2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د.توفيق عبد الصادق*
مع إعلان جبهة البوليساريو بشكل رسمي اليوم (14-11-2020) التخلي عن اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء المغربية، الموقع سنة 1991 برعاية الأمم المتحدة، يمكننا القول بأن المنطقة قد أخذت منعرجاً قد ينذر بسيناريوهات وخيارات أقلها، تحريك جمود ملف النزاع في أروقة السياسة ومنابر الدبلوماسية، وأكثرها حدة وربما خطراً تجدد الحرب والعودة إلى لغة السلاح…
حادث الكركارات السياق والتداعيات
قام المغرب فجر يوم 13-11-2020 بالتحرك عسكرياً لفتح معبر الكركارات على الحدود الجنوبية لمنطقة الصحراء مع دولة موريتانيا، بعد أن أقدمت جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال المنطقة عن المغرب بغلقه في وجه حركة النقل منذ مدة تزيد عن العشرين يوماً. الجبهة تحججت بأن المغرب خرق بنود اتفاق وقف اطلاق النار بفتحه هذا المعبر وتجاوزه المنطقة العازلة، لكن المغرب يقول بأنه يمارس السيادة على ترابه مشدداً التزامه القوي بوقف اطلاق النار.
فهم حادث المعبر وبعيداً عن حجج الطرفين المعلنة وتفسيرهما لبنود اتفاق وقف اطلاق النار وموقف القانون الدولي ومعهم بعثة الأمم المتحدة للمنطقة (المينورسو)، أعتقد أنه يجب طرحه ضمن سياق وإطار أوسع وأعمق. سياق تتداخل فيه رؤى الحل النهائي وطروحات في السياسة والعلاقات الدولية وموازين الربح والخسارة للطرفين.
بالنسبة للبوليساريو
تأتي خطوة غلق المعبر ونهجها لخطاب تصعيدي اتجاه المغرب بعد تهديدها بالعودة للحرب وحمل السلاح، نتيجة للجمود الذي يعرفه حل النزاع واقتناعها بعدم تحقيقها لمكاسب بالمفاوضات، خارج قبولها بمقترح المغرب الوحيد والمتمثل بالحكم الذاتي. لأن المغرب مسيطر تقريباً بشكل كلي على الأرض (أكثر من 80% من مساحة الصحراء).
وضع الستاتيكو هذا أرهق البيئة الداخلية لجبهة البوليساريو وطروحاتها المنادية بالاستقلال عن السيادة المغربية، لا سيما وأن مركبها الايديولوجي والسياسي وبناء حشدها التنظيمي، قائم على ما تسميه بحرب التحرير والكفاح من أجل تقرير المصير. خارجيا ايضاً ازداد مشروع الجبهة تفاقماً وتقلصت خياراتها بالنظر للتطورات الدولية وتأكل دينامية حركات التحرر مع تفكك المعسكر الاشتراكي، وسقوط تجارب استقلال حديثة سواء عبر الفشل الذاتي أو عبر المنع/ أمثلة (جنوب السودان، اقليم كردستان بالعراق ومنطقة كطالانيا بإسبانيا).
بالنسبة للمغرب
تحرك المغرب عسكرياً لفتح المعبر وابعاد عناصر جبهة البوليساريو ، واعلانه بشكل واضح ان تحركه غير هجومي وبأن العملية انتهت في حينه، يبرز قدرة القيادة السياسية والعسكرية للمملكة على أنها كانت مدركة لأبعاد حادث الكركارات الغير مباشرة، وهو ما جعلها تتأخر في التدخل طول مدة غلق المعبر الحدودي.
المغرب سعى بالدرجة الأولى عبر هذا التحرك إلى تعزيز صورته ومكانته في قضية الصحراء خارجياً، سواء أكان ذلك أمام محيطه الاقليمي وهنا اشارة إلى موريتانيا والجزائر أو أمام القوى الدولية وهيئات المنتظم الدولي، لأن المسألة فيها تأكيد على السيادة وعدم السماح بإرباك للمجهودات التنموية والسياسية المبذولة منذ سنوات في تسويق الخيار الوحيد للتسوية النهائية لقضية الصحراء، والقائمة على مقترح الحكم الذاتي تحت حكم الدولة المركزية.
السيناريوهات المتوقعة فهل تدخل المنطقة في حرب؟
اعلان جبهة البوليساريو نهاية اتفاق وقف اطلاق النار من جانب واحد يبقى المتغير الجديد منذ سنة 1991 لهذا النزاع الممتد منذ عقود، خاصة أن هناك عدة حوادث سابقة أبرزها ما وقع في العيون سنة 2010 فيما عرف بمخيم “أكديم إزيك”، كما أن المثير للتساؤل أكثر لماذا جاء هذا الاعلان من الجبهة اليوم والمعروف أن معبر الكركارات قد تم فتحه منذ أكثر من خمسة عشر سنة من الأن، وبقي دائم النشاط أمام حركية البضائع والأفراد حتى حدود اللحظة، بالرغم من تعرض بعض الأشخاص للسائقين بين الفينة والأخرى منذ سنة 2016 يقال بأنهم ينتمون للبوليساريو …
سنحاول في ختام هذه القراءة المختصرة للنزاع أن نضع سيناريوهات وتوجهات الأحداث مستقبلاً على الأقل وفق منظور قريب.
السيناريو الأول
تدخل الأمم المتحدة ودعوة الأطراف إلى جولة مفاوضات جديدة، وإن كان مستبعداً أن تنعقد في القريب العاجل. خيار سيجد قبولاً من المغرب لأنه في موقع تفاوضي قوي، أما جبهة البوليساريو قد ترفض في البداية لكنه سيكون مرجحاً لديها وبمثابة ربح إذا ما مرت الأيام القادمة دون تنفيذ تهديدها بالتخلي عن وقف اطلاق النار…
السيناريو الثاني
حدوث مواجهات محدودة قد لا تتجاوز أسبوع أو أسبوعين، يخوضها الطرفين دون تعديل لميزان القوى أي كل يبقى في موقعه الميداني، خيار يرضي جزئياً قواعد البوليساريو ، وبالنسبة للمغرب فخارج التدخل المحتمل للجزائر فسيكون وضعاً متحكم فيه…
السيناريو الثالث
خيار الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات، أعتقد أن هذا السيناريو مستبعد، لأنها قد تنزلق إلى مواجهة مباشرة بين المغرب والجزائر، كما أنها حرب تحتاج إلى تغذية من قبل قوى دولية وفي هذه الحالة هي غير موجودة بشكل مباشر ومعلن، وحتى إن وجدت فهي ليست واضحة، وهنا نتحدث عن قوى كفرنسا وأمريكا وروسيا…
*باحث في العلاقات الدولية