2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

لم يحدث أن سرد لنا التاريخ قصص شعوب أحرقت أعلام أوطانها في ثوراتها، بل كانت تحمله في سواعدها، وإن لم تفعل فكانت تجعل لنفسها علما يعكس حالتها الثورية والحضارية. بل إنه حتى عندما تُحرر الشعوب من مستبديها من طرف مستعمر غاشم، لم تكن تحرق أعلام أوطانها، كما هو الشأن في العراق عندما أسقط الأمريكان حكم حزب البعث العراقي. ما يجعل من الذين أحرقوا علم المغرب في باريس يخرجون أنفسهم، عن وعي، من الشعب المغربي، بمعنى آخر، إن الذين أحرقوا العلم هم أصحاب حركة انفصالية تنسج أوهامها كما نسجتها البوليساريو.
يريد هؤلاء أن يستغلوا حراك الريف ذو المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأن يبنوا كياناتهم الوهمية الشوفينية على مآسي المعتقلين وعائلاتهم، ليفتتوا تراب الوطن ويخلقوا الفرقة بين أبنائه الذين وحدهم التاريخ والمصير المشترك، ويكملوا ما خطط له ليوطي الذي جعلوا منه صانعا للعلم الوطني وشماعة لإحراقه.
ولعل الخروج غير المتوقع لناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، فضح إنفصاليي الريف وبعثر أوراقهم، فالرجل كان واضحا في أن مطالب الحراك الذي قاده لا تمس وحدة المغاربة ولا تراب وطنهم. لكن ما يثير المخاوف من مثل هذه السلوكات المستفزة هو شيوع الفكر الإنفصالي لدى مكونات الشعب، والخوف كل الخوف أن تعاد تجربة البوليساريو في شمال المغرب، إذ أن الأخطاء التي ارتكبتها الدولة عندما قمعت مخيم الطلبة الصحراويين في مدينة طانطان سنة 1973، دفعت هؤلاء إلى تبني الطرح الإنفصالي بعدما كان زعيمهم، الذي اغتالته الجزائر، الوالي مصطفى السيد وحدويا، وسعى من تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، لتحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني.
ولا شك أن رد فعل البرلمان والحكومة على إحراق العلم الوطني من طرف أشخاص نكرة، بترديد النشيد الوطني في جلسة عمومية، أعطى قيمة لهذا الفعل المستفز، ذلك أن الأمر أظهر وكأن الدولة بجلال قدرها مستنفرة، في حين أن البرلمان والحكومة كان يجب أن يستنفران في تلبية حاجيات المغاربة والتأسيس للعدالة المجالية وللحرية والكرامة، وأن يجعلوا من النجمة الخضراء التي يظن الإنفصاليون أنها أفلة في سماء حمراء، نجمة تضيء الطريق نحو التقدم، لكن الوزراء والبرلمانيين يرتدون ثوب الوطنية فقط عندما يشاؤون، وعندما لا تمس مصالحهم. لكن لا وطنية لهم في صيانة المال العام وخدمة الشعب، فمثلهم مثل الضباع التي تقتات على الجياف.