2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
مسألة الإرث والإطار السوسيو-فقهي للنزاع

أعتقد أن السيدة المرابط تبنت فكرة عن الإرث قيل حولها الكثير وهي تستند إلى التعليل والقياس..فتكفير السيدة المرابط هو فعل مشين وتناقضي لأنه حتى بالمباني إيّاها لم تكن بصدد إنكار معلوم من الدين بالضرورة لشبهة التعليل المعمول به في مقاصد القوم..وإلحاحية الواقع والوضعية المأساوية التي بلغتها المرأة..فلا ننسى أنّ التعليل هنا ورد في قول قديم علّل عدم المساواة إياها بأنهن، أي النساء لم يكن يقاتلن ولا يركبن الفرس..مما يعني أنّ الحكم كان تابعا لوظيفتها التي يحتل فيها القتال والخراج والغنيمة وما شابه دورا رئيسيا للمجتمع الذكوري..وهذا في مذهب القوم قد يدخل في القياس منصوص العلة وإن كان المقام هنا تنصيص بقرينة منفصلة لم ترد في ذيل الآيات المؤسسة لنظام الارث، بل بالحديث وللحديث حكاية في الجرح والتعديل..هذا من باب تفهّم محلّ النّزاع..لكن أيضا من باب الفهم والتّفهم وليس الرأي الفقهي أقول أنّ ثمة ما له صلة بالواقع الذي ينظر فيه النص ويدور الحكم مدار عناوينه..إنّ وضعية المرأة إن كان نظام الإرث جزء من نظام اقتصادي واجتماعي ناظر في وظيفة المرأة داخل هذا النظام، فهي اليوم توجد في وضعية عارية..إنّ الداعية قد يعمل على حثّ المرأة على السّتر والحجاب لكنه يعرّيها من كل حقوقها..يحملها مسؤولية المجتمع ويسلبها الحقوق التي تدور مدار الوظيفة والمسؤولية..ازدادت مسؤولية المرأة أكثر من الرجل في سياق التطور الدائب للمجتمع..للمرأة عنوان وظيفي تتساوى فيه مع الرجل..لم يفرق الإسلام بين المرأة والرجل في الحقيقة التكوينية بل فعل ذلك على مستوى الحقيقة الشرعية وما يلزم عن وضعها والأحكام الوضعية الناشئة التي تفرضها الوظيفة..هناك تغيير في الخريطة الوظائفية..لم تعد للوظيفة قيمة جنسية في المجتمع.. المجتمع يطلب من المرأة كل شيء ولكن لا يضمن لها كل شيء..توزيع الأدوار والوظائف الطبيعية لمجتمع تقليدي كان يقوم على محورية مسؤولية الرجل في الإنفاق بقوة القضاء، لكنها اليوم قد تكون هي وحدها المعيل لعائلة وفي الوقت نفسه قد تحرم بحكم التعصيب من الإرث، التعصيب الذي ليس من الإسلام في شيء وهو من عوائد ما قبل الإسلام استصحبها بعض الفقهاء وأنكرها آخرون..إنّ النقاش اليوم الجدّي هو البحث في الطرق المناسبة لإنصاف المرأة التي فرض عليها التغيير في أدوارها ومسؤولياتها دون أن تحظ بحقوق..اختلفت أنماط الانتاج وبقيت أنماط الحقوق، وهنا يأتي سؤال العدالة..المطلوب استعجالا هو:
– إن كنتم ستواصلون لعبة التعصيب فلا بد للمشرّع أن يتحمل مسؤولية الإنفاق على كل من يدخل في عنوان لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر، وإذا لم يوجد يصرف معاش للمرأة من دون شرط غنية كانت أو فقيرة..
– أو أن تكون فرص عمل المرأة مقدّمة على الرجل ومضاعفة خلافا لما هو عليه الأمر اليوم..
– الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية للمرأة على الهوية..
