2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
تحدي استمرار الحياة على وجه الأرض في زمن الاستهلاك المفرط: نحو نموذج اقتصادي عالمي جديد

*لحسن حداد
يبدو أن تغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي لكي يكون أكثر عدلا واستدامة هوضرب من الخيال وفي أغلب الأحوال أحلام يقظة لا غير. فمن جهة، تتحكم مصالح قوية ممركزة وجد متحكِّمة في دواليب السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والقضايا الجيوستراتيجية وفي المنظومة الاقتصادية العالمية الحالية. ومن جهة أخرى، بلغ الاقتصاد العالمي درجة متقدمة من التعقيد تجعل من الصعب فهم عناصره للفعل فيها بدرجة تضمن التحول والاستمرارية في آن واحد. ولكن مع توالي الأزمات الاقتصادية والسياسية وظهور أخطار حقيقية تهدد البشرية من جراء الاستغلال المهول للموارد، من الضروري التفكير في طرق وبدائل جديدة تضمن الرفاه واستمرار الحياة على الأرض دون ضياع للوقت مع العلم أن هامش الزمن المتبقي لإسعاف البشرية يتضاءل يوما عن يوم.
من يتحكم في العالم؟
هذا سؤال حيَّر كثيرا أتباع النظريات المؤامراتية لعقود من الزمن. ولكن جيمس كلاتفيلدر، العالم الفزيائي المهتم بتاريخ العلوم والأنظمة من وجهة نظر فلسفية وابستيمولوجية، قام ببحث علمي (بعيدا عن المقاربة المؤامراتية) حاول من خلاله الإجابة على هذا السؤال. ركَّز كلاتفيلدر على قاعدة معطيات ل37 مليون شركة وقام بغربلتها للوصول إلى 43 ألف شركة تشتغل في أكثر من دولة واحدة (حسب موقع أوتسايدر كلوب؛ انظر كذلك أندي كوغان ودبورا ماكينزي، “وأخيرا انكشف الأمر: الشبكة الرأسمالية التي تحكم العالم” في مجلة “نيو ساينتيست” 19 أكتوبر، 2011). وبعد ذلك قام بوضع “نموذج بصري يبين كيف ترتبط هذه الشركات بعضها ببعض عبر ملكية أسهم ورقم معاملات بعضها البعض.” النموذج البصري يبين وبطريقة مخيفة كيف أن 1318 شركة ترتبط ارتباطا وثيقا ببعضعا البعض.
في كتابه “فك شفرات التعقيد: الكشف عن أنماط الشبكات الاقتصادية” (2012)، يقول كلاتفيلدر: “كل من الشركات 1318 لها ارتباطات باثنين أو أكثر من الشركات الأخرى، والمتوسط هو الارتباط ب20 شركة. أضف إلى هذا أنه رغم أنها تمثل 20 ٪ من إيرادات التشغيل العالمية، يبدو أن الشركات 1318 تملك غالبية أسهم الشركات الكبرى في مجال البورصة (الرقاقات الزرقاء) ومجال الصناعة (الاقتصاد “الحقيقي”)، أي 60 ٪ إضافية من المداخيل العالمية. حين قام الفريق بفك تشابك شبكة الملكية، تتبع ذلك إلى “كيان فائق” يضم 147 شركة متماسكة أكثر فيما بينها، تملك أسهما في بعضها البعض وتستخوذ على 40 من من مجموع ثروة الشبكة.”
وجد كلاتفيلدر أن “730 مالك أسهم يتحكمون في 80 % من إيرادات الشركات المتعددة الجنسيات” (موقع أوتسايدر كلوب). أغلب هذه الشركات هي شركات مالية وجلها متواجد في الولايات المتحدة والملكة المتحدة.
