لماذا وإلى أين ؟

بلكبير يُعَدّد الأسباب الخفية لزيارة كوشنر والوفد الإسرائيلي للمغرب (حوار)

تتسارع الأحداث المتعاقبة بعد إعلان المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بإعادتها على سابق عهدها قبل تجميدها منذ سنة 2002، إذ يعتزم جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي زيارة المغرب، الثلاثاء المقبل، السفر على متن رحلة جوية مباشرة من تل أبيب إلى الرباط، على رأس وفد يضم شخصيات إسرائيلية وأمريكية.

الرحلة المرتقبة للوفد الأمريكي الإسرائيلي إلى المغرب، والتي أعلنت عنها وسائل إعلام عبرية في غياب أي تأكيد رسمي من المغرب، تهدف إلى “إجراء مباحثات تتناول مختلف المجالات المتعلقة باستئناف العلاقات بين إسرائيل والمغرب”.

المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير، سلط الضوء في حوار أجرته معه “آشكاين”،  على أسباب هذه الزيارة المستعجلة للمغرب برئاسة كوشنر، والأهداف التي قد تكون غير معلنة خلال هذه الزيارة، موضحا تداعياتها على ارتفاع منسوب مناهضة التطبيع واتساعه، وما قد تحدثه من صدام بين البورجوازية اليهودية والمغربية، محذرا من وقوع المغرب في خطأه القديم قبيل الاستقلال مع اليهود المغاربة.

وفي ما يلي نص الحوار: 

بداية..ما هي قراءتكم للنقاش الدائر لاستئناف الاتصالات الثنائية بين المعرب وإسرائيل؟

هذا يدخل في ما يتعلق بالتطبيع، وليس فيه جديد بالمقارنة بما جرى من قبل مع بعض مَشْيَخَة الخليج، ولكن مشيَخة الخليج ليس لديها قيمة، كما هو الحال للمغرب، وإنا هي لديها قيمة مالية، ولا قيمة لها من الناحية السياسية، إلا إذا اعتبرنا أن المال يصنع السياسة؛ ولا شك أن السياسة والمال لهما علاقة. ولكن في جميع الحالات مشيخة الخليج لا قيمة لها مقارنة مع المغرب.

وكما لاحظ الكثيرون فالأمر لا يتعلق بالتطبيع، لأن التطبيع كان حاضرا دائما، ولكن هناك محاولة جر للمغرب لتحالف يجري تأسيسه، أو تشكيله لمواجهة عدو لا علاقة لنا به وهو إيران، والأخيرة تواجَه لأنها تهدد الوجود الصهيوني بفلسطين المحتلة.

والولايات المتحدة بصدد رفع يدها بدرجة عالية عن الوضع في ما يسمى بالشرق الأوسط، أو الشرق العربي، لمواجهة الصين بالخصوص، ولكنها تخاف أن تترك إسرائيل لمصير مجهول، ولذلك التزم ترامب ومعه أمريكا كلها، لأنه لا خلاف في أمريكا حول إسرائيل.

بالتالي هم يوفرون لها ذاتيا شروط الصمود، كالاعتراف بالقدس وقضية الجولان، والضفة الغربية إلى آخره، بمعنى أوراق للمساومة أكثر منها منجزات حقيقية.

ولكن الخطر بالنسبة لإسرائيل يأتي من خارجها، خاصة من حلف المقاومة ولواحقه، وأقصد العراق واليمن، والمؤكد أن الميزان سينقلب على إسرائيل إذا ما انسحب أمريكا من العراق وسوريا ومعها أفغانستان وإلى حد كبير من بعض الدول التي عملت معها على التطبيع مع إسرائيل لإبعادها عن أن تكون مع المقاومة ليس أكثر.

وإسرائيل لا تطلب من هذه الدول أكثر، فالسودان مثلا ضمنت له عدم التقسيم والمزيد من التفكيك، وضمنت له الخروج من لائحة الإرهاب، وأظن أن هذا أقصى ما يمكن أن يقدمه السودان للتحالف الذي يُؤَسّس.