إن المساواة المطلقة قضية معقدة..ووضعية المرأة اليوم هي في حد ذاته منشأ الشبهة التي تقود إلى التعليل المزبور في لغة القوم..النقاش يجب أن يستحضر موضوع الحكم وشروطه الاجتماعية، كما يجب أن يتم في إطار مقاربة النوع وتجديد أصول الفقه وقواعده بلحاظ الفقه الاجتماعي الذي يتجاوز التجزيئ في الحكم ويأخذ بالشمولية والمقاربة وفق نموذج نهضوي حضاري يراعي السنن الكونية..ثم على النقاش أن لا يتجه وجهة “بقرية” لا تلتفت إلى سبل وطرائق ومخارج متعددة..حينما نقرأ الواقع أو النص قراءة تبسيطية تقف عند البوليميك السياسي فلن نتقدّم قيد أنملة إلى الأمام..إنها ليس حكاية اصطفاف وتصريف مواقف ومزايدات بل هي قضية فقه وجب أن يتحرك في ضوء عناوين متجددة..المرأة اليوم هي في حكم الرجل من حيث الوظائف..يحاسبها الرجل محاسبة الرجل في كل شيء إلاّ في حقوقها..لا زلت في حالة تأمل قصوى لهذا الموضوع فلا تستعجلني في رأي وإلاّ قذفتك بحلّ جذري يقوم على أساس محق النوع رأسا..دعوة “المرأة” لأن تكون “امرئا”.. لتغيير الجنس إذا اضطرت للدفاع عن حقها في الإرث كاملا من دون عصبية أو تعصيب…أدعوا المرأة قبيل وفاة الوالدين والأقربين أن تغير الجنس مؤقّتا لينطبق عليها عنوان الرجل وتأخذ ما لها ثم تعود إلى جنسها سالمة غانمة..لا بدّ للطّب أن يتطور لكي يجعل تغيير الجنس بمثابة نزهة..العلم من شأنه ان يساهم في الحيل والتخريجات الفقهية لكسر أنف الذكورة..لا سيما الذكورة التي هي من الجنس العرعوري الذي لا ينتمي للرجولة في نفس الأمر..لولا خشية أن أمضي غاضبا في أمر علمي بحت لقلت إن مدار مقاربة النوع في موضوع الإرث تتطلب ربطه بالرجولة لا بالذكورة..حينئذ سيكون حظّ الجنس يتقوم بالرجولة التي تحددها المواقف..من أجل فقه يدور مدار العدالة والإنصاف ويوقف زحف سرّاق الله..ولكي أفهرس الحلول الممكنة حيال هذه النازلة فأقول:
هناك خلاف يقع في أصول التفسير حول المحكم والمتشابه..فبينما يرى البعض آيات الارث محكمات يراها أصحاب الرأي المناهض غير كذلك..بل يذهبون حدّ القول بنسخ النّص بالاجتهاد بينما يتشبث الطرف الأول بقاعدة لااجتهاد مع النّص..وعليه، فإنني أرى المخارج الممكنة محصورة في الآتي في حال الذهاب إلى الحفاظ على ذات الأحكام:
– إن كنت عاجزا عن تغيير خريطة الأحكام فعليك ان تعوّض المرأة في أبواب أخرى أو تقحم سلطة القانون في تدبير العدالة النوعية وتمكين المرأة من حظوظ تعوضها عن خسارتها..وفي المطالب المذكورة آنفا بعضا من هذا التعويض أي امتياز المرأة في المعاش والتغطية والضمان وفرص الشغل..وأن يتظر القاضي في الحالات التي يتم فيها استغلال هذه الأحكام لصالح الذكورة..
– أو يذهب صاحب المال إلى أسلوب تمكين المرأة القريبة من الإرث قبل أن يتحول المال إلى عنوان الإرث بأن يلجأ إلى الهبة والإنفاق المضاعف عليها بما يحررها من مساطر الإراثة..وهذه تستدعي عملية تحسيس كبرى وفهم تفاصيل الفروض..وكذلك تكريس عادة إعادة الذكور قسما من التركة للمرأة في حالة الحجب بعنوان الهبة..
– أو أن يكون الحلّ في نظام الطبيعة بتغيير الجنس وهو مسألة غير عملية الآن ولكنها ممكنا قريبا بقوة العلم، وذلك تحقيقا للعدالة عبر تغييراضطراري للجنس لحظة الاقتراب من زمن توزيع التركة..ولهذا أحكام ضرورة تقدر بقدرها..طالما النظام الرأسمالي فرض على الرجل التّخنّث وعلى المرأة الترجّل تحت قهر أنماط الإنتاج وتغيير خريطة الحقوق والواجبات..
– أو مناهضة نمط الانتاج الجديد، بمعنى آخر إعلان المعركة التاريخية ضدّ الرأسمالية دفاعا عن العدالة، لأن أنماط الإنتاج الرأسمالي هي التي غيرت ماهية الوظيفة وبالتالي جعلت من المقاصد العادلة للإرث واقعا ضاغطا على المرأة..تغيير الأنماط بدل تغيير خلق الله، ولكي تتحقق الثورة ضد نمط الانتاج الرأسمالي فهذا يعني أن يوجد نمط إنتاج جديد قادر على الاستجابة للأحكام التي تأتي دائما كاستجابة لمطلب العدالة في كل نمط جديد..
هذا ما أسميه الحلول التاريخية والسوسيو-فقهية لمسائل الإرث حكما ومتعلّقا وموضوعا…