2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

عزيز رويبح
أسئلة عديدة تطرح نفسها بحكم واقع مهنة المحاماة و ما تعرفه من خصاص تشريعي و مؤسساتي، ولعل أول الأسئلة و أكثرها إلحاحا و راهنية هو كيف نحقق أمننا المهني ؟
هل بالإستسلام لنزوعات الخضوع لواقع عنيد هو نتاج لتراكمات ذاتية و موضوعية ابتدلت من كثرة التشخيص و قلة الفعل و شح القطائع و البدائل ؟ أم بمواجهة النواقص و الاختلالات مواجهة ناضجة شجاعة تسمي الأشياء بمسمياتها و تضغط على مكامن الجرح حيث هو؟
الأكيد أنه لا تغيير و لا إصلاح و لا كرامة و لا انطلاق و لا عزة ما لم نترجم نحن معشر المحامين و المحاميات جوهر قيم رسالة المحاماة إلى ثقافة و سلوك و أسلوب و ممارسة و اختيار و انحياز إلى القيم الإنسانية المشتركة من عدالة و حرية و كرامة إنسانية ….
نحن شئنا أم اأينا جزء من وطن جميل يئن حاجة و عطشا لقوة القانون و قوة الاخلاق …يئن عطشا لنا نحن المحامون! خبرنا التاريخ و منعطفاته العتمة و المضيئة، جرَّبنا و كنا في الموعد من أجل الوطن، من أجل استقلال السلطة القضائية و انسنة القوانين و قوة المؤسسات و إعلاء شأن الحقوق و الواجبات نعم برهنّا اننا بروادنا و نقبائنا و قيدومينا وقضاتنا الشرفاء الوطنيين كوننا رقما نوعيا منتجا للقيم و المبادئ و الأحلام الموجهة لدولة الحق و القانون و المؤسسات.
أدبياتنا و ثراثنا و مواقفنا بصمات محفورة ناصعة في سجلات تاريخ بلدنا الرائع لن تزيدنا إلا ثقة في النفس وفي مُكنات استشراف غد أفضل بعيدا عن الصغائر و بعيدا عن تلابيب الانسياق وراء التهافت المضني المناقض لما ينبغي أن نكون عليه كنخبة مستنيرة فاعلة و قاطرة لعدالة هي ملاذنا و درعنا و مستقبلنا الآمن لنا و لأبنائنا …و أبناء وطننا….
نعم لا يمكن أن يكون المحامي ة قويا اذا انكمش على ذاته و انطوى ضمن وثائق ملفاته، و أجبر على ابتلاع لسانه و طموحاته .
المحاماة كسب و عيش و أمل و بناء شخصي و أفق ارتقاء اجتماعي حر لكنها في نفس الآن ثقافة و فكر و اقتحام لفضاءات و مجالات عصية على الغير لكنها متاحة للمحامي من المهد المهني إلى اللحد البيولوجي! لا مكان اليوم للنهل من ترتيبات اليأس و خطابات المهادنة الانتهازية المثقلة بالمسايرة و التبسيط و التسطيح حتى لا نسقط أرضا و نهوى ضعفا و هوانا تكون تكلفته باهضة تجرف بجوهر مهامنا و رسالتنا و أدوارنا المهنية و الحقوقية و الوطنية…
مهنتنا و جداولنا غنية مرصعة بالطاقات والكفاءات و المنارات و الرواد هي مصدر فخرنا و إيماننا بأن التغيير ممكن لتبقى المكتسبات المضيئة مرعية و محفوظة…
تعاقدنا” المقدس” و برنامجنا المتواصل غير العرضي و لا المناسبتي هو من أجل محاماة قوية موحدة متضامنة و من أجل عدالة عادلة و منصفة… هذه بعض مآلات أمننا المهني و مقاصده…
كيف ننطلق نحو تثمين البناء و استشراف المستقبل ؟
بداية أن تكون المؤسسات المهنية نتاج انتخابات حرة ، نزيهة ، شفافة و بعيدة ما أمكن عن أي جهة أخرى قضائية أو سياسية أو طائفية …
– أن تكون هذه المؤسسات ذرعا قويا غير مهادن في حماية المحامين و المحاميات من أي تعد أو غصب أو نيل أو تغول و أن تكون لها القدرة على تيسير عمل المحامي و على ضمان كرامته و رفعته و نجاعته عند الممارسة المهنية بمكتبه و في علاقاته بمصالح مختلف المؤسسات القضائية و الادارية ..
أن تساهم نفس المؤسسات في إيداع و بلورة أسباب مصالحة حقيقية و فعلية و دائمة مع المحيط المجتمعي للمهنة بغية إعلاء الاعتبار الرمزي للمحامي و إعادة الثقة و شروط الاحترام المتبادل مع كل الشركاء .
– أن تكون المؤسسات المهنية حريصة على خلق جو مهني خال من الدوائر المغلقة ذات النعرات الانتخابوية الصرفة الخالية من كل نقاش مهني بناء و جدي ، جو صحي من مراميه أيضا تحقيق أسس و قواعد المنافسة المشروعة و الحد من الاحتكار غير المشروع و ذلك بالانفتاح على الشركاء الأساسيين لتكون المسؤولية جماعية و مشتركة بدل الارتكان إلى جلد الذات و التعاطي مع المحامي “كمتهم منفرد” و سط “عالم من الأبرياء و التقاة “….
من مسؤولية المؤسسات المهنية الأخلاقية الحفاظ على المكتسبات التي من شأنها خدمة القضايا الاجتماعية بمختلف تجلياتها عبر اجتهادات و إجراءات عادلة و منتجة لقيام تكافل فعلي عادل منصف و متوازن …
– العمل على رد الاعتبار للجزء المضيء من ماضينا المهني بنسائه و رجاله و استثمار قوة و حيوية و حماس الأجيال الجديدة الشابة مرتكزا للانطلاق الواعد نحو إصلاح” عميق و شامل ” بوعي و نضج و مسؤولية و ترافع مستمر و مستنير خدمة للمهنة ، خدمة للعدالة بأهداف و وسائل و غايات مبتداها و منتهاها المصلحة العليا للوطن و المواطنين …
نعم” العالم تمثلات” و المحاماة كذلك تمثلات و لكل منا تمثلاته وهموهه !
*محامي
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.