والمغرب شيء آخر، لأنه دولة عريقة ومجتمع مدني عتيد وموقع جغرافي استراتيجي على جميع المستويات، وقوة عسكرية ضاربة، وديموقراطية في مرحلة متقدمة من الانتقال، ولذلك يمكن أن نعتبر أن كل ما ذكرناه عن الدول الأخرى التي طبعت  كع إسرائيل هي مقدمات قامت بها إسرائيل للوجبة السمية التي هي المغرب، لأن المغرب بالنسبة لهم هو أمهم.

وهل المغرب سيسير معهم إلى النهاية في هذا الطمع، وفي هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي؟ هذه مسألة مرهونة بالزمن. وأنا أشك كثيرا في ذهاب المغرب في هذا الاتجاه وأستبعد ذلك كثيرا.

فالمغرب ربح شيئا كبيرا أكثر من أي شيء آخر، وهو حدث جبار ونستحقه، لأننا صبرنا وضحينا، وبالتالي لا يمكن أن يمنّ علينا أحد به، رغم أنه جاء قبل ما كنا ننتظر، ولكن الأهم هو أنه أتى. وهؤلاء الذين قدموا تنازلا واعترفوا للمغرب بحدوده البحرية وبسيادته على الصحراء، ودفعوا دولا أفريقية وعربية لفتح قنصليات، هل هذا كله من أجل إبعاد المغرب عن “السقوط” في أحضان الصين؟ وهذا ما أرجحه.

لأن المغرب كان في سبيله للذهاب نحو تحول استراتيجي، وقضية اللقاح مؤشر على ذلك. والسؤال الآخر هل سيذهب المغرب إلى نهاية مطامع أمريكا وإسرائيل في ان يدخل في حلف ضد إيران؟ وهذا أستبعده. ولكن استبعادي لذلك لا يعني أن الآخرين لا يفكرون في هذا. والزمن القريب كفيل كذلك بكشف صحة هذه التوقعات. وإن سار المغرب في هذا التوقع الأخير فستكون كارثة.

هل الزيارة المرتقبة الأسبوع المقبل لوفد إسرائيلي برئاسة المستشار الأمريكي كوشنر بمثابة تسريع لتطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية؟

طبعا. هم يستغلون الزمن، وكما تعلم ان بسيكولوجية اليهودي هي بسيكولوجية تاجر يلزمه ان يربح أكثر، فهم يستعجلون. وبالمناسبة لا يمكننا ان ننكر انهم عكس دول الخليج، إذ الإسرائيليين أعطوا العربون من قبل؛ ثم طلبوا منا ان نلتحق بمطالبهم.

ما هي مطالبهم؟ هنا مجموعة من الأسئلة. وهنا يأتي عنصر ثالث لم نتحدث عنه، لأن اليهود لديهم مخطط العودة إلى المغرب. وهذا الرهان أقرته الجامعة العربية في مؤتمر الخرطوم، حين طلبت من الدول العربية التي هاجر منها يهود ان تعمل على شروط عودتهم بما يساهم في تحصين الشعب الفلسطيني من الاستيطان.

ولذلك هذا ليس فقط موفقنا لوحدنا، من التقدميين والاشتراكيين والعلمانيين وغيرهم، بل هو موقف حتى الجامعة العربية، ونحن كمغاربة ليس لدينا مشكل، بل نحن فرحون بذلك، لأننا أصلا ضد تهجير اليهود الذي تم مع بداية الاستقلال، خاصة وأن لدينا أكبر جالية في العالم العربي، فبدل ان تبني وطنها، نجدها تهدم وتخرب أوطان أخرى.

ولكن عودتهم تشكل مشكلا آخر، وكما نقول بالعامية المغربية “اليهودي لي شافها ديالو ولي ما شافها عندو فيها النص”، إذ انهم عادوا لمقابرهم، وأضرحة أوليائهم وقاموا بتحفيظها عقاريا، وحتى ما باعوه من عقارات يريدون استرجاعه، لأن الوثائق مازالت في أيديهم، ولذلك فهذه الزيارة يريدون منها ضرب الحديد “ما حدو سخون”، مادام هناك حماسا.

وهناك عنصر رابع، هو ان أمريكا وإسرائيل يخسران يوميا تركيا، والآن يفكرون ربما يكون المغرب بديلا عن تركيا في بعض المجالات طبعا، لأن تركيا قوة عسكرية وعضو في الحلف الأطلسي، وحدودها محاذية لروسيا، وهي تدخل في مخططات كبيرة للعولمة، ولكن المغرب يمكن أن يلعب بعض الأدوار التي كانت تلعبها تركيا بالنسبة لإسرائيل، ولا يوجد من يلعبها غيرنا. ومثال واحد على ذلك هو القمار.

