لماذا وإلى أين ؟

احذروا انقلابات العسكر ومناورات الإسلاميين

تعيش ثلاثة بلدان إفريقية مرحلة دقيقة من تاريخها، فالجزائر وليبيا والسودان بلدان عانت جميعها من استبداد الأنظمة العسكرية لعقود طويلة، وفشلت فيها جميع محاولات النهوض والانعتاق، بسبب استحكام آليات القهر التي تحولت بالتدريج من البنيات المؤسساتية إلى أذهان الناس، فصار الاستبداد ثقافة وتيارا مجتمعيا.

اليوم تنتفض الشعوب الثلاثة في سياقات متباينة ضدّ محاولة العسكر التمكين لأنفسهم من جديد وبشكل أبدي، وإجهاض محاولات التغيير. ففي الجزائر تم التخلص أخيرا من المومياء التي استعملت لمدة سنوات للحفاظ على حياة سياسية محنطة وعديمة المعنى. وفي السودان تم التخلص كذلك من مجرم الحرب الدموي عمر البشير، الذي اغتصب السلطة في انقلاب عسكري وقع بتحالف مع الإسلاميين على حكومة منتخبة ديمقراطيا، وقد تمّ التخلص منه بعد أن أيقن حلفاؤه في النظام العسكري وفي التيار المحافظ بأن حركة الشارع قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. وفي ليبيا لم يعد العسكري خليفة حفتر ـ الذي أنعم على نفسه بلقب “مشير” رغم أنه لم يحصد إلا الهزائم العسكرية ـ لم يعد يقنع بالبقاء بين خرائب بنغازي حليفا صوريا لمصر والإمارات، بل أراد أن يزحف على العاصمة طرابلس ليعيد إلى ليبيا نظام الحكم العسكري الذي ثار عليه الناس وأسقطوه، معتقدا أنه يمكن أن يعوض غياب مؤسسة الجيش الوطني في ليبيا، ومؤسسات الدولة الوطنية الموحدة. خاصة بعد أن فشلت النخب الليبية المتطاحنة في بناء دولة ليبيا الوطنية والمستقلة بعد انهيار نظام القذافي.

في الدول الثلاثة جميعها لا يبدو أن في نية العسكر مغادرة مقعد الحكم والترأس، والرضى بدور مؤسسة الجيش الضامنة لاستمرار الدولة، والمدافعة عن حوزة البلد، بل على عكس ذلك ظهر قياديو الجيش بمظهر المستعد لكل شيء، بما في ذلك أسوا الاحتمالات وهي التصادم مع الشارع وفتح أبواب المجهول.

خلال هذه التحولات المتسارعة التي أصبح فيها العسكر وجها لوجه أمام الشارع، بعد أن زالت الواجهات السلطوية التي كانت مهمتها امتصاص غضب الشارع وإحداث بعض التوازنات لصالح استمرار الأنظمة، ظهر الإسلاميون من جديد لا لينضموا إلى الشارع مطالبين بإنهاء الاستبداد وبناء ديمقراطية وطنية بأسسها الصلبة، بل من أجل تكرار السيناريو نفسه الذي أدّى إلى الفشل الذريع، سيناريو العودة إلى الأوهام القديمة، أوهام “الخلافة” والزعامات المقدسة، التي أدّت في السودان إلى انقسام البلد بعد أن تمّ فرض الشريعة الإسلامية، وأدت في الجزائر إلى مباركة البعض لإيقاف الانتخابات والدخول في عشر سنوات من المذابح، وأدت في ليبيا إلى تكاثر المليشيات المسلحة الرافعة للأعلام السوداء.

مما لاشك فيه أن النتيجة الحتمية لمثل هذه الدعوات الخطيرة هو شعور العديد من القوى المتفاعلة في الشارع بنوع من الخوف من المجهول، فإذا كانت الديمقراطية بديلا لحكم العسكر فإن الخلافة أو أي شكل من أشكال التيوقراطية لا يمكن إلا أن تضعف التحالف الموجود في الشارع، وأن تعيد بعض المصداقية المفتقدة للعسكر الحاكمين من جديد، وهكذا فقد يتجه الكلّ نحو تكريس الوضع المصري الذي أعاد العسكر إلى السلطة خوفا من استكمال زحف “الإخوان” على الدولة وإقامة مشانقهم الغبية ضدّ كل من يخالفهم الرأي، حتى ولو كان ذلك باسم صناديق الاقتراع المفترى عليها.

لقد عمل الإسلاميون في جبهة الإنقاذ السودانية بزعامة حسن الترابي على التحالف مع فصيل من الجيش للإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا في 30 يونيو 1989، وفضلوا آنذاك التضحية بالديمقراطية من أجل أن يتواجدوا على كراسي السلطة والترأس، وكانت نتيجة مغامرتهم في غاية السوء على السودان وأهلها. كما عمل الجيش في الجزائر على الانقلاب على الإسلاميين المنتخبين ديمقراطيا سنة 1991، فكانت “العشرية السوداء” بفضاعاتها، وحصل نفس الشيء في مصر سنة 2013 ليدخل البلد في فترة عسكرة واضطهاد، واستعان الجيش في البلدين معا بخوف الناس من مساعي الإسلاميين الذين لم يبذلوا أي جهد في فكرهم وسلوكهم لاحترام غيرهم، وقد آن الأوان للخروج من بوتقة المؤامرات والمؤامرات المضادة، ووضع بنيات الترسيخ الديمقراطي.

إن خروج القوى الحية في البلدان الثلاثة للمطالبة بالكرامة وحقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية للجميع قد اصطدم الآن بطموح العسكرتارية ورغبتها في احتكار كل شيء، وإن المطلوب حاليا من هذه القوى التي تؤمن حقا بالديمقراطية أن تعمل على الحفاظ على تكتلها من خلال توحيد أهدافها وشعاراتها، وكل شعار نشاز ينبغي عزله والتبرأ منه حتما، حيث ستستغله الأنظمة من جديد لزرع الفرقة بين المتظاهرين وإضعافهم.

*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
momo
المعلق(ة)
18 أبريل 2019 15:19

l’armée doit faire le travail qui lui est conçu et ne pas s’emparer du pouvoir,les islamistes et ceux qui les croient leurs places est l’asile des fous .que tous les forces vives dans les 3 paysdoibent rester soudées et imposent un régime démocratique avec surtout une vraie justice et les élections seront une voie pourdésigner les gens qui méritent gérer le pays

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x