الكثير منا يظن أن الأبناك الكبرى هي التي تتحكم في الاقتصاد العالمي وهو شيء نستهزيء منه على أنه نابع من فكر مؤامراتي لا يمت للواقع بصلة. ولكن كلاتفيلد شبه متأكد من أن لائحة العشر الأوائل تعطينا فكرة على أن هذا واقع قريب إلى الحقيقة منه إلى الخيال. وهذه هي القائمة: باركليز، كابيطال غروب كومابانيز، فمر كوربورايشون، آكسا، ستايت ستريت كوربراشون، ج ب مورغان، ليغال وجنيرال غروب، فنكارد غروب، يوبس أج، و أخيراميريل لينش. مورغان ستانلي وكولدمان ساكس وكريدي سويس موجودين ضمن الخمس وعشرين الأوائل (موقع أوتسايدر كلوب). بينما لا تحتل ميكروسوفت وإيكسون موبيل وشيل مواقع متقدمة. الشركة الأولى المنتجة لشيء حقيقي تحتل المرتبة 50 (وهي الصينية تشاينا بيتروكاميكال غروب كومباني). التسعة والأربعون شركة التي تتقدم عليها هي شركات مالية ما عدا “وال مارت” والتي تحتل المرتبة الخامسة عشرة.
هكذا تتحكم في الاقتصاد العالمي 48 بنكا وشركة مالية أغلبها متواجد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
هذا النادي الصغير عددا والعملاق بقوته الاقتصادية الخيالية هو من يتحكم في القواعد والأسواق والمبادلات والسياسات المالية والتوجهات الاقتصادية. لايعني هذا، كما يحلو لأصحاب الفكر المؤامراتي تخيله، وجود مجموعة من المتمكنين في قبو معين يراقبون ويرصدون ويتخذون القرارات ويتحكمون في الاقتصاد والسياسة والحروب. ولكن قوة هذه المؤسسات في فرض رأيها على أصحاب القرار و في مقاومة التغيير وحماية مصالحها ومصالح شركائها قوية ومعروفة.
أول من سيقاوم التغيير نحو نظام اقتصادي منصف ومستديم هم هؤلاء. أي محاولة لتغيير النموذج يجب أن تأخد قدرة هذه الشركات مجتمعة على المقاومة وتقويض أي إصلاج يضر بمصالحها بعين الاعتبار. لهذا فأول شروط نجاح النموذج الجديد هو أن يكون ثورة مجتمعية عالمية، أن تكون حركة تتبناها المجتمعات كما تبنت الثورة في أوائل القرن العشرين أو الديمقراطية بعد انهيار حائط برلين أو الاستدامة في بداية القرن الواحد والعشرين.
النموذج الاقتصادي الرأسمالي والاستهلاك
ولكن ماهو هذا النموذج الاقتصادي الذي سيكون أكثر عدلا وأكثر استدامة والذي سيكون كفيلا بكبح جماح
الشعبوية الصاعدة؟ علينا أن نفهم أولا أسس النموذج الحالي ونفهم التطورات المستقبلية للاقتصاد العالمي لكي نبني نظاما جديدا أكثر إنصافا وأقل تدميرا للموارد.
ينبني النموذج الاقتصادي الرأسمالي على الاستهلاك والاستهلاك أساسي للدورة الاقتصادية. ويقول ماينارد كينز إن الاستهلاك يعتمد على المستوى الحالي للدخل المتاح. والدخل المتاح حسب ويل كينتون “هو كمية المال المتاح للأسر للإنفاق والادخار بعد احتساب الضريبة على الدخل.” (“الدخل المتاح”، إنفيستوبيديا، تم تحيين المقال في 25 يونيو، 2019).
سعر السلع هو الذي يحدد درجة استهلاكها كما قال سوبريا كورو. هكذا “فالإستهلاك مرتبط وظيفيا بمستوى الدخل…حين يرتفع مستوى دخل مجموعة معينة، يرتفع استهلاكها كذلك” (“وظيفة الاستهلاك: المفهوم، نظرية كينز و خصائص مهمة” موقع “مكتبة مقالتك”).
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها
نعوم تشومسكي في كتابه الأخير
Who Rules the World ? ، ” من يحكم العالم ؟ ” نشر في شهر مايو الماضي من يقع في 320 ص ويندرج ضمن العلوم السياسة ؛ نهج فيه المؤلف مقاربة سياسية أتت على محطات جيوسياسية Geopolitical عديدة أبرزها :
* سادة البشرية ، المال والجاه والسلطة ؛
* الولايات المتحدة ، والرأي العام العالمي ؛
* الحرب العالمية على الإرهاب ؛
* الإنفاق العسكري ضمن حلف الناتو ؛
* خلاف الصين وأمريكا ( جنوب بحر الصين ) ؛
* 70 سنة من عصر الأسلحة النووية ، تقترب من إشعال حرب نووية ؛
* العالم الإسلامي ( مسرحا للحرب على الإرهاب ) ؛
* جريمة العراق ، أكبر جريمة في القرن 21 اقترفتها أمريكا ، وفاة مئات الآلاف وتشريد الملايين ، والتحريض على الصراع الطائفي .