والمعروف على اليهود أنهم من كبار المقامِرين، وسأعطيك رقما صغيرا انا عايشته، فمنذ 10 سنوات كنت في ازمير، وتوجد حينها 20 طائرة إسرائيلية تأتي يوميا لأزمير فيها إسرائيليون يلعبون القمار ليلا ثم يعودن إلى إسرائيل. هذه فقط أزمير ناهيك عن المدن الأخرى في تركيا.

وكما تعلمون ان أخطر أداة لتبييض الأموال على الإطلاق هي القمار. والتجارة الربوية كلها مفاسد، من مخدرات والتجارة في السلاح والأدوية المغشوشة والسجائر المغشوشة وغيرها؛ فبالقمار يقع التبييض، وهذا مصدر من مصادر قوة اليهود في العالم.

فيوم كان المغرب يريد ان يقيم تمثيليته في غزة، ما هو التبرير الذي كان أساسا لبنائه مطار في غزة؟؛ هو أن هذا المطار سيكون فيه منطقة حرة وفيها كازينوهات، لكي لا يضطر اليهود للذهاب إلى مكان آخر.

ولا أستبعد ان يكون هذا المخطط مازال قائما، لأنه في العالم العربي، مثل مصر وليبيا ولبنان ومصر، ليس فيها كازينوهات ليمارس فيها اليهود القمار؛ وهذه من الأهداف التي فد تظهر لك صغيرة، ولكنها ليست صغيرة بالنسبة للاقتصاديات السياسية لما يسمى الدولة الإسرائيلية.

وعلى كل حال زيارة كوشنر المرتقبة هدفها الاستعجال وتثبيت الأوضاع قبل أن يأتي الرئيس الأمريكي المقبل، ليس لأنه لا يقبلها، ولكن ليخففوا عنه العبئ ويسهلوا عنه المأمورية، فعلى العكس، جو بايدن يصرح دوما على انه صهيوني، عكس ترامب الذي لم يصرح بها.

في نظرك ماذا سيجلب كوشنر والوفد المرافق له خلال خلال زيارتهم المرتقبة للمغرب ؟

اهم شيء على الإطلاق، في نظري، هو التبادل الدبلوماسي ودرجته، لأن درجته ليست محسومة بعد، فإذا لاحظنا بلاغ أمريكا بإقامة قنصليتها بالداخلة، وهي خطوة جبارة، وللإشارة فلمدة شهر والمفاوضات قائمة هل ستكون القنصلية في العيون ام في الداخلة.

وكان النقاش دائرا حول هل ستكون القنصلية في العيون بما يرضي الجزائر التي تسعى للحل في إطار التقسيم، او في الداخلة بما يغضب الجزائر ويحسم وحدة المغرب الترابية نهائيا، ولقد نجحنا في هذه الأخيرة.

هل المغرب اعطى لإسرائيل ان تكون لهم تمثيلية على مستوى السفارة؛ هذه المسألة قد تكون هي الموضوع الرئيسي لزيارة كوشنر والوفد المرافق له، أي أن تكون للمغرب سفارة ولإسرائيل كذلك وليس مكتب اتصال فقط؛ وما ذكره ناصر بوريطة وبلاغ الديوان الملكي جميعها تتحدث عن مكتب الاتصال أي المستوى الذي كنا عليه في ما قبل، وان تبقى الدبلوماسية في إطار قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين إلى آخره، وبالتالي لديه مجال للمساومة.

فمثلا مع الإمارات المتحدة، كانوا قد اتفقوا على التطبيع وبقيت قضية تسليم “إف-35” للإمارات معلقة، إلى درجة انه عندما نفى نيتنياهو رسميا، في مؤتمر حزبه، ما صرحت به أمريكا على انها تفكر في إعطاء الإمارات “إف-35″، مباشرة بعدها أخبرته الإمارات أن صفقة التطبيع لاغية، فاضطرت بعد ذلك إسرائيل لإعادة حساباتها ورضخت للإمارات، وهذا يعني ان الإمارات ستصبح ثالث دولة في العالم تمتلك “إف-35”.

