لماذا وإلى أين ؟

مشروع قانون التربية و التعليم يدق آخر مسمار في نعش مجانية التعليم

عبد الوهاب السحيمي*

بعد طول انتظار، أعدت الحكومة المغربية مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية و التعليم و التكوين و البحث العلمي، و ستحيله خلال الأسابيع المقبلة على المجلس الوزاري ليصادق عليه. و يأتي هذا مشروع القانون الإطار الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ المنظومة التربوية ببلادنا، بعد تعليمات ملكية صارمة للحكومة السابقة لبلورة مقتضيات الرؤية الاستراتيجية للتربية و التكوين 2030/2015 التي اعدها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في قانون إطار و ذلك بهدف ضمان تنزيل مضامين هذه الرؤية و إلزام الحكومات المتعاقبة على تنزيلها و لا تظل مجرد حبرا على ورق و تلقى نفس المصير الذي لقيه الميثاق الوطني للتربية و التكوين 2010/2000.

و اللافت للانتباه أنه و رغم التعليمات الملكية للحكومة السابقة التي كان يرأسها العدالة و التنمية و هو نفس الحزب الذي يرأس الحكومة الحالية، و التي جاءت بعد خطابات حادة في مناسبات عديدة أقرت بأن التعليم في المغرب يعيش وضعا لا يحسد عليه، جاء مشروع القانون مخيب للآمال و لم يكن عند مستوى تطلعات الفاعلين التربويين و لو في الحدود الدنيا.

فمشروع القانون لم يضع حدا للتسيب السياسي الذي يعرفه قطاع التربية و التكوين منذ عقود طويلة، فكنا ننتظر منه أن يعقلن التدبير السياسي للقطاع و يجعل القرارات التي تتخذ في المنظومة التربوية تستند على أسس قانونية و سياسية واضحة. فالملاحظ اليوم، أن مجموعة من القرارات المصيرية تتخذ في قطاع التربية و التكوين و تغير مجرى التاريخ في القطاع لا أساس سياسي و لا قانوني لها و لا نعرف التي تقف وراءها، فمثلا، ماهي الأسس التي البناء عليها لاتخاذ قرار التوظيف بالعقدة في المنظومة التربوية و نعرف حجم هذا القرار و الأثر الذي تركه في المنظومة؟ فهل تم التنصيص على هذا القرار في البرنامج الحكومي؟ و هل تمت الاشارة إلى ذلك و لو بالتلميح في الرؤية الاستراتيجية للتربية و التكوين 2030/2015؟ أبدا، كلها قرارات عشوائية طائشة اتخذت في أماكن غير معلومة كان لها الأثر البليغ على مستقبل الجودة في المدرسة العمومية. و كفاعلين تربويين، كنا ننتظر من هذا المشروع القانون أن يحد من هذه الارتجالية في اتخاذ القرار و يوقف هذا الارتجالية و العشوائية في قطاع التربية و التعليم، و هو الشيء الذي لم يحصل.

من ناحية أخرى، يسجل على هذا مشروع قانون، أنه لم يعر أي اهتمام بالأطر التربوية العاملة بالقطاع، فلم يتحدث أبدا عن معاناة نساء و رجال التعليم المرابطة بالمناطق النائية و الصعبة، و لم ينصفهم و لو بعبارات الاشادة و التقدير على التضحيات الجسام التي يبذلونها من أجل أبناء المغرب العميق و من أجل مستقبل المغرب. كما أنه لم يتطرق إلى الهيئات المتضررة و المهضومة الحقوق العاملة بالقطاع و التي تنتظر الانصاف منذ عقود سنوات كالأساتذة ضحايا النضامين، أساتذة الزنزانة 9، الأساتذة المتدربين المرسبين، الأساتذة حاملي الشهادات المقصيين من الترقية… و التي يستحيل أن ينجح أي اصلاح مرتقب للقطاع دون حل عادل و شامل لهذه الفئات.

و المثير في مشروع القانون، أنه و تماشيا مع سياسات الحكومات المتعاقبة في ضرب الحقوق الاجتماعية لأبناء الفقراء و خاصة في قطاع التعليم و الصحة، قرر مشروع القانون و بناء على المادة 42 منه، إنهاء مجانية التعليم في سلكي الثانوي و الجامعي، و بات على كل المغاربة و بدون استثناءات أداء رسومات لتسجيل أبناءهم للدراسة في السلكين المذكورين، و بالمقابل و في نفس الاتجاه، نص هذا المشروع على تمكين مؤسسات القطاع الخاص من استغلال أطر وزارة التربية الوطنية لست سنوات اضافية، و هذا يبين حجم التناقض الذي يقع فيه هذا المشروع القانون، فهو يزيد من تفقير الفقراء و يمنعهم من متابعة دراستهم، و من جهة أخرى يزيد من اغداق الامتيازات و الريع على المؤسسات الخاصة التى لا تؤدي الحد الأدنى من واجباتها لعمالها.

و ملاصة القوم، مشروع القانون الإطار للتربية و التعليم، يتسم بالاستمرارية في السياسات الارتجالية التي يعرفها القطاع لعقود، و لك يقطع معها كما كنا نتوخى منه، بل زاد من تمكين لوبي القطاع الخاص من الريع و زكى توجه الدولة في ضرب مجانية التعليم.

*فاعل تربوي و نقابي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x