لماذا وإلى أين ؟

مصطفى ولد سلمة يكشف لـ”آشكاين” كواليس مثيرة عن تحركات البوليساريو بالكركرات

يرى مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي السابق في جبهة البوليساريو المُبعد عن أهله وذويه في مخيمات تندوف بعد تأييده للحكم الذاتي، أن ما يحدث حاليا من مستجدات في معبر الكركرات جاء نتيجة محاولات الجبهة الانفصالية “تطوير جبهة داخل المغرب تحت غطاء حقوقي للضغط على المغرب. وإجبار المجتمع الدولي على وضع الإقليم تحت الولاية القانونية للأمم المتحدة كخطوة لنزع السيادة عنه. هذه الجبهة أصيبت بنفس أمراض البوليساريو الأم ودبت بينها الخلافات وتراجع أداؤها. ما جعل الجبهة تفكر في خيارات بديلة خاصة بعد فشل المعركة القانونية في المحاكم الأوروبية بشأن الثروات”.

ويشدد المفتش العام السابق في شرطة جبهة البوليساريو، في حواره مع “آشكاين”، على أن التصعيد الأخير للجبهة أفرز جناحين، جناح عسكري بقيادة موالين للجزائر يرون مصلحتهم من مصلحة الجزائر، يدعون إلى عدم التصعيد لدرجة الخطورة بحكم أن الجزائر غير جاهزة للدخول في حرب مع المغرب او تمويلها في الوقت الراهن، مقابل جناح صحراوي لا يريد البقاء في اللجوء إلى الأبد ويريد حلا ولا يراه في استمرار بقاء الوضع على ما هو عليه.

وخلص إلى أن المغرب في وضع مريح تفاوضيا. فقد حول معركة البوليساريو إلى معركة مع المجتمع الدولي بعد ان حصن جميع مكاسبه بقرارات مجلس الامن. بضمان تشريع الأمر الواقع

 

أولا، ما آخر المستجدات في معبر الكركرات؟

تعودنا على أنه كلما اقترب موعد مناقشة مجلس الأمن الدولي لنزاع الصحراء، تقوم جبهة البوليساريو بحركات استعراضية لتظهر للمجتمع الدولي أنها قوة موجودة في الساحة وأنها ذات تأثير.

وقف إطلاق النار كبل البوليساريو وحيّد جبهتها الخارجية ولم تعد بيدها أية أوراق ضغط عدا التهديد بالعودة إلى الحرب. والمجتمع الدولي يعرف أن البوليساريو في ظل ضعف الجزاىر لا تستطيع إعلان حرب.

لذلك عملت الجبهة على تطوير جبهة داخل المغرب تحت غطاء حقوقي للضغط على المغرب. وإجبار المجتمع الدولي على وضع الإقليم تحت الولاية القانونية للأمم المتحدة كخطوة لنزع السيادة عنه. هذه الجبهة أصيبت بنفس أمراض البوليساريو الأم ودبت بينها الخلافات وتراجع أداؤها. ما جعل الجبهة تفكر في خيارات بديلة خاصة بعد فشل المعركة القانونية في المحاكم الأوروبية بشأن الثروات.

في نهاية عهدة بان كيمون ومبعوثه كريستوفر روس، ظهرت مؤشرات لدى المغرب بأن الأمم المتحدة تحاول القفز على مكاسب المغرب التي حصل عليها في الماضي منذ أن حول مسار الحل من الاستفتاء إلى حل سياسي توافقي. فعمد إلى شغل الأمم المتحدة بقضية تلهيهم عن مناقشة الحل السياسي الذي يشتغل عليه كريستوفر روس باختلاق أزمة في منطقة الكركرات وإعلانه أنه سيعبد الكيلومترات الفاصلة بين المعبر وموريتانيا، ما جر قوات اابوليساريو إلى المعبر. ووصل الطرفان إلى درجة التصعيد الخطير الذي يستدعي التهدئة. وهو ما انشغلت به الأمم المتحدة. فجاء تقرير 2017 خاليا من أي جديد سياسي عدا الحديث عن موضوع الكركرات الثانوي.

المغرب الذي بادر بخلق الأزمة عرف متى ينسحب من الكركرات بعد أن حقق كل مكاسبه من العملية. وترك البوليساريو في مأزق فلم يعد هناك مبرر لتواجدها بالمعبر بعد انسحاب المغرب. مما اضطرها إلى الانسحاب تحت مسمى اعادة الانتشار.