لماذا “إف-35” للإمارات؟ هل الامر مقتصر فقط على مواجهة إيران؟ ام بشيء آخر يهم المغرب العربي؟ لا قدر الله. الأمر معقد للغاية، وعلينا ان ندخل في الاعتبار دائما أن  إسرائيل يعملون بالتفاوض المتدرج، وليس الكل او لا شيء، بمعنى كل صفقة تؤدي إلى الأخرى او تعدلها.

ما أريد ان ألفت انتباهكم له هو الوضع الدولي، وليس فقط داخل إسرائيل او المغرب او أمريكا او فلسطين، لأن خطوات أمريكا لا بد أن تخبر بها روسيا، كي تعرف ردة فعلها، هل ستعتبر الخطوة خطا احمرا؟، وطبعا روسيا هي بمثابة أُذن للصين، باعتبار الأخيرة لا تدخل الآن في السياسات الدولية،  إذ تهمها التجارة بشكل أكبر، وتنوب عنها روسيا في هذا الأمر. فحتى احتجاج روسيا عن قرار أمريكا  تجاه المغرب كان طفيفا للغاية، ولم يستمر.

ألا يمكن أن تزيد هذه الزيارة من غضب المناهضين للتطبيع؛ خاصة بعد توقيع 60 منظمة وعشرات الشخصيات المغربية لعريضة ترفض زيارة كوشنر للمغرب رفقة هذا الوفد الإسرائيلي؟

الغضب دائما في تزايد ودائما سيكون، فقط الفرق هذه المرة، أنه خلال هذه الفترة الماضية طغت الفرحة على الغضب، ولذلك هناك تخوف من أن يتضاعف هذا الغضب كما أشرت في سؤلك.

ويجب أن ننتبه لمسألة أخرى، فالزيارات السابقة لكوشنر للمغرب، والتي فشلت بأن تكون معلنة، فقد لعبت العرائض دورا في إفشال علنيتها، وكانت الدولة راضية عن تلك العرائض، لأن الدولة أرادته أن يأتي سرّا. وهل هذه العريضة ستلعب نفس الدور؟، هذا لا يمكن ان نحكم عليا.

ولكن في جميع الحالات مناهضة التطبيع ستزداد من مختلف القوى، وسأعطيك قرينة واحدة، كما وقع في الخمسينيات، البورجوازية المغربية كانت تعاني من مزاحمة البورجوازية اليهودية لها، ولذلك ساهمت في طردها من المغرب. ونحن نعرف موقف الاستقلال حينها، وكان موقفا مؤسفا، وشيء من هذا القبيل يمكن ان يحصل اليوم.

بالتالي فالمناهضة سيتسع نطاقها ولن تبقى محصورة في البعد الفكري والسياسي، بل يمكن أن يصبح فيها بعد اجتماعي، لان هناك بورجوازية صناعية وتجارية يمكنها ان تحس بالخوف على مصلحها، كما هو الحال بالنسبة للبورجوازية الفلسطينية واللبنانية، فلماذا إسرائيل تقوم بهجوماتها على سوريا ولبنان لانهم منافسين على صعيد التجارة العالمية. لذلك تستعمل إسرائيل الحرب لإضعافهم، والاخرون يحسون بالخوف. بالتالي هناك إمكانية تضاعف هذا البعد الذي أِشرنا له سابقا في المغرب.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
لحسن عبدي
المعلق(ة)
19 ديسمبر 2020 13:22

1- المغرب في احضان الصين “لا ” لان مستقبل الصين التنحي من السباق
2- اعتراف وسفارة أمريكية تأمين الأطلسي من اي قوة ناهضة
3- قوة المجتمع المدني المغربي تبعي لن يؤثر على القرار الرسمي
والله اعلم

ملاحظ
المعلق(ة)
17 ديسمبر 2020 16:19

انتهت صلاحيتك واصبحت تخبط طولا وعرضا كيف تقول ان ايران تهدد اسرائيل بالله عليك ماذا قدمت هذه الدولة لفلسطين غير الشعارات الكذابة لكنها نجحت في تقسيم الفلسطينيين لتصبح هناك سلطتان تتصارعان عن الكراسي والهرولة نحو اسرائيل لتبقى مستفيدة من الوضع بارك من الكذب والبحث عن المنافع الخاصة.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x