لماذا وإلى أين ؟

النموذج التنموي بين أعطاب الحاضر وتطلعات المستقبل

“النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”، هكذا خاطب الملك محمد السادس، البرلمان، داعيا إياه بإعادة النظر في هذا النموذج التنموي. تمر الأيام والمجتمع المغربي يترقب الخطوات التي تترجم هذه الرغبة المعلنة من هرم السلطة، خاصة وأن الأمر يرتبط بالمستوى المعيشي وقوت العيال.

تقدم جريدة “آشكاين” في هذا الصدد لقرائها، وجهات نظر بعض الخبراء الاقتصادين ورجال الأعمال، لتسليط الضوء على مقومات النموذج التنموي الحالي، ومعرفة الأسس والأليات التي يجب أن يعتمد عليها النموذج التنموي الجديد، في محاولة لفهم عميق لدوافع هذه الدعوة الملكية والتخمين في الأثار التي سيرتبها النموذج التنموي الجديد.

عبر كريم التازي، رجل الأعمال، عن شكه في أن “هناك رغبة سياسية لدى الدولة لإصلاح النموذج التنموي”، واصفا ذلك بأنه “مجرد خطاب سياسي مستعمل لامتصاص الغليان الاجتماعي والسياسي الذي تشهده البلاد”.

وأوضح التازي، أنه “من المستحيل أن نصلح النموذج الاقتصادي دون أن نصلح النموذج السياسي”، معتبرا انه “مادامت الدولة لم تقدم أي حجة ذات مصداقية تعبر عن رغبتها في التخلي عن تحالفها مع الأعيان المحلينواللولبيات والشخصيات التكنوقراطية التي تترسم بين عشية وضحاها في قيادة أحزاب إدارية فإنه لا شيء سوف يتغير”.

الريع يضعف النموذج التنموي

وتابع التازي في ذات السياق، أن الدولة “لا زالت تستعمل الأحزاب الإدارية مثل حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، وهذا يعني أنها لم تتخلى بعد عن التحالف بينها وبين الأعيان والمستفيدين من الريع السياسي والاقتصادي”.

وقال المتحدث ذاته، أن النموذج التنموي الحالي “مبني على الريع وليس مؤسس على اقتصاد ليبرالي محض قائم على التنافس”، مضيفا أن “الريع يمنع من الناحية السياسية، أن يكون المغرب بلد مبني على سيادة القانون. ويشكل من الناحية الاقتصادية خطرا على المبادرة الاقتصادية، بحيث كلما أردت الحصول على التراخيص تدخل في نفق الريع والرشوة والفساد وهي عراقيل توضع أمام المبادرات الاقتصادية”. وفق تعبير التازي.

ويرى المصدر ذاته، أن النموذج الاقتصادي يتطلب اليوم أن نعتمد على قواعد الاقتصاد الليبرالي المبني على التنافس الحر وسيادة القانون، مع إدخال سياسات اجتماعية للتقليل من الطابع الوحشي لهذا الاقتصاد. وزاد مستدركا، أنه “للوصول لهذه الأمور يجب أن نسمح ببروز النموذج الليبرالي، الذي لا يمكن أن يظهر دون وجود دولة الحق والقانون وخارج المنافسة الحرة”.

وأشار التازي، في معرض حديثه، إلى أن المغرب يحتاج إلى 7من نسبة النمو سنويا، على مدى 35 سنة حتى نلحق المستوى الذي وصلت إليه تركيا اليوم”، وأردف أن هذه النسبة “لن نصل إليها إذا لم نضمن سيادة القانون، وإذا لم نحارب الريع والفساد، وهذا يحتاج إلى رغبة سياسية في التخلي على التحالف الحالي بين الدولة والأعيانواللوبيات”، يضيف التازي.

كما أكد المتحدث على كون أي كلام عن “النموذج التنموي يجب أن يستحضر طابعه الشمولي، الذي يجمع بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مبرزا أن “التنمية بصفة عامة، تتطلب الجمع بين هذه المستويات الثلاثة،ومن المستحيل الفصل بعضها عن بعض”، مشيرا إلى أن ذلك هو “نوع من الغلط الكبير الذي يقع فيه جزء من الرأي العام”، معتبرا أنه “غلط مرغوب فيه من طرف الدولة”.

التعليم مربط الفرس في أي نموذج تنموي

ووصف هشام بلامين، مدير مكتب الأنتجينسيا للاستشارة والتكوين، النموذج التنموي المغربي الحالي بأنه “جد محدود”، يقوم في غالبيته على الريع ويتمحور حول الفلاحة والأنشطة الأولية، إضافة إلى معاناة المقاولات المغربية من أزمات هيكلية من قبيل ضعف التكوين وضعف التأهيل لأطرها واليد العاملة”، يضيف بلامين.

وتابع الخبير الاقتصادي، أن هذا النموذج التنموي “لا يرفع نسبة نمو بما يسمح بتوزيع الثروة وتحول الطبقات الهشة إلى الطبقة المتوسطة” وهو كذلك لا يسمح بتطوير الاقتصاد الوطني” موضحا أن المغرب يحتاج “حوالي 200 ألف فرصة شغل سنويا”.