الخير والشر والنزوع إلى القوى الشريرة
هناك اتجاه فلسفي إلحادي Atheistic عرض لقوى الخير والشر وتساءل عن مصدر الشر ؛ في الإنسان ؛ وذهب بعيدا في ملاحقة القوى الشريرة في العالم ، كما وقف متسائلا : ‘‘ أليس في قوة الشر أداة للعقاب وإنزال الحد على قوى ظالمة ؟ ’’ ‘‘ هل الشيطان أداة بطش في يد الخالق ؟ ’’
لكن القرآن يجيب بصريح الآيات { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك }(النساء 79) ؛ { إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا }(الإسراء 53) ؛ { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون }(الأعراف 27) ؛ { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها }(هود 6) ..
النظام العالمي الجديد
وضع من قبل النخبة المالية الأمريكية الأوروبية ؛ للتحكم في كل القطاعات الخدماتية على مستوى العالم من أبرز معالمه :
– حكومة عالمية واحدة تترأس الأرض لصالح القلة العالمية ( النخبة ) وترك كتلة بشرية هائلة تعاني الحرمان ؛
– النظام يمزج بين العلمي والهندسي للحد من سكان العالم ( يخترع الفيروسات /اللقاحات/الأغذية المعدلة وراثيا ، يشعل الحروب ؛
ويخترع أسلحة الدمار الشامل ، وبتر سكان العالم إلى أقل من مليار ) ؛
– ترك موارد الأرض للاستخدام الحصري لهذه الأوليغارشية العالمية ( الأقلية الحاكمة ) Oligrachy ؛
– فرض المجتمع الشمولي العالمي .
كما أن النظام العالمي الجديد ؛ وبهذه المواصفات ؛ أفرز ؛ حتى الآن ؛ تيارات منددة وحانقة بتغول الكبار ، واستفرادهم بثروات العالم ، وتصاعد نسب المجاعة ، والهشاشة والأمراض الفتاكة ؛ مما تولد عنه ؛ في الآونة الأخيرة ؛ موجة من السخط العارم طال عدة طبقات اجتماعية في أنحاء العالم ، مع ما نجم عنه ؛ من واجهة أخرى ؛ من تيارات راديكالية إرهابية تحت عباءة الإسلام .
ويجمع خبراء المستقبليات Futures Sience والسوسيولوجيين Sociologists بخاصة أن العالم يزحف إلى الدمار المحقق في الخمسة عقود القادمة ، إذا لم يُعِد النظر في حقوق الإنسان ، وحقوقه في تقاسم الثروات ، بدلا من تكريس سياسة هيمنة اقتصاد الكبار .
سلطة التحكم في العالم ضعيفة أمام جبروت الخالق
من خلال صور وأشكال وأساليب تحكم الإنسان في العالم والتي وقفنا عند بعض محطاتها أو بالأحرى مؤشراتها .. يتضح أن سلطة الإنسان في التحكم وقيادة العالم تظل محدودة ، فإن كانت تتجه إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية والمالية ، وحركات التجارة العالمية ، فلن تستطيع التحكم في المناخات الأرضية وتقلباتها ، جراء النفايات التي يفرزها الإنسان . لذلك نرى أن تفكير الإنسان ما زال عاجزا عن بناء التوقعات وضبطها والتحكم فيها ؛ مثال ظواهر البراكين ، والزلازل ، والحرائق ، وذوبان الجليد ، ومقادير المد والجزر في المحيطات والبحار ، والفيضانات العارمة ، والحوادث البحرية والجوية ، وتزايد نسب أكسيد الكاربون في الجو … كما أن الإنسان نفسه ما فتئ يشكل ؛ لدى العديد من علماء السيكولوجيا وأمراضها لغزا محيرا ، به أغوار عميقة ما زالت مظلمة ، لم تستطع العلوم ؛ حتى الآن ؛ الاقتراب منها في محاولة التعرف عليها ، لوجود ملايين العناصر المتآلفة والتي لا يمكن أن تدخل تحت الحصر أو التحكم في نسيج تفاعلاتها وتداعياتها على السلوك البشري إلا من قبل خالق الكون .