لماذا وإلى أين ؟

أعكاو يحكي عن أول يوم في جحيم تازمامارت (الحلقة 1)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. سنبدأها مع تذكر ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

بعد وصولنا إلى معتقل تزمامارت في السبعينات على متن شاحنات عسكرية، رُفعت العصابات وحلت الأصفاد لتمكين عناصر الدرك الملكي من أخذ صور ومعطيات عمن قسى عليهم القدر وأرسلهم إلى ذلك المكان، وعند الانتهاء صفدنا من جديد وأغمضت أعيننا واقتدنا إلى زنازين موحشة.

أذكر وأنا في سن الـ25 من عمري كيف دفعني حارس بقوة إلى غرفة/قبو مظلمة تغلي من شدة الحر، بعدها بدأت أتحسس معالم المكان المقمر لاكتشف أن ما سيكون سريري عبارة عن مصطبة إسمنتية عليها شبه أغطية بالية عفنة، فيما دورة المياه عبارة عن ثقب صغير.. لقد ساد صمت رهيب عندما غادر الحراس، لأن كل واحد منا كان يحاول استيعاب ما يجري، وبدوري جلست في زنزانتي التي كانت تحمل الرقم 5 وبدأ يتقاطر عليّ سؤال تلو الآخر، أين أنا الآن وهل سيطول مقامنا هنا؟ وكيف سيكون مصيرنا؟ هل سنحظى بظروف أرحم مما مررنا منه في سجون القنيطرة وتمارة أم أن السوء سيزداد في تعمقه؟ أما عائلتي فلم أفكر فيها لأني فقدتها منذ الوهلة الأولى ولم يشأ القدر أن أراها عندما كنت في السجن المركزي بالقنيطرة رغم الوعود.

فجأة كسّر أحمد الرايس الصمت القاتل عندما بادر بالحديث مستفسرا عن هوية الموجودين في المكان، لينطلق الحديث عندما تفاعل معه أصدقاؤه من معتقلي اهرمومو على اعتبار أنهم كانوا يتميزون عن معتقلي انقلاب الطائرة بالحرية والطلاقة في الحديث نتيجة المعاملة التي حظوا بها في سجن القنيطرة.

شخصيا لم أميز الأصوات قبل أن أتفاعل معهم حينما طلب منا معتقل أن نعرف بأنفسنا فانطلقنا نقدم واحدا واحدا أسماءنا ورتبنا العسكرية والقضية التي نتابع فيها. ونحن في غمرة الحديث بسجيتنا شرع بعض السجناء في فتح نويفذة صغيرة على باب الزنزانة مخصصة لمد السجين بالطعام، مستغلين عدم إقفالها من الخارج من طرف السجانين، كان أول من رأيت عندما أطللت من النافذة الصغيرة الملازم المرزوقي من داخل زنزانته رقم 10 التي تقابل زنزانتي، وفي جانبه لمحت الملازم الشبرق وفي جانبي الأيسر سمعت صوت الملازم الصفريوي، وقد سمح لنا فتح النوافذ الصغيرة المطلة على الدهليز الذي يحفظ قليلا من الضوء الخافت بتبادل الحديث حتى ساد نوع من الصخب.

لقد كانت أول معلومة اكتشفها المعتقلون هو أنهم في مكان اسمه تزمامارت، على اعتبار أن بعض السجانين كانوا في اهرمومو ويعرفون بعض السجناء معنا كمحمد الرايس ومحمد غلول وعبد اللطيف بلكبير، وأخبروهم بأن الأمور مؤقتة ولن يمسهم سوء، وهو ما جعلنا نبقى متفائلين بشكل جعلنا ننخرط في الحديث بشكل حميمي في ما بيننا. شخصيا كانت فرصة للتعرف على أصدقاء جدد، كالزموري وبوحيدة والراشدي صاحب الزنزانة رقم 1، وعلى الملازم برضوان من معتقلي اهرمومو الذي كان على يميني، والرقيب الشجعي الذي كان في الزنزانة رقم 7، والعفياوي الذي كان يكبرني سنا، إلى جانب الملازم الساعودي. وبالتالي مر اليوم الأول في جو أخوي تعرفنا فيه على بعضنا البعض.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x