لماذا وإلى أين ؟

عصيد يكتب: الداخلون إلى الإسلام والخارجون منه

الداخلون إلى الإسلام والخارجون منه سواء، فللداخلين حججُهم وأعذارهم وللخارجين كذلك، لكن الناس في بلاد المسلمين لا يرون الأمر بهذه البداهة، فالإسلام عندهم هو الدين الذي يمكنك الدخول إليه بالزغاريد والخروج منه بقطع الرأس، ما يعكس قدرا كبيرا من التخلف الفكري والاجتماعي، هذا مع تسجيل أنّ الدولة المغربية خطت خطوة كبيرة منذ سنة 2014 في طريق الاعتراف بحرية المعتقد والضمير، بتوقيعها على قرار أممي بدون تحفظ، يتضمن التعهد باحترام حرية التدين في المغرب. كما أن المجلس العلمي الأعلى نفسه بعد أن ارتكب سنة 2013 خطأ اعتماد حديث منسوب إلى النبي في البخاري يقول “من بدل دينه فاقتلوه”، عاد سنة 2017 وصحّح موقفه بالقول إنّ الإسلام يتضمن حرية المعتقد في الكثير من الآيات القرآنية وأن ما يُسمى “حدّ الردة” لا يعدو أن يكون حُكما سياسيا وليس دينيا.

يحتفي المسلمون بمن دخل في الإسلام، لأن ذلك يعطيهم ثقة في إيمانهم الذي أصبح يعاني من هشاشة كبيرة بسبب التحولات الراهنة التي أبرزها الاكتشافات العلمية والدراسات التاريخية التي حطمت فكرة “العصر الذهبي” والشخصيات الدينية المثالية، وكذا انتشار الانترنيت الذي أشاع بين الناس الكثير من الحقائق التي كان يخفيها الفقهاء باعتبارها تضرّ بالدين وبإيمان الأفراد.

لكن بالمقابل لا يرتاح المسلمون لمن يغادر دينهم إلى دين آخر، أو إلى فضاء الإلحاد أو اللادينية، وهم لا يكتفون بمعاملته بلا مبالاة بل يفضلون التعبير له عن استيائهم في البداية ثم عن قدر كبير من البغض والكراهية بعد ذلك قد تتحول إلى حصار وتحرش دائم أو إلى عنف لفظي ومادي. يحدُث هذا مباشرة في الأوساط العائلية كما يقع في الأحياء أو عبر وسائط الاتصال والتواصل الحديثة.

مناسبة هذا الحديث واقعة انتقال أحد الإعلاميين الإسلاميين المغاربة مؤخرا من الإيمان الديني الإسلامي إلى الشك ثم الإلحاد، حيث اختار من باب الأمانة والصدق مع نفسه ومع الآخرين أن يحكي عن تجربته ومعاناته، ومن أغرب ما وقع نتيجة ذلك أن بعض الذين تفاعلوا مع تصريحاته من الإسلاميين دعوه إلى عدم الحديث عن تجربته والسكوت عنها حتى لا يستفيد من ذلك أعداء الإسلام ( !) والمضحك أن من عبّر عن مثل هذه الآراء برلمانيون إسلاميون، أي أنهم من المفروض أنهم ينتمون إلى النخبة لا إلى العوام، ويفهمون أبجدية الحرية والاختيار والفارق بين المجال الشخصي والمجال العام، لكن تعبيرهم ذاك الذي يعكس اضطرابا وارتباكا كبيرين، يدلّ على أنهم يفكرون بمفاهيم وتصورات لم تعد من عصرنا هذا منذ زمن طويل.

إن الإلحاد ظاهرة كونية تعرفها جميع الثقافات والديانات منذ أقدم العصور، والإسلام مثل بقية الأديان يدخل إليه أناس مثلما يغادره آخرون، إما نحو الإلحاد أو في اتجاه ديانات أخرى. والأمر لا يكتسي أي طابع درامي ويكفي التذكير بأن الإيمان أو الإلحاد معا يُعبّران عن موقف شخصي مُغرق في الذاتية، وعندما يسعى الآخرون إلى حشر أنوفهم فيه فإنهم بذلك يبرهنون على أن الإيمان لا يهُمهم بقدر ما تشغلهم الوصاية على الآخرين وكذا السلطوية وثقافة القطيع، وهي أمور إيديولوجية بالأساس ولا علاقة لها بالإيمان أو عدمه.

أما الملحدون أو اللادينيون فلا يكترثون بدخول الإنسان في دين ما أو بمغادرته، والسبب أنهم لا يعتبرون الإلحاد مشروعا سياسيا يتطلب نوعا من التجييش والتعبئة، بقدر ما يربطونه بالتحرّر الفردي، بينما الإسلاميون ينتفضون ويقعون في الارتباك كلما انتقل أحد ما من معسكرهم إلى فضاء الإلحاد أو اللادينية، لأنهم يعتقدون أنهم فقدوا “جنديا” من جنود الدعوة والخلافة القادمة التي لن تتحقق إلا في خيالهم. وتبرز هذه الظاهرة بوضوح بأن الإسلاميين وحدهم من مازالوا يعلقون على الدين مهاما لم تعد من اختصاصه في عصرنا هذا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

4 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
ما شاء الله
المعلق(ة)
26 نوفمبر 2020 17:16

المسكين عصيد أرقه الاسلام وتسبب له في حساسية مزمنة . اسلم او اكفر من أداها فيك يا عصيد . كاد المريب ان يقول خذوني .
بل قالها منذ أمد بعيد !!!!!!

إسماعيل
المعلق(ة)
26 نوفمبر 2020 15:54

في مناقشة موضوع الإيمان والإلحاد هناك اعتناق أو إنكار !وليس دخول أو خروج ! وبهذا ف:إنّ الدين لله ،ومَنْ شاء فَلْيُؤمِنْ ومَنْ شاء فَلْيَكفر ، والله غني عن إعلان الإيمان أو الرِّدة أو إضمار الإلحاد ! وحتى نستَفِزَّ تفكير الأستاذ عصيد ندعوه إلى البحث عن عدد الدول الأوروبية التي تحمل راياتها صليبا ؟ وعن السرّ في ذلك ؟ حتى نجعله يُبعد عن نفسه شبهة العداء للإسلام !

علابوش
المعلق(ة)
26 نوفمبر 2020 02:50

كرهونا حتى فالحياة وسببوا لينا نفضلوا نموتوا
او بتعبير اخر نتتظر الموت بشغف ليخلصنا من الحياة بينهم

فما بالك بالدين

سعيد السلاوي
المعلق(ة)
25 نوفمبر 2020 23:42

واللي ماعمرهوم ما دخلو ما خرجو …

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x