لماذا وإلى أين ؟

هذه الراية تحمل الوطن

خلق إحراق العلم الوطني المغربي، في مسيرة بباريس لإحياء ذكرى مقتل سماك الحسيمة، محسن فكري، استياء عارما لدى المغاربة، إذ لا يجد المواطن أمام هذا الفعل غير الاستنكار مهما كانت درجة اختلافه مع السياسات العامة التي تنهجها الدولة. فكل المبررات تسقط، لأن الأعلام تحمل الأوطان.

لم يحدث أن سرد لنا التاريخ قصص شعوب أحرقت أعلام أوطانها في ثوراتها، بل كانت تحمله في سواعدها، وإن لم تفعل فكانت تجعل لنفسها علما يعكس حالتها الثورية والحضارية. بل إنه حتى عندما تُحرر الشعوب من مستبديها من طرف مستعمر غاشم، لم تكن تحرق أعلام أوطانها، كما هو الشأن في العراق عندما أسقط الأمريكان حكم حزب البعث العراقي. ما يجعل من الذين أحرقوا علم المغرب في باريس يخرجون أنفسهم، عن وعي، من الشعب المغربي، بمعنى آخر، إن الذين أحرقوا العلم هم أصحاب حركة انفصالية تنسج أوهامها كما نسجتها البوليساريو.

يريد هؤلاء أن يستغلوا حراك الريف ذو المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأن يبنوا كياناتهم الوهمية الشوفينية على مآسي المعتقلين وعائلاتهم، ليفتتوا تراب الوطن ويخلقوا الفرقة بين أبنائه الذين وحدهم التاريخ والمصير المشترك، ويكملوا ما خطط له ليوطي الذي جعلوا منه صانعا للعلم الوطني وشماعة لإحراقه.

ولعل الخروج غير المتوقع لناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، فضح إنفصاليي الريف وبعثر أوراقهم، فالرجل كان واضحا في أن مطالب الحراك الذي قاده لا تمس وحدة المغاربة ولا تراب وطنهم. لكن ما يثير المخاوف من مثل هذه السلوكات المستفزة هو شيوع الفكر الإنفصالي لدى مكونات الشعب، والخوف كل الخوف أن تعاد تجربة البوليساريو في شمال المغرب، إذ أن الأخطاء التي ارتكبتها الدولة عندما قمعت مخيم الطلبة الصحراويين في مدينة طانطان سنة 1973، دفعت هؤلاء إلى تبني الطرح الإنفصالي بعدما كان زعيمهم، الذي اغتالته الجزائر، الوالي مصطفى السيد وحدويا، وسعى من تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، لتحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني.

ولا شك أن رد فعل البرلمان والحكومة على إحراق العلم الوطني من طرف أشخاص نكرة، بترديد النشيد الوطني في جلسة عمومية، أعطى قيمة لهذا الفعل المستفز، ذلك أن الأمر أظهر وكأن الدولة بجلال قدرها مستنفرة، في حين أن البرلمان والحكومة كان يجب أن يستنفران في تلبية حاجيات المغاربة والتأسيس للعدالة المجالية وللحرية والكرامة، وأن يجعلوا من النجمة الخضراء التي يظن الإنفصاليون أنها أفلة في سماء حمراء، نجمة تضيء الطريق نحو التقدم، لكن الوزراء والبرلمانيين يرتدون ثوب الوطنية فقط عندما يشاؤون، وعندما لا تمس مصالحهم. لكن لا وطنية لهم في صيانة المال العام وخدمة الشعب، فمثلهم مثل الضباع التي تقتات على الجياف.

ويبقى المغرب وطنا كبيرا يضم أبناءه تحت علم السلام الأخضر والتضحية الحمراء، خفاقا في السماء ورمزا للوحدة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x