2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الإعلام المغربي.. هل انتقل للاحتراف أم مازال في الهواية؟

في ظل تعدد المنابر الإعلامية، خاصة بعد انتشار الإعلام الإلكتروني الذي يرى فيه عدد كبير من المتتبعين أنه قد أصبح يشكل مستقبل الصحافة، وهو الأمر الذي يثبته التراجع المهول في عدد نسخ الصحف الورقية التي كانت تباع يوميا -حسب إحصائيات فدرالية الناشرين بالمغرب-وكذا تحول عدد من الصحف الورقية، ومنها صحف لها باع طويل في المجال، (تحولها) إلى النشر الإلكتروني، وفي ظل الانتقادات التي توجه لأسلوب اشتغال بعضها، يطرح بقوة سؤال الهواية والاحتراف في كيفية ممارسة الإعلام المغربي لنشاطه الصحفي.
فبينما يرى بعض المتتبعين وبعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي أن المنابر الإعلامية بالمغرب، سواء منها المسموعة أو المرئية أو المكتوبة، ورقية كانت أو الكترونية، “مازالت في مرحلة الهواية ولم تصل بعد مرحلة الاحتراف، نظرا لنوعية المواضيع التي تتطرق لها واتهامها بكونها “مازالت غير قادرة على الخوض في الأجناس الصحفية الكبرى، خاصة التحقيقات المعمقة”، يرى آخرون أن “الإعلام المغربي بكل أنواعه شهد قفزة نوعية، خاصة بعد انتشار الإعلام المستقل عن الهيئات الحزبية والنقابية، والإعلام الالكتروني، وأصبح يثير مواضيع وقضايا حساسة ساهمت في توسيع الهامش الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية بالبلاد”.
وفي خضم هذا السجال، كيف ينظر المختصون وأهل المهنة إلى سؤال الهواية والاحتراف في الإعلام المغربي حاليا؟
سُرعات الإعلام المغربي
الأستاذ والباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، وصاحب مجموعة من المؤلفات في مجال الصحافة، عبد الوهاب الرامي، يرى أنه”يجب إدراك أن الإعلام المغربي يسير بسرعتين أو أكثر، وأن هناك شق منه اعتنق الاحتراف رغم أن الظروف المحيطة بالإعلام هي ظروف تطبع هذا الإعلام بمواصفاتها”.
ويقول الرامي في حديث مع “آشكاين”: “نجد داخل الإعلام عامة صحافيين اشتغلوا لفترة واكتسبوا نوعا من المهنية وكذلك صحافيين تخرجوا من معاهد الإعلام، ونجد كذلك عددا من الصحافيين الذين اشتغلوا بالصحافة الالكترونية ليتحولوا من خلالها إلى أسماء ترُوج على الساحة، وبالتالي فبشكل عام يمكن أن نقول إن الصحافة المغربية يختلط فيها الغث بالسمين والهاوي بالمهني”.
ويعتبر الرامي أن “المهنية تستدعي جملة من العناصر الأساسية، ومنها أن تكون المؤسسة التي يشتغل بها الصحافي مقاولة إعلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة وتكون مؤسسة ومنظمة بحيث يستطيع الصحافي أن يكتسب داخلها نوعا من المهنية، وإذا كانت هذه المقاولة تشتغل بشكل جيد فلا شك أنها ستنظم دورات للتكوين المستمر في مجال الإعلام، وبهذه الكيفية يمكن أن ننتقل من صحافيي الهواية إلى المهنية”، مؤكدا أن ” المهنية هي دائما في حاجة إلى التطوير والتحفيز”، وأنها (المهنية)”تتبلور أكثر في المرحلة التي يكون فيها المجتمع قد تأسس ديمقراطيا، وطبعا استفاد من تنظيم حرية التعبير وتمثل كل المسؤوليات المترتبة عن امتهان الصحافة خاصة فيما يرتبط بالمسؤولية الاجتماعية”.
الصحفي المهني
بحسب الرامي يعتمد الصحفي المهني ثلاثة أشياء أساسية: “وهي أن يدرك المهنية من حيث جانبها التحريري، وأن يتفاعل بشكل إيجابي مع القوانين التي تُنَظِم حقل الصحافة وأن يتشبع بأخلاقيات المهنة ويمارسها على مستوى العمل، بمعنى أنه يكون متمثلا لأخلاقيات المهنة ويعرف كيف يشتغل بها على مستوى أجرأتها”، مشيرا (الرامي) إلى أن “هذا الأمر لا يتأتى كذلك إلا إذا كان هناك رئيس تحرير داخل المؤسسة المهنية يضمن شروط تفعيل أخلاقيات المهنة بشكل لائق، لأن هذه مهمته الأساسية لكونه الضامن لأخلاقيات المهنة داخل المؤسسة”.
