2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

مصطفى بنشريف*
من المعلوم أن مبدأ الفصل بين السلطات، لقي حماسا كبيرا لدى زعماء وقيادات الثورة الفرنسية، بحث تم تبنيه كمبدأ دستوري إلى جانب إعلان حقوق الانسان والمواطن ،الصادر في 26 غشت 1789، بتنصيصه صراحة في المادة 168على أهمية فصل السلطات. وتم العمل بالمبدا في فرنسا بموجب أول دستور لها الصادر في 3 شتنبر 1791.
وبدورها، ستنجح الثورة الأمريكية بمناسبة وضع أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1787، في دسترة مبدأ فصل السلط لكونه يمثل جوهر تنظيم السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي اعتبره قسم واسع من الفقه الدستوري بأنه من ثوابت التشريع الدستوري الامريكي، لكن ذلك، لا يلغي إمكانية التعاون بين السلط، وهو ما يعرف بالفصل المعقلن للسلطات، وذلك من أجل ضمان سير مرافق الدولة، وهو الاتجاه الذي يوصف بالمرونة، أخذ به المشرع الدستوري الفرنسي أكثر من المشرع الدستوري الامريكي.
وبالنسبة للمغرب نتساءل عن مكانة مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور المغربي؟
لا أحد يجادل، في كون المغرب تأثر بالنظام الدستوري الفرنسي في تنظيم الدولة و سلطاتها، لكن مع تباين واضح على مستوى ممارسة الحكم وفصل السلطات، بحيث أن دستور 14 دجنبر 1962 ,كأول دستور للمملكة المغربية، عمل على دسترة طبيعة النظام السياسي المغربي، القاءم على الملكية التنفيذية وعلى تجميع السلط في يد الملك بصفته الدينية اولا، والدستورية ثانيا، استنادا إلى إمارة المؤمنين التي تضعه في مرتبة السلطة الاعلى، في كثير من الاحيان تسمو على سلطة الدستور، بالنظر إلى كون الملك هو مصدر الشرعية الذي يعتبر السلطة التأسيسية الاصلية والفرعية، أي أنه يعود اليه أمر وسلطة وضع الدستور وتعديله، وهذا بغض النظر عن المقتضيات الواردة في الدستور التي تنص على إمكانية المبادرة بتعديل الدستور إلى جهات معينة، لكنها تبقى مطوقة بالإرادة الملكية.
وهكذا يعتبر دستور 1962، اول وثيقة تتضمن مبادىء ومؤسسات، تماثل تلك المنصوص عليها في دساتير الدول الغربية، ويمثل ايضا بداية دسترة النظام السياسي المغربي، الغارق في التقليدانية الموروثة والمتجدرة في الدولة والمجتمع، بحيث تبنى العديد من المبادىء ذات القيمة الدستورية، ولو نظريا، كما حصل مع مبدأ الفصل بين السلطات ،الذي ظل وسيظل نسقا دستوريا متحكم فيه من طرف الملكية بتفويض من الدستور .
إن الملكية التنفيذية هي غير الملكية البرلمانية، في الحالة الأولى تمارس الحكم وتستغرق جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وفي الحالة الثانية تمارس الملكية البرلمانية اختصاصات جد محدودة ذات طبيعة رمزية.
لكن الاهم، هو أنه يجب القول بأن الدساتير هي من تحدد طبيعة النظام السياسي والمراكز الدستورية للسلطات والعلاقة فيما بينها، وهو ما يعني أن الاشكال لا يمكن تفسيره على مستوى الملكية ،بل يجد تبريره في الوثيقة الدستورية التي تعتبر القانون الاساسي للدولة، بحيث بعد إقراره يغدو ملزما لجميع السلطات والأفراد.
وتأسيسا على ذلك، يلاحظ من خلال الدساتير التي عرفها المغرب، أنها أكدت جميعها على مبدأ فصل السلط، لكن ضمن نسق متحكم فيه، علما أن الحالة الكاشفة والمعبرة عن أزمة فصل السلطات، تتمثل في عدم تنصيص دساتير، 1962و 1970و 1972و 1992 و 1996 ، على أن القضاء سلطة إلى جانب السلطة التشريعية السلطة التنفيذية، وهو ما اعتبر بمثابة تبعية القضاء للسلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي سيتداركه دستور 2011، في الفصل 107، مؤكدا ان ” السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية “، معلنا بذلك وبصفة رسمية على دسترة مبدأ الفصل بين السلطات، ليشمل جميع السلطات الدستورية، باستثناء الملك الذي له مكانة خاصة في النظام الدستوري والسياسي المغربي لاسباب تاريخية ودينية.
يتبع في الحلقة المقبلة.
*محامي
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.