وحتى لا تتكرر نفس الأزمة نجح المغرب في إدراج في مقررات مجلس الأمن بأن النشاط في المعبر مدني وأنه لا يجوز عرقلة الحركة فيه.. مقابل وعد للبوليساريو بأن الأمم المتحدة ستوفد بعثة تقنية لدراسة موضوع المعبر. وهو وعد لحفظ ماء وجه قيادة البوليساريو ليس إلا. لأن المغرب وقتها كانت لا تزال لديه أوراق ضغط أخرى متمثلة في طرد الأعضاء غير الأساسيين في بعثة المينورسو بعد تصريحات بان كيمون في المخيمات وزيارته لبير لحلو. وانصب جهد الأمم المتحدة بعدها في مفاوضة المغرب حول عودة أعضاء البعثة المطروطين. وهو الهدية التي قدمها المغرب للأمين العام الجديد غوتيريس.

 

أريد التنبيه إلى خطأ وقع في تقدير المسافة بين الحزام الدفاعي المغربي في قطاع المحبس والحدود الجزائرية الموريتانية فهي أقل من مسافة المنطقة العازلة في الكركرات

 

نعود إلى الأصل كون جبهة البوليساريو تتركز قوتها في المخيمات وقد حيد اتفاق وقف إطلاق النار تلك الجبهة. وفتح جبهة داخل المغرب فشلت كما فشلت المعركة القانونية حول الثروات. وكشفت أزمة الكركرات 2017 أن هناك ثغرة يمكن استغلالها للضغط على المغرب.

في البداية حاولت البوليساريو أن تتكفل جبهتها الداخلية بموضوع استفزاز المغرب في المعبر. ولما وهنت الجبهة الداخلية توقف كل شي وانتهت كل أوراق الضغط.

بعد اندلاع حراك الجزائر في فبراير 2019 ودخول الجزائر في نفق مظلم وجد المبعوث الشخصي الالماني كوهلر أنه لا فائدة من الاستمرار في مهمته في غياب أحد الأطراف الفاعلين وهو الجزائر، فرمى المنشفة. وأصبحت القضية الصحراوية من القضايا المنسية دوليا وبلا مسار تسوية لأزيد من سنة. زاد من صعوبتها وطول أمدها فيروس كوفيد 19 الذي ظهر مع مطلع العام الحالي. ما جعل قيادة الجبهة في مأزق أمام أنصارها الذين لم يعودوا يعرفون ماذا ينتظرون. فمسلسل التسوية متوقف وأيديهم مكبلة.

لذلك بدأت بعض الأصوات مؤخرا تتعالى في المخيمات لإغلاق المعبر للضغط على قيادة الجبهة وعلى المجتمع الدولي من أجل العودة إلى مسلسل التسوية.

 ألا يمكن أن تتسبب هذه التحركات في صراع وسط الجبهة، حيث ظهر جناح عسكري يراهن على إغلاق المعبر مقابل جناح مدني يريد تحركا ميدانيا لكن يريده مقتصرا فقط على البعثة الأممية؟

داخل قيادة الجبهة هناك جناحان: الموالون للجزائر المؤتمرين بأمرها الذين يرون مصلحتهم من مصلحة الجزائر، يدعون إلى عدم التصعيد لدرجة الخطورة بحكم أن الجزائر غير جاهزة للدخول في حرب مع المغرب او تمويلها في الوقت الراهن. ويدعون إلى عدم قطع العلاقات مع الأمم المتحدة بحكم أنها الحامي الأول لبقاء الجبهة في ظل ضعف حلفائها. والضامن لعدم عودة الحرب التي ستعني وضع بقية الأراضي الصحراوية خلف الجدار الدفاعي المغربي. لا ينقصه عن ذلك سوى توسعة الحزام من منطقة الحبس إلى الحدود الجزائرية ويفصل الصحراء عن الجزائر. وهي مسافة أقل من 100 كلم. وبعدها تصبح البوليساريو محصورة داخل الأراضي الجزائرية ما سيضطر الجزائر إلى الدخول بشكل مباشر في النزاع لأن هجمات البوليساريو ستنطلق من أراضيها. ونفس الوضع لا يخدم موريتانيا التي ستدخل في صدام مع البوليساريو أو مع المغرب في حالة استغلال البوليساريو الأراضي الموريتانية لشن هجمات على المغرب. والجناح الصحراوي الذي لا يريد البقاء في اللجوء إلى الأبد. ويريد حلا ولا يراه في استمرار بقاء الوضع على ما هو عليه.