ويردف المتحدث نفسه قائلا: “نشتغل داخل منظومة متكاملة إذا سقط أحد عناصرها تسقط هذه المنظومة بأكملها”، مبرزا أنه “يجب أن يتوفر هناك جو من الممارسة المهنية بالمغرب، ونحن نسير في هذا الاتجاه بخطى حثيثة رغم بعض التعثرات”، يقول الرامي، ويضيف أنه “يجب كذلك على المقاولة المهنية أن تساهم في رفع مستوى المهنية لدى صحفيها كما يجب على الصحافي أن يقوم بمهمة التكوين الذاتي في مجال الممارسة المهنية، وهذا أمر متوفر الآن سواء عبر الأنترنت أو عبر مؤسسات متخصصة”.
ويرى الرامي أن “هناك نوع من المهنية في صحافة المغرب ، ولكن غير كافٍ”، بحسبه “خاصة وأنه في السنوات الأخيرة بدأنا نرى خلطا بين مقومات الإعلام وبين مقومات التعبير على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر خلق بلبلة على مستوى الصحافة عامة وترك الباب مشرعا للهواية”، يقول الرامي ويشدد على أنه”ليس ضد حرية التعبير لكن يجب أن يُنظّم الدخول إلى مجال الصحافة، بحيث أن يكون الصحافي كفء، وحتى يظل مركزه محترما داخل المجتمع كقائد للرأي”، لأن الصحافي “يجب أن يتصرف كقائد للرأي من خلال الأخبار التي ينتجها ومن خلال تأطير هذه الأخبار لتأخذ معنى ثابت في ذهن المتلقي”، حسب تعبير المتحدث.
الخطوط الحمراء
وحول ما إذا كانت المنظومة القانونية المؤطرة للمشهد الإعلامي المغربي تساهم في خلق إعلام محترف أم أنها تعرقل ذلك؟ يجيب الرامي: ” لا يمكن أن نقول إن القوانين الجاري بها العمل في المغرب تُعرقل العمل الإعلامي، لكن يمكن أن نقول إن هناك دائما تجاذبا بين الحس السياسي والحس المهني على مستوى الممارسة، وهذا أمر موجود بكافة الدول، وبالتالي على الصحافي أن يضبط مجال اشتغاله وأن يكون له من الذكاء بأن يشتغل من دون أن يسقط في المطبات التي ترتبط بالثوابت المسطرة دستوريا وبحرمة الأشخاص وترتبط بالأشياء المشينة”، معتبرا (الرامي) أن “المنظومة القانونية دائما في تُطَوَر وهي تتماشى ووضع المجتمع”، وأنه “لا يمكن عزل المنظومة القانونية عن المسارات السياسية التي ينتهجها البلد”، والأكيد، في رأي الرامي ” أن هذه المنظومة في حاجة للتطوير لتؤدي إلى مهنية أكثر وحرية تعبير بشكل أكبر”، لأنه يقول المتحدث ذاته “حينما نتكلم عن القانون نتساءل عما إذا كان القانون يحد حرية التعبير أم لا، وهذا أمر لا يرتبط بالجانب المهني لأنه قد نشتغل مهنيا في الإطار الذي يُتِحه لنا القانون”.
إذا كان القانون يحد من حرية التعبير عبر وضع خطوط حمراء، فهل من شأن ذلك ألا يسمح للصحافي بالاشتغال بأريحية ومهنية أكبر؟ تسأل “آشكاين” الرامي، فيجيب “حتى في ظل هذا القانون يمكن للصحافي أن يشتغل بشكل جيد، لأنه حتى السياسات الكبرى يمكن أن تراقبها الصحافة كسلطة رابعة، ويمكن أن نجد لها أثارا على المستوى المعيشي اليومي للمجتمعات وبالتالي يمكن للصحافي أن يلتقط المعيش اليومي للمغربي في تخلفه وقتامته وفي عدم وجود مقومات تحفظ الكرامة..، وهذا أمر يحيل على ما يسمى خطوط حمراء ويمكن أن نسائل هذه الخطوط من وجهة نظرنا”.
