لماذا وإلى أين ؟

زين الدين يُعدّد آثار تعيين مبعوث شخصي لغوتيريش على ملف الصحراء المغربية

تتوالى المؤشرات السياسية الدولية التي تلوح بقرب طيّ ملف الصحراء المغربية، فبعد التوجه الجديد لرؤية دول العالم للملف، والذي فرضه الدعم الأمريكي للأطروحة المغربية باعتماد الحكم الذاتي كحل نهائي لهذا النزاع، صدرت مؤخرا تقارير بُنيت على تسريبات تتحدث عن استفراد رئيس الوزراء ووزير الخارجية الروماني الأسبق، بيتري رومان، بترشيحه في منصب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، الذي ظل شاغرا لقرابة عام ونصف، وهو ما قابلته الجزائر بعدم ارتياح مطلق عبر إعلامها، خاصة وأن رومان عُرف بقربه من الأطروحة المغربية، واصفة إياه بـ”صديق المغرب”، نافية عنه صفة الحياد.

ولمعرفة خلفيات هذه التسريبات في هذه التوقيت بالذات، أجرت “آشكاين” حوارا مع المحلل السياسي  وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد زين الدين، لمعرفة أسباب عدم ارتياح الجزائر من هذا التعيين المرتقب، وما الغرض من هذه التسريبات في ظل الأجواء والتطورات التي يعرفها  ملف الصحراء المغربية، كما بين زين الدين الأثر الذي قد يحدثه تعيين بيتري رومان في هذا الملف، موردا مقتطفات من سيرته التي اعتبرها “غير عادية”.

وفي مايلي نص الحوار:

ما قراءتكم للتسريبات الأخيرة التي تتحدث عن التعيين المرتقب لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الروماني الأسبق، بيتري رومان، في منصب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة؟

أعتقد أن هذا الخبر لحد الآن ليس مؤكدا، لكن جميع  المؤشرات تنحو إلى إمكانية تأكيده، على اعتبار أن ما قامت به البوليساريو في منطقة الكركارات، كان صفعة لها وللجزائر، وتنديدا لتصرفاتها من قبل المنتظم الدولي.

ثانيا، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، ومعها العديد من الدول، معطيات تصب في اتجاه تأكيد هذا الخبر.

ثالثا، تسريع خطى افتتاح  القنصليات بكل من الدخلة والعيون، من قبل دول إفريقية وعربية، والخطوة المقبلة بفتح قنصلية ذات صبغة اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، هي كذاك أمور تدفع بالأمين العام للأمم المتحدة إلى ضرورة تسريع هذا التعيين.

خصوصا أن هذا المنصب ظل شاغرا على امتداد 18 شهرا، بعد فشل كوهلر، المبعوث السابق في إيجاد حل لهذا الملف المفتعل، ولكن البحث عن بروفيلات لحل ملف معقد ومتشعب وفيه تداخل العديد من المصالح، ليس بالأمر الهين للأمم المتحدة، خصوصا وأن التجارب أكدت أن المبعوثين السابقين فشلوا في تدبير هذا الملف على امتدادا 45 سنة.

والسياق السياسي والتحولات الجيوستراتيجية الحاصلة في المنطقة، والانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب، تدفع بالأمم المتحدة إلى ضرورة تعيين مبعوث جديد بمواصفات جديدة مختلفة عن المواصفات السابقة للمبعوثين السابقين، وذلك بسبب الأمور التي ذكرتها سابقا.

رومان يعتبر حسب مراقبين المرشح الوحيد المتبقي لدى غوتريش بعد شغور المنصب لمدة طويلة، هل يمكن اعتبار هذه التسريبات بمثابة جس لنبض الطرفين وتقبلهما لهذا الاسم؟، خاصة وأنه معروف بقربه للأطروحة المغربية؟

بالفعل، فبيتري رومان كان من المشاركين في منتدى “كرانس مونتانا” الدولي، سنة 2015، وهو رجل لديه اطلاع واسع ودقيق في ملف قضية الصحراء المغربية، وهو يعرف تفاصيل وخلفيات الملف عن كثب، ويعرف ما يُحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب. ولا نقول أنه يميل إلى الأطروحة المغربية، ولكنه يمارس حيادا واقعيا، وحيادا مناصر للقانون الدولي، ومناصرا لوحدة الشعوب ولوحدة الدول.

