2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

من الواضح جداً أن السيد “نجيب بوليف”، الوزير السابق في حكومتي المغرب بعد حراك 20 فبراير 2011، يخاف أن يصبحَ إنساناً منسياً لا يُبالي به أحد، فقرّر أن يخرج بين الحين والحين ليُخاطب مشاعر قواعد حزبه، وبل مشاعر جلّ المغاربة، من خلال “تدوينات فايسبوكية” تنهل من النص الديني (ناسياً أو متناسياً سياقات النص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية)، ليضرب المؤسسات التي تقوم عليها الدولة بعرض الحائط.
إنه، وانطلاقاً من موقعه السياسي، يعرف جيداً، كما يعرف جل إخوانه في الأيديولوجية، الفوائد السياسية التي تُجنى خلف التجارة بالمقدس الديني، نظراً لكون هذا الأخير وسيلة ناجعة لتوجيه البسطاء من الناس أو على الأقل التأثير فيهم (خطاب عاطفي).
ولهذا، فهـو لا يرجوا خلف فتواه التي حرّمت الفوائد التي تتعامل بها المؤسسات المالية مهما كان مقدارها، أن يُبيّن ما منعته النصوص المقدسة لدى المسلمين، وإنما يرجوا فقط إثارة الانتباه إليه، واستمالة عواطف الناس، وبالتالي الظهور في الساحة العمومية، وإلا: لماذا لم يكن يُقدّم مثل هكذا فتاوى حينما كان وزيراً في حكومة يترأسها حزبه، وأغرقت الدولة في القروض المالية، والتي تُعيدها بالفوائد؟ بل لماذا كان يقبل براتبه وتعويضاته، وبتقاعده المريح آنياً، مع العلم أنه يُؤدى من المال العام، الذي تُحصّل الدولة بعضه من الضرائب التي تؤديها المؤسسات التي تتعامل بما يصفه بـ”الربا”؟
بوليف لم يكن هو الوحيد الذي تذكّر الدين فجأة، بعد نزوله من كُرسي المسؤولية الحكومية، وعاد إلى الاحتماء به، وجعله مطيّة لابتزاز أصحاب القرار في البلاد، فقد سبقه في ذلك، السيد عبد الإله بن كيران الذي أصبح منذ فشله في إدارة الحوار مع باقي الأحزاب المُمثّلة في البرلمان بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، لا ينطق إلا بلسان “الشيخ” الذي يُخاطب “المريدين”.
وكانت أبرز تعاليقه في هذا الإطار، تعليقه على تشكيلة لجنة إعداد النموذج التنموي. فعوض أن يُعلق على كيفية تشكيلها؟ وعن دورها في ظل وجود مؤسستي البرلمان والحكومة؟ وعن علاقة مخرجاتها المنتظرة مع برامج الأحزاب السياسية؟ وبل مع برنامج الحكومة المقبلة؟ وعن جدوى الانتخابات؟ وعن مدى استقامة طرح الذين يرفضون التصويت…؟ فعوض أن يُعلق على كل هذا، ذهب إلى قول أن لجنة بنموسى لم تعجبه، لأنها لم تتضمن شخصاً يُوافق مزاجه الديني ! أي شخصاً يراه يستحق صكاً لدخول الجنة !
طبعاً هذا الاستغلال “الميكيافيلي” للمقدس الديني، وإن كان قد جعل الإخوان في محط سخرية العقلاء الذين يعتبرون أن المثل القائل “كايكل مع الذئب ويبكي مع السّارح” ينطبق عليهم، فإنه (استغلال الدين) يقف بلا شك في مسار التطور الديمقراطي لبلادنا، بحيث أنه يُؤدي، من جانب، إلى تقوية الوجه التقليدي في السلطة الذي لا يعترف بالقانون ومؤسساته، وأيضا إلى الحفاظ ورعاية الرّيع في البلاد كـ”التقاعدات الاستثنائية”، من جانب آخر.
إن الإنسان، وأمام هذا التعامل الحربائي مع الدين، لا يمكنه إلا أن يشفق على وضع الإخوان، ويقول لهم بلهجة المصريين: “عن ڭِـدْ أصبحتم مَسْخَرَة”، لكن في الآن ذاته، عليه ألا يتوقف عند هذا الحد، بل لا بد من العمل، بكل الوسائل المتاحة، لإزاحة هؤلاء على رأس الحكومة حتى لا تستمر نفس المهزلة على الأقل.
صحيح أن وجودهم في الحكومة، لا يعني وجودهم في الحكم، لكن المشكلة هي أنهم يتقنون دورهم بشكل جيد في التمثيل وبالتالي التضليل؛ إذ لا يجدون أي صعوبة في تمرير القرارات وتنفيذها، وفي نفس الوقت البكاء والظهور بمظهر المظلومين أمام المواطنين. ولهذا، فعلى الأقل الأحزاب الأخرى لن تستطيع فعل ذلك !
إن أطروحة “مقاطعة التصويت في الانتخابات” بمبرر أن الحكومة شكلية، وأن القرارات تؤخذ بعيداً عنها، هــي صائبة، ويُعلّلها النص الدستوري والممارسة أيضاً، لكن المقاطعة والانتظار لولاية كاملة طرح خاطئ، لأن ذلك يعني بقاء نفس الحزب على رأس الحكومة باعتباره يملك قاعدة انتخابية ثابتة، وبالتالي بقاء نفس التمثيل والتضليل الذي لن يكون في مقدور أي حزب ممارسته بإتقان.
إذن، فهل سيستمر المقاطعون في مقاطعة الانتخابات، والاكتفاء بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي أم سيعاقبون حزب “الإزدواجيون” في الانتخابات المقبلة؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.
👍🏻👍🏻👍🏻