنهما معا ،اذا كان عندك مشكل مع الفرنسية ،انصحك بتعلمها حتى لا تضيع على نفسك حلاوة لغة موايير،اما الانجليزية فواجب تعلمها لانها لغة العصر والعلم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x