ويؤكد بلامين أن مربط الفرس في النموذج التنموي المغربي هو إصلاح التعليم والتأهيل والبحث العلمي، مبرزا أن التعليم هو الكفيل بخلق كفاءات قادرة على البحث والإنتاج والصناعة وتطوير منتجات جديدة”.

وأشار المتحدث، إلى أن السبيل لتطوير النموذج التنموي المغربي في اتجاه التنمية المستدامة واقتصاد قادر على خلق فرص الشغل وخلق التوازن الاجتماعي ويضمن كذلك بروز طبقة متوسطة عريضة قادرة على الرفع من الاستهلاك الداخلي، يكمن في “إعادة هيكلة المقاولة المغربية في اتجاه تبني البحث العلمي وتطوير المنتجات وغزو الأسواق الخارجية عبر تشجيع المقاولة المغربية على تصدير منتجاتها لخلق الثروة، ومن أجل ذلك يجب فتح أسواق جديدة بأمريكا الشمالية”، و”التوجه اليوم نحو إفريقيا توجه جيد وإيجابي بقيادة ملك البلاد”، يقول بلامين.

كما يرى المصدر، في ذات السياق، أن هذا السبيل يتطلب من المقاولات المغربية العودة وبقوة للأسواق الأوربية وليس الاعتماد فقط على تصدير المنتجات الفلاحية،إضافة إلى دخولها للأسواق الأسيوية من قبيل السوق الروسي “، كما يجب “تخفيض العبء الضريبي سواء على المواطنين أو على المقاولات لتدعيم الاستهلاك الداخلي، مع زيادة الرقابة الضريبية”.

وأكد بلامين، على “ضرورة دعم الفلاح الصغير والمتوسط وليس فقط دعم الإنتاجات الكبيرة”، مبرزا أن “برنامج المغرب الأخضر دعم بشكل كبير الفلاحين الكبار”، في حين أن “إخراج الناس من الفقر بالبوادي والحد من الهجرة نحو المدن التي تخلق أزمات اجتماعية بضواحي المدن وتثقل النموذج الاقتصادي للمدن يستوجب توجيه الدعم للفلاح الصغير والمتوسط وإنشاء البنية التحتية بالبوادي وتشجيعهم على تصدير منتجاتهم”.

الحاجة إلى ندوة أو منتدى وطني لوضع فلسفة التنمية

وخلافا لما صرح به بلامين، قال المهدي الحلو، الأستاذ الجامعي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي أن”دعوة الملك محمد السادس في خطاب أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية العاشرة، هو “حكم على نمط التنمية المتبع إلى حدود اليوم بالمغرب”.

وأضاف الخبير الاقتصادي، أن “النموذج التنموي الحالي وصل إلى محطته النهائية، موضحا أنه من جهة، لم يتمكن من ضمان نسبة النمو المرتفعة على المدى المتوسط والطويل. ومن جهة أخرى، لم يسمح بتقليص الفوارق الاجتماعية وتقليص مستوى الفقر والهشاشة في المجتمع المغربي”.

وتساءل الحلو في معرض حديثه، حول الجهات المخول لها إعادة النظر في النموذج التنموي، واستدرك قائلا: “مبدئيا من سيعيد النظر هم مسؤولي البلاد والحكومة والأحزاب التي تكون الأغلبية، بمعنى أنه يجب على هذه الأغلبية الحكومية أن تكون عندها الإمكانيات للتقرير والتسيير والمراقبة والتنفيذ، بحيث بدون وجود سلطة على الإدارة العمومية لن تكون هناك لا إمكانية للتنمية ولا إمكانية للتطور”. وأردف “لا يظهر أنها سوف تعطها فرصة أو إمكانية لإعادة النظر في النموذج التنموي”.

ويرى المتحدث، أن الدولة مطالبة بالتهيئة لندوة وطنية أو منتدى وطني يجمع عدد منالخبراء الاقتصادين والاجتماعين والتقنين المعروفين في البلاد، للتفكير في نمط جديد للتنمية الذي من جهة يسمح بتطوير الاقتصاد، ومن جهة أخرى، يسمح بتقليص الفوارق الاجتماعية، ومن جهة ثالثة، يسمح بربط الاقتصاد المغربي بالاقتصاد العالمي، كما يسمح بمواكبة التطورات التكنولوجية والسياسية والاجتماعية، بحيث تكون هذه الأهداف الأساسية هي التي يجب أن يحققها هذا المنتدى أو الندوة.

وزاد في ذات الصدد، أن “الحكومة لوحدها اليوم لا يمكن أن تعتمد على المسؤولين الحكوميين الفاشلين أو الاعتماد على رئيس الحكومة الذي ليس له أي خبرة أو معرفة في المجال الاقتصادي ولا حزبه الذي لم يقدم أي برنامج اقتصادي أو اجتماعي يمكنه توجه به البلاد”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x