فعندما نعود إلى بيتري رومان، فهو وزير خارجية سابق لرومانيا، وكان رئيس دولة، وحقق نجاحات كبيرة في إدارته لدولته، إلى جانب أدواره الدبلوماسية القوية جدا على مستوى أروقة المم المتحدة.

وكما أشرت  سابقا، فإن بحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن بروفايلات وازنة من هذا النوع مسألة صعبة جدا، والقبول بهذه المهمة في حد ذاته عملية صعبة، لأننا أمام ملف جد معقد ومتداخل، وفيه قوى إقليمية ودولية. فليست الجزائر وحدها من تناوئ الوحدة الترابية بل حتى إسبانيا  كذلك وبشكل أكبر.

أعتقد أن هذه ورقة مهمة للأمم المتحدة، بأن يتم تعيين كفاءة من طينة بيتري رومان، لأنه إلى جانب كاريزمته وتجربته في المجال السياسي، كرئيس دولة وتجربته الطويلة جدا على مستوى وزارة الخارجية  الرومانية، ولديه اطلاع جيد جدا، ويعتبر مفاوضا ذكيا في إدارة الملفات، وهو يدرك تمام الإدراك طبيعة النزاع الحاصل وعلى أنه نزاع مفتعل، وأنه ليس هناك خيار آخر سوى خيار الحكم الذاتي، وهذا يتطابق جملة تفصيلا مع القوى السياسية الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

مساندة أمريكا لهذا الخيار الذي تحدثنا عنه، له صدى داخل أروقة الأمم المتحدة. وصحيح أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش صرح على أن الأمم المتحدة لديها استقلالية وأن موقفها ثابت في ملف الصحراء، ولكن هناك تأثير فعلي للولايات المتحدة مستقبلا، ويجب أن تكون هناك شخصية تسير في هذا التوجه الذي تحدثنا عنه من قبل، والذي أيدته أمريكا.

إضافة إلى موقف أمريكا، فهناك فرنسا، رغم عدم إبداء رأيها في الآونة الأخيرة بحكم مصالحا مع الجزائر، إلا أن موقفها السياسي يتبنى مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها صيغة توافقية سياسية تخضع لمقتضيات القانون الدولي،  واعتبرتها فرنسا في أكثر من مرة على أنها مبادرة جادة وواقعية وقابلة للتطبيق.

بالتالي لدينا دولتين وازنتين، وهما يفرضان على أن يكون المبعوث الخاص للأمين العام يناصر هذا التوجه، ولا يسر في نقيضه. فبعد توقف العملية السياسية بين المغرب والبوليساريو، لم يعد هناك من خيار الآن لدى الجزائر ولا البوليساريو ، سوى القبول بهذا الطرح. ولا ننسى أن التعيين المرتقب لـبيتري رومان، لا يمكن أن يأتي بمبادرة أخرى غير الحكم الذاتي، لأنه وبكل صراحة ملف الصحراء بيد الأمريكيين، ولن تغير أمريكا موقفها بين عشية وضحاها، سواء بقدوم بايدن أو غيره.

فسواء كان بيتري رومان أو شخصا غيره فسيبقى الخيار المطروح هو الحكم الذاتي، لأن أطروحة تقرير المصير أقبرت في متحف الأمم المتحدة، ولن نتحدث عنها مستقبلا، لأن  موازين القوى الآن لصالح المغرب، والجزائر الآن تحاول التشويش على بيتري رومان من خلال إعلامها على أنه مناصر للمغرب في ملف الصحراء.

في حال تم تعيين رومان في هذا المنصب، ما هو الأثر الذي يمكن أن يحدثه في تطورات ملف الصحراء المغربية؟

بيرتري رومان رجل خَبرَ السياسة الخارجية وخبرته، وله تراكم كبير جدا في هذا المجال، وعند اطلاعك على سيرته الذاتي تجد أنها غير عادية.

وملف الصحراء ليس مرتبطا فقط بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رغم أن الأخير يحاول إيجاد تسوية سياسية، ولكن الملف مرتبط بمجموعة من الأطراف الإقليمية التي ليس من مصلحتها إنهاء هذا الملف المفتعل، وأعني بذلك الجزائر وإسبانيا. فالجزائر كون لديها أطماع جيