لماذا وإلى أين ؟

عبد النبوي يدعو وكلاء الملك إلى عدم متابعة الصحافيين في قضايا السب والقذف صونا لحرية التعبير

في سابقة من نوعها، أصدر رئيس النيابة العامة الوكيل العام للملك، محمد عبد النباوي، مذكرة يطالب فيها الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية إلى عدم تحريك أي متابعة بشأن جرائم السب والقذف في حق الصحافيين.

إصدار مذكرة لتصحيح وضع قائم، مناف لروح الدستور، ليس بالأمر الغريب على السيد عبد النبوي، المشهود له بالنزاهة والجدية والتفاعل الإيجابي مع عدد من المطالب الحقوقية. فقد سُجل له، إيجابا، إصدار مذكرات أوقفت العمل بنصوص قانونية لما كانت لها من أثار سلبية على النظام العام وحقوق الأشخاص.

الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، في دورية إلى قضاة النيابة العامة، طالبهم بإحالة أصحاب الشكايات المرتبطة بالأفعال المذكورة على ما يسمح به القانون من إمكانية تقديم شكايات مباشرة إلى الجهة القضائية المختصة. حيث لاحظ السيد عبد النباوي أن بعض النيابات العامة تحرك المتابعات الجنائية في حق الصحافيين من أجل جرائم السب والقذف رغم أن المتضرر بإمكانه أن يقدم شكاية مباشرة في الموضوع.

كما دعى السيد عبد النبوي النيابات العامة إلى “عدم تحريك أي متابعة بشأن جرائم السب والقذف في حق الصحافيين إلا بعد موافاته بتقرير مفصل حول القضية مشفوعا بوجهة نظر قضاة النيابة العامة وما يقترحونه من إجراءات قانونية في الموضوع”، وذلك “من أجل مسايرة التطور الذي تعرفه بلادنا فيما يتعلق بصون الحقوق والحريات الأساسية ومنها حرية التعبير والرأي”، على حد تعبير السيد عبد النبوي.

المحامي بهيئة تطوان والقاضي السابق، محمد الهيني، يقول إن “عبد النباوي أكد في دوريته حول المتابعات من أجل جرائم السب والقذف، أن السياسة الجنائية في قضايا الصحافة تحرص على تحقيق التوازن بين دعم حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير من جهة، واحترام القانون وصون النظام العام من جهة ثانية”. مؤكدا أن هذه الدورية “تشكل إرادة حقيقية من طرف رئاسة النيابة العامة نحو القطع مع ازدواجية المعايير واحترام سمو مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الصحفيين ويعكس الحرص على التوازن بين جميع الاطراف وتكريس حرية التعبير”، مردفا أن الدورية المشار إليها، التي نالت إشادة كبيرة عن حق من طرف جل الحقوقيين “تحاول في الحقيقة التخفيف قدر الامكان من مساوئي المادة 97 من قانون الصحافة كما أكدنا على ذلك في رأي سابق لموقعكم المتميز، والتي حافظت على ازدواجية تحريك المتابعة في قضايا الصحافة عن طريق الاستدعاء المباشر وخولته للنيابة العامة والمشتكي دون تمييز”.

“وفي اعتقادي، فإنها صيغة معيبة ومتخلفة عن مواكبة حرية التعبير وحرية الصحافة كما هي مكرسة دستوريا ودوليا “، يقول الهيني ويتابع “الصياغة المعيبة للمادة المذكورة كانت تسقط مؤسسة النيابة العامة في حرج كبير وفي موجة انتقادات عارمة عن كل تحريك لاستدعاء مباشر، ولماذا تابعت هذا الشخص أو المؤسسة ورفضت في حق البعض الآخر”.

وأضاف ” نفتخر أن مؤسسة النيابة العامة تعاطت بمسؤولية وجدية وحكمة بالغة بأن ضيقت من نطاق المادة 97 تضييقا استثنائيا وجعلت القاعدة هي اللجوء للشكاية المباشرة أمام القضاء ورفعت كل حرج أمام النيابة العامة بصفتها سلطة اتهام في مواجهة الصحفيين والمشتكين على حد سواء، لكن مع ذلك يبقى التعديل التشريعي وارد وبقوة لأنه حتى مع ابقاء الباب مفتوحا، ولو بشكل ضيق للجوء للنيابة العامة في قضايا السب والقذف سيبقى اشكال المساواة والتوازن مطروح والنقاش حول مضمون الاستثناء وابعاده ومراميه مما سيفتح الباب لتأويلات نحن في غنى عنه”.

أما المحامي بهيئة الرباط، عزيز روبح، فيعتبر أن المذكرة الصادرة بتاريخ 17 شتنبر الجاري، عن السيد رئيس النيابة العامة و الموجهة إلى السادة الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف و السادة و كلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية بشان المتابعات من أجل جرائم السب و القذف، تؤكد مدى الحرص الذي توليه رئاسة النيابة العامة لما يقال و يكتب و ينشر حول مجموعة من القضايا المعروضة على المحاكم صدرت في بعضها أحكام ضد صحافيين من أجل السب و القذف والتي تم تحريك الدعوى العمومية فيها من طرف بعض السادة وكلاء الملك”.

وأوضح الرويبح في تصريح لـ”آشكاين”،  أن المذكرة المشار إليها “تحمل في أبعادها أكثر من رسالة، أهمها أن سلطة النيابة العامة لم تعد مطلقة في تحريك المتابعات ضد الصحافيين، و هذا اختيار وتوجه ينسجم مع مقتضيات الدستور وأولويات السياسة الجنائية و فلسفة رئاسة النيابة العامة، و نظرتها لحرية الرأي و التعبير خاصة و أن المذكرات الصادرة عن السيد رئيس النيابة العامة ليس لها دور بداغوجي و توجيهي فحسب بل هي تعليمات صادرة من سلطة رئاسية تعكس بعدا قانونيا و حقوقيا آخر له أهمية استثنائية غير معتادة تتمثل في تأطير سلطة الملاءمة و تقييدها كلما تعلق الامر بشكايات ضد الصحافة”.

وأضاف “أن بعض النيابات العامة على مستوى المحاكم الابتدائية كانت تلجأ إلى حفظ الشكايات المرتبط بهذه الأفعال وتحيل أصحابها على ما يسمح به القانون من إمكانية تقديم شكايات مباشرة إلى الجهة القضائية المختصة، هذه النيابات العامة لم تتردد في التراجع عن هذا الاجتهاد و هذا التوجه لتتعامل مع بعض الشكايات المقدمة في مواجهة الصحفيين بنفس المنطق القانوني و تبعا لنفس الإجراءات ذات الصلة بالتصدي لجرائم الحق العام، انطلاقا من تبريرات لا تسعف في تقبل الطابع الانتقائي في تحريك المتابعة في شكايات دون أخرى”.

وأكد المتحدث نفسه أن “موقف رئاسة النيابة العامة و تعليماتها في ذات المذكرة ليست معزولة عن سياق عام انطلق منذ اول مذكرة و يمكن تلخيصه في الالحاح على التذكير بدولة الحق و القانون و المؤسسات و الحرص على حماية الحقوق و الحريات عبر سد منافذ المغالات عند اعمال سلطة الملائمة كلما كانت النصوص القانونية مشوبة بالنقص أو بتعدد التأويلات”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x