ويؤكد متحدث “آشكاين” أنه “على الصحافي أن يشتغل في إطار القانون، لأن هذا الأخير مرتبط بقانون أسمى وهو الدستور، وأنه على الصحافي أيضا أن يشتغل بنوع من الذكاء، ويمكن له أن يُرَافِع من أجل توسيع هامش حرية التعبير”، مشددا على أن هذا الأمر “أساسي جدا، وأن كثيرا من الصحافيين ينسونه، لأن وظيفة مراقبة المجتمع بما في ذلك المجتمع المدني والقضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية ومراقبة سلطة وسائل الإعلام كذلك، كمراقبة الحريات”، وهذه الرقابة الشاملة التي يتبناها الإعلام، يؤكد الرامي، ” يجب أن تُرَافع على توسيع هامش الحريات، لأنه من الجانب الآخر هناك هاجس أن تصبح الصحافة أساسا للبلبة والفوضى”، وأن “هذا التوازن القائم يجب أن يستشعره الصحافي بشكل جيد، وبالتالي يشتغل في إطار القانون لكن بذكاء، ويتم الكشف عن جملة من الأمور دون أن يسقط في طائلة القانون”، حسب تعبير الرامي.
ماذا يقول النقابي؟
عبد الله البقالي، رئيس “النقابة الوطنية للصحافة المغربية”، يعتبر في ذات السياق أن ” الصحافة اليوم هي مهنة كباقي المهن الموجودة في المجتمع، وأنه يجب التمييز بين حق المواطن وحق الفرد في التعبير عن رأيه بكل حرية وبين ممارسة الصحافة كمهنة”.
ويقول البقالي في حديث لـ”آشكاين”، إنه “لا يمكن أن يكون محاميا إلا من هو محامٍ ولا يمكن أن يكون طبيبا إلا من هو طبيب ولا يمكن أن يكون صحافيا إلا من هو صحافي”، وبالتالي، يضيف البقالي، ” فالاحتراف هو ضرورة آنية”.
ويتابع ذات المسؤول النقابي في تصريحه قائلا: ” نعتقد أن الهواية في الصحافة قد تم تجاوزها منذ مدة حينما كانت للصحافة أدوار نضالية”، أما اليوم، بحسب المتحدث نفسه، “فالصحافة مهنة لها وظائف سياسية واقتصادية واجتماعية لخدمة المجتمع”.
“نحن لا ندعو إلى منع المواطنين من تعاطي الصحافة”، يقول البقالي، ويردف “وإنما ندعو الفرد إلى الاختيار بين أن يكون صحافي أو لا يكون”، مشددا على “ضرورة التمييز في هذا الإطار بين حق المجتمع في حرية التعبير التي تمارس بوسائط الاتصال الحديثة والقديمة وبين الصحافة بصفتها مهنة كبقية المهن”، وأن الاحترافية في الصحافة “مرتبط بالمهنية، وهذه الأخيرة تتحكم فيها مجموعة من الشروط الذاتية والموضوع”، حسب البقالي الذي يضيف، “كما يتضح أن الإعلام المغربي به صحافيون محترفون يمارسون من داخل مؤسسات مهنية كما أن هناك صحافة هاوية تسيء أحيانا لتلك المهنية”.
وكانت الجهات الحكومية المسؤولة قد سنت في السنة الماضية مدونة جديدة للصحافة والنشر جاءت بعدد من المتغيرات خاصة فيما يخص التأطير القانوني للنشر الالكتروني، بالإضافة إلى مستجدات أخرى كالمجلس الأعلى للصحافة..، وذلك بهدف “ضمان احترافية للممارسة الصحفية”، بحسب واضعي القانون، الأمر الذي لقي ترحيبا من طرف البعض مقابل انتقاد من جهات أخرى اعتبرت الإجراءات التي جاءت بها هذه المدونة “تهدف إلى مزيد من التضييق على الممارسة الصحافية، وتهريب قوانين من مدونة الصحافة إلى القانون الجنائي”.
وبحسب ما سبق، يتضح أن الإعلام المغربي بدأ يأخذ طريقه نحو الاحترافية رغم الصعاب التي مازالت تواجهه سواء الذاتية أو الموضوعية، وبخاصة بعد الانتشار الواسع للإعلام الإلكتروني والصحافة المواطنة، الأمر الذي فرض على بقية المنابر الإعلامية التقليدية، وخاصة العامة القطب الإعلامي العمومي مسايرة هذا الإيقاع.