ما هي أهمية الكركرات للطرف المغربي وللبوليساريو ولموريتانيا؟

أهمية الكركرات بالنسبة للمغرب أنها طريق تربطه بالعمق الإفريقي. وتعلم أن المغرب لا يمكنه المنافسة في الأسواق الشمالية، ولكن السوق الإفريقية هي سوق كبيرة ومستهلكة. وبعد توسعة ميناء طنجة المتوسطي واستكمال الطريق السيار أصبح المغرب نقطة عبور أساسية للأفارقة جنوب الصحراء من وإلى اوروبا. وبالتالي المعبر له أهمية استراتيجية بالنسبة للمغرب. فبدونه سيصبح المغرب محاصرا.

بالنسبة لموريتانيا الكركرات تدر عليها مداخيل ضريبية معتبرة. وبقاء الوضع على ما هو عليه حاليا بوجود المنطقة العازلة تساعدها في تحصين اقتصادها من منافسة المغرب القوي إذا ما بسط سيادته على الشريط الساحلي من الكركرات إلى لكويرة. ما سيجعل نواذيبو العاصمة الاقتصادية الموريتانية مدينة مخنوقة ومحاصرة بالاستثمارات المغربية.

بالنسبة للبوليساريو وجود منطقة عازلة في الكركرات تعطيها الأمل في الحصول على حصة من البحر في حالة تسوية مستقبلية تفرضها الجزائر. وبسط المغرب سيادته على كامل الشريط الصحراوي يعني سيطرته على كامل الصحراء النافعة. ويفقد البوليساريو فرصة التسويق لمشروع دولة بشكل فالمناطق التي تتواجد فيها هي مناطق صحراوية لا تتوفر على مقومات الحياة.

أريد التنبيه إلى خطأ وقع في تقدير المسافة بين الحزام الدفاعي المغربي في قطاع المحبس والحدود الجزائرية الموريتانية فهي أقل من مسافة المنطقة العازلة في الكركرات.

هل يمكن أن تشكل هذه الأزمة سببا للعودة إلى الحرب أم معبرا نحو الحل؟ وعلى اي أساس؟

أزمة الكركرات بالمعطيات الدولية الحالية هي أقرب أن تكون بداية للحل منها إلى الحرب. بسبب عدم جاهزية أي طرف لتمويل حرب. والمرجح أن تبقى على حالها حفاظا على استقرار المنطقة لحين تغيرت الظروف.

لصالح من يلعب نقل المعركة إلى الكركرات وكيف ترون الرد المغربي حيال ما يقع وهل آن الأوان لأن يحسم؟

المغرب يبدو من مكاسبه منذ وقف إطلاق النار أنه أكثر ذكاء وأبعد نظرا من خصومه. فهو يتحمل الضغط ويتقدم في النقاط بتحصيل مكاسب جديدة. فقد أوقف الحرب المكلفة منذ 1991 دون أن يفقد أي شبر من الأراضي التي حازها وهي أراضي الصحراء النافعة. ثم بدأ الاشتغال على تحويل مسار التسوية من مغامرة الدخول في استفتاء غير محسوم النتائج إلى التسليم له بالأمر الواقع فيما بات يعرف بالحل السياسي الواقعي التوافقي المقبول من جميع الاطراف. وهو الآن في وضع مريح تفاوضيا. فقد حول معركة البوليساريو إلى معركة مع المجتمع الدولي بعد ان حصن جميع مكاسبه بقرارات مجلس الامن. بضمان تشريع الأمر الواقع. فالحرب يحول دونها اتفاق وقف إطلاق النار. وغلق المعبر ممنوع دوليا. وحتى تغيير طبيعة الامر الواقع في المناطق شرق الحزام أصبح ممنوعا ايضا دوليا بسبب اجبار البوليساريو على عدم نقل منشآت او ممارسة اي نشاط سيادي إلى مناطق الحزام. وبالتالي المغرب في اريحية وليس في عجلة على الحسم. لأن الأمور تسير في صالحه.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x