لماذا وإلى أين ؟

هل غيّرت الشبكات الإجتماعية نمط عيش المغاربة؟

قبل سنوات، كان المواطن المغربي عندما يستفيق من نومه صباحا، يُشغِّل مذياعه أو جهاز التلفزيون من أجل الإطلاع على آخر المستجدات السياسية والاجتماعية والرياضية…، لكن الآن، فبمجرد أن يفتح عينيه يستعين بهاتفه الذكي للولوج إلى حسابه على الفيسبوك، تويتر أو يوتوب، من أجل التعرف على كل ما فاته خلال ساعات نومه الأخيرة، فيشارك هو كذلك في الحدث، عبر التعليق على منشور معين، أو دبج تدوينة يقدم من خلالها رأيه وتصوره لموضوع ما…ق

المواقع الإجتماعية، أصبحت ملاذا لملايين البشر، للترفيه والتعبير وقضاء الوقت، والتعرف على أناس جدد وثقافات أخرى وتقاسم التجارب مع مختلف رواد هذه المواقع، ليتطور الأمر بعد ذلك لجعل هذه الأخيرة أداة ووسيلة لتسهيل وتيسير الحياة، فتحول العالم إلى قرية صغيرة، حيث أن كبسة زر أو نقرة على الفأرة من شأنهما تغيير أشياء كثيرة ما كانت في الحسبان.

تبسيط الحياة

ومن أهم تجليات تسخير هذه المواقع الاجتماعية، لتسهيل وتبسيط الحياة العامة والخاصة للمواطنين، إنشاء مجموعات وصفحات، كل حسب تخصصها وتوجهاتها، إذ بمجرد ولوجك إحداها يمكنك أن تتجنب عناء الذهاب إلى محطة الحافلات لاقتناء تذكرة والإنتظار لساعات، فبفضلها يمكنك أن تتواصل مع شخص يود التوجه صوب نفس وجهتك عبر سيارة خاصة.. كما انه بات باستطاعة أي زبون أن يقتني مشترياته عبر الفيسبوك، وأن يحجز مقعده في المطعم أو السينما أو حفل غنائي وهو في منزله دون الاضطرار إلى الوقوف في الطوابير الطويلة.

مجموعات وصفحات أخرى، مختصة في شؤون الطب والهندسة والتعليم وتبادل الخبرات وتقديم النصائح والرياضة والعمل الجمعوي والحقوقي والورشات التكوينية، وعدد لا يمكن إحصاؤه من المميزات والخصائص التي يحتاجها الشخص في الحياة العادية، غير أن الأسئلة المطروحة الآن، هو إلى أي حد استطاعت هذه المواقع الإجتماعية تغيير نمط عيش روادها، والمغاربة على وجه الخصوص؟ وهل أثرت بشكل أو بآخر في العلاقات الإنسانية؟ كما يجوز التساؤل حول ما إذا بات ممكنا التخلي عن الجرائد والمواقع الإخبارية مادامت المواقع الإجتماعية تؤدي نفس الوظيفة بطرق سلسة ومتاحة للجميع؟

تضامن رقمي بين مجهولين

ففي هذا السياق، يقول المدون والناشط الحقوقي، بلال الجوهري: “إنه باعتبار هذه المواقع مساحة للنّقاش في شتّى المجالات و تبادل الأفكار من خلالها يراجع العديد أفكارهم وبالتالي تغيير نمط العيش ومن الناحية الاجتماعية فقد خلقت المواقع الإجتماعية علاقات إنسانية كثيرة، من الصدّاقة حتّى الزّواج بحيث سهّلت التّواصل بين الأشخاص بشكل كبير”.

ومضى “البودكاستر” بلال الجوهري، قائلا، “لقد أصبح المتصفّح المغربي يجد كل ما يريده في المواقع بحيث يختصر عناء البحث ببضع نقرات حتى يجد نفسه في مجموعات النّصائح إذ باستطاعته أن يسأل الآخرين حول منتوج ما قبل الشراء أو الاستعمال أو حتى حول الأثمان المعقولة مما يخلق جوّا من التّضامن الرّقمي بين مجهولين لا تربطهم صداقة أو علاقة عائلية و يمكنه أن يقارن الأثمان مما له أثر كبير على التوفير والقدرة الشرائية بأقل التكاليف”

ويرى الجوهري، وهو يتحدث لـ”آشكاين”، أنه “في ظل تنامي دور هذه الشبكات لا يمكن بتاتا التخلي عن الجرائد و المواقع الاحترافية لأنها تبقى أكثر المصادر الموثوقة لأي خبر نظرا لتكوين الصّحفيين المهني و قدرتهم على الولوج للمعلومة من المصدر و ليس استنادا لإشاعات أو أخبار شعبوية”، ويستدرك المتحدث، ” لكن تبقى مواقع التواصل مساحة لمناقشة هذه الأخبار و تحليلها و تقييم وقعها على المجتمع و تغذية روح التحليل و النقد لدى المغاربة الذين انتبهوا مؤخرا لأهمية مصدر الخبر فإن لم يتم العثور عليه في مواقع أو جرائد احترافية ذات مصداقية فلن ينساق رواد هذه المواقع وراء الإشاعة”، لهذا، يختم الجوهري، “وجب التمييز بين مواقع التواصل كمساحة للنقاش والتحليل ونشر الخبر وبين مصنع الخبر”.

لا حياة بدون فيسبوك

من جهته يؤكد الناشط الفيسبوكي، حسن بنيحيى المعروف بـ”ماريو”، أن الشبكات الاجتماعية استطاعت تغيير العديد من الأمور، وأهمها طريقة تفكير المغاربة، حيث باتت في تطور ملموس، وذلك فمن الصعب الحديث عن إمكانية التخلي عن هذه الشبكات، لأن مستقبل البشرية بأكملها يعتمد وسيعتمد على الذكاء الإصطناعي بشتى أنواعه.

وحول مدى تفضيله لمرحلة الحياة قبل ظهور الشبكات الإجتماعية أو بعدها، يقول بنيحيى في حديث مع “آشكاين”، “صعب أن نتحدث عن حياة بدون هذه الشبكات في الوقت الراهن وفي المستقبل، بل يمكن القول أنه من المستحيل العيش في غنى عنها”، مضيفا، “أن نقول بأنه يتوجب تقنين استخدام هذه الشبكات، ووضع شروط معينة ورقابة على ما يتم نشره، فهذا أمر سيحُد حتما من حرية التعبير وسيكبتها، وبالتالي فمن الواجب تركها كما هي عليه على أن تتم معاقبة كل من خالف القانون، عبر تهديده للسلم العام أو حرض على فعل معين وما إلى ذلك من المخالفات الجنحية والجنائية”.

هناك العديد من الحالات والمشاكل الإجتماعية والحقائق الصادمة التي تم الكشف عنها عبر برنامج ليالي ماريو الذي تبُثه على صفحتك الفيسبوكية، أما كانت لهذه الفضائح أن تخرج للعلن لولا هذا الموقع الإجتماعية؟، تسأل “آشكاين”، فيجيب حسن بنيحيى، “طبعا فالفيسبوك كان له دور كبير في ذلك، لأنه بعيد عن رقابة الدولة، ومادامت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات تمنع مثل هذه البرامج التي تتحدث عن الطابوهات في قنوات وإذاعات وطنية، يبقى الفيسبوك هو الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه المغاربة للكشف عما يخالجهم، ومجالا للحديث بتلقائية وبدون مركبات نقص عن الطابوهات وما يسمى في المجتمع بالمحرمات”.

وبخلاف ما ذهب إليه الناشط بلال الجوهري، يرى بنيحيى أن “المغاربة بدؤوا شيئا فشيئا يتخلون عن الجرائد والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزية والإذاعات، لأن الشبكات الإجتماعية عموما والفيسبوك على وجه الخصوص أصبحا يعوضان بشكل مضطرد الوسائل التقليدية المذكورة”، متوقعا اختفاء العديد من المواقع الإخبارية بعد عقد من الزمن، مادام الفيسبوك يلعب أدوارها وبهامش حرية أكبر وبواقعية أكثر”، معللا ذلك بالقول:” مثلا، أن مواطنا كان يتجول في الشارع فشاهد مظاهرة أو واقعة ما فيوثقها بهاتفه وينشرها على صفحته في حينها، فهو بذلك قد لعب دور هذه المواقع، بل إنه تمكن من نشر الخبر قبلها، وهنا قوة الفيسبوك”.

يُقرِّب البعيد.. ويُبعد القريب

وعن مدى تأثير الشبكات الإجتماعية على العلاقات الإنسانية بالمغرب، يوضح متحدث “آشكاين”، أن “الفيسبوك مثلا، يقرب البعيد ويُبعد القريب، بيد أننا نلاحظ أن صديقين بجانب بعضهما في المقهى لا يتبادلان أطراف الحديث وإنما كل منهما يطالع هاتف الذكي، نفس الشيء وسط العديد من العائلات والأسر المغربية التي يملك أفرادها هواتف ذكية أو حواسيب أو ألواح إلكترونية، لذلك فيجب إعادة النظر في علاقاتنا الإجتماعية”، مشددا في هذا السياق، على أنه “تم تسجيل تفكك كبير في الأسر والعائلات المغربية مع مرور الزمن، فبعد أن كانت ملتئمة ومجتمعة في عهد الراديو، أصبح الآن مشتتة بفعل ظهور هذه الشبكات الإجتماعية والثورة التكنولوجية”.

لكن بالمقابل، يستدرك “ماريو”، “أن الفيسبوك، له دور كبير في تغيير الشخصيات، بحيث أن هناك العديد من الشباب ذوي الطباع غير الاجتماعية، لكن بولوجهم لهذا العالم أصبحت لهم القدرة على الاندماج مع الأصدقاء في النقاشات المفتوحة، وكذا عن طريق طرح التساؤلات والتدوينات والتعليقات”، ويردف نفس المتحدث، “أن الشبكات الإجتماعية صنعت لدينا أيضا شخصيات وهمية، إذ أن أغلب النشطاء يظهرون في تدويناتهم ومشاركاتهم بمظهر مخالف تماما لما هم عليه في الواقع”.

الأرقام تتحدث

وبلغة الأرقام، يظهر مدى تعلق المغاربة بهذه الشبكات الاجتماعية، ففي إحدى الدراسات التي أنجزتها “كونسلتور” المغربية، تبين أن عدد مستخدمي الفيسبوك بالمغرب بلغ 5.3 مليون مستخدم، لتحتل المملكة بذلك الرتبة الأولى في دول اتحاد المغرب العربي، فيما حلت الجزائر ثانية بـ4.5 مليون مستخدم وتأتي تونس ثالثة بـ3.6 مليون مستخدم.

من جانبه أشار البنك الدولي في إحدى تقاريره، أن المغرب يحتل المرتبة الرابعة إفريقيا من حيث مستخدمي الفيسبوك أي بعد مصر 13 مليون مستخدم،و جنوب إفريقيا 5,5 مليون، ثم نيجيريا 5,3 مليون، بينما احتلت الجزائر الرتبة الخامسة بـ 4,3 مليون مستخدم، ثم تونس بنسبة 3,4 مليون مستخدم، و بناء على ذلك فالمغرب يمثل نسبة 11 في المائة من إجمالي مستخدمي الفيسبوك بالقارة السمراء.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x