لماذا وإلى أين ؟

في معنى العدالة…!

العدالة لا تتحقق فقط بسلطة قضائية مستقلة من الناحية الدستورية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية و لا يمكن اعتبار مجرد التنصيص في الدستور على هذا المبدا كاف للانتقال من مرحلة قضائية لاخرى و من عدالة قابلة للاختراق و التوظيف عند “الضرورة “الى عدالة قوية عادلة مستقلة حامية للحقوق و الحريات و الى عدالة بمقدورها ان تشكل كما هو الشأن في الدول الديمقراطية سدا منيعا ضد مراكز النفوذ و القوة بمختلف تموقاعاتهاالمبتوتة في هرم الدولة و مؤسساتها الامنية و السياسية و التي تكون لها ، بحكم طبيعة مهامها و وظائفها و خصوصية تكوينها و اعدادها ،للاخذ بناصية الحكم و تصريف شؤون الدولة ، تكون لها هواجس و تخوفات و تحاليل و طموحات لا تنظر دوما بعين الرضى الى ما يشهده المجتمع من تغيرات في كيفيات التعبير عن ذاته .

العدالة اختيار حضاري و انساني قبل ان تكون التزاما دستوريا و حقوقيا و سياسيا. و يستحيل في بلدنا من هذا المنطلق استحالة تكاد تكون مطلقة تحقيق العدل و ترسيخ سيادة القانون و ارساء المعنى الحقيقي للامن القضائي دون تصفية الحساب مع جزء من تركة تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي ظلت ، بعد ان كانت اسلوبا و منهجا، تقفز بين الفينة و الاخرى على سطح الاحداث ،تظهر و تختفي لترهب و تخيف و تذكرنا افرادا و جماعات كون القطيعة مع الماضي نسبية جدا و لم تلامس جوهر الدولة و كافة اخياراتها ، و لتذكرنا ايضا و بقدر كاف من االعنف الرمزي و المادي ان ممارسة الحقوق و الحريات الاساسية الواردة في الدستور و المؤطرة بالقانون مغامرة كبيرة تستوجب الكثير من الحيطة و الحذر وان الغلو و التجاوز عند ممارستها من عدمه لا يفيد في تقييمه و تقديره الاحتكام للقانون و حده او اللجوء فيه الى القضاء للانتصاف ما دامت علاقة الدولة بباقي مؤسساتها الدستورية غامضة و ملتبسة و ان مختلف الوسائط اضحت موضوعا لاختيارات الدولة و رغباتها و توجيهاتها بخلاف ما كان عليه الوضع قبل سنوات حيث كانت هذه الوسائط و الاحزاب السياسية منها و النقابات ،اساسا، فاعلة و مؤثرة و لو نسبياو باشكال متفاوتة بحسب شروط كل ظرفية على حدى في بلورة مواقف و مبادرات و نضالات تسهام بحكم مصداقيتها و ارتباطها اللصيق بنبض المجتمع ، في صياغة الشروط اللازمة لتحقيق التوازن الضروري بين مهام الدولة وسياساتها الامنية …..و تحركات المجتمع و هو يعبر عن همومه و تطلعاته ….

العدالة لا يمكن الا تكون ناقصة و غير مكتملة في مناخ سياسي معتل فاقد للمصداقية يعج بؤسا و تفاهة و انبطاحا ، ينحدر فيه العمل السياسي من سياسة الفعل الملتزم الى سياسة الفعل الفرجوي البعيد عن المجتمع و عن المعنى الحقيقي للسياسة بوصفها عملا نبيلا لخدمة المجتمع و تحقيق مصالحة الفضلى لينعم بالحرية و العدالة و التقدم و الرفاه ….

قد تنجح الدولة في كثير من الميادين و في رفع مجموعة من التحديات لكن غياب العدالة و التطبيع مع الظلم و تبريره يجعلها “خارج التاريخ “و يغذي النزعة “الانتحارية” في تصرفاتها و يعمق الهوة بينها و بين المواطن و يزيد من منسوب فقدان الثقة لديه ….

العدالة ليست مجرد سلطة قضائية و نيابة عامة و دستور و قوانين و اجراءات و نظم و احكام و قرارات تصدر باسم جلالة الملك و طبقا للقانون ! العدالة اعقد و اشمل من ذلك فلا عدالة بدون صحافة حرة لا يتحسس فيها الصحافي قلمه و لسانه الف مرة قبل ان يلوح بكلمة او رأي يخالف السائد و يحيد عن منطق المسايرة و يشعر بانه فعلا يتحمل مسئولية سلطة ر ابعة ترصد و تتبع تفضح تقوم و تساهم في بناء رأي عام حقيقي مواكب لمختلف مجالا الحياة العامة
لا عدالة دون وجود ارادة سياسية قوية لمحاربة الرشوة و الغاء مصادر الريع و التسلط و الفساد و اجتثاته من جذور جذوره بدل نهج اسلوب التشهير و الموسمية و اعتماد اسلوب الرصد و الاقتناص الموجه و الانتقائي …

لا عدالة دون محاماة حقيقية حرة مستقلة ذات حصانة قوية لا يشعر فيها المحامي بسيف الرقابة على اقواله و حركاته و سكناته وان يكون الحكم و الفيصل في علاقته بالغير و ان كان خصما “شريفا” القانون و ان يكون القانون نفسه مستمد من روح الدستور لا ان يبقى حبيس زمن ولى “صحيح الصيف ضيعنا اللبن ” و لم ينصف دستور 2011 مهنة اعطت الكثير للدولة نفسها للاحزاب السياسية للنقابات للصحافة و للقضاء و نالت حظها من الاكتواء زمن الرصاص حيث كانت الكلمة الصادقة الحرة و المسئولة نادرة و اسثنائية ثمنها حديد و نار لم ينصفها دستور المملكة بل اهملها اهمالا مغرضا و مقصودا و اكتفى بالاشارة الى بعض من ادورها فقط و كان بمقدور الغير القيام بها و الدفاع عنها “قرينة البراءة المحاكمة العادلة الولوج للعدالة ……..”

ما عشناه و تتبعناه من اطوار محاكمات “سريالية” بداية من القاء القبض الى اصدار الاحكام ضد رجال ونساء شباب احتجوا بشكل سلمي ضد الفقر و المرض و التهميش و الاقصاء الممنهج و عبروا خلال مسيراتهم و وقفاتهم و شعاراتهم عن غضبهم و سخطهم على اوضاع ليست قضاء و قدر بقدر ما هي اخطاء دولة لم يجاهروا او يعبروا لحظة عن النيل من وحدتها و امنها و ثوابتها …. ما عشناه و تتبعناه يجعلنا محقين في الخوف على هذا الوطن .

ان الرمي بهؤلاء الشباب في ظلمات السجن سنوات طويلة هو في العمق اعدام رمزي لهم و اقبار لطموحاتهم و احلام جيلهم و تنكيل بعائلاتهم وانذار صريح لنا جميعا بكون تصديق الدستور و الامعان في التمسك بمقتضياته و تصديق ما يقال حول الامن القضائي و الحقوق و الحريات دون تحفظ و لا تردد قد تكون له عواقب لا احد يستطيع ان يتكهن خطورتها …

و التاريخ سيبقى شاهدا على ان الدولة عندما تفقد عقلها احيانا ترتكب حماقات هي في غنى عنها….

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
علي
المعلق(ة)
10 أبريل 2019 02:07

مقالك كلمات حق يراد بها باطل.كل هذا الكلام لاستخلاص ان حراك الريف كان سلميا.
هذا الاستنتاج لوحده يسفه ويناقض ما زممته.
إذن حسب منطقك مرحبا بالفوضى وحرق الممتلكات وقتل رجال الشرطة،ولنجعل من المخربين والفوضويين اشاوس وابطال.ومن امثالك حراس معبد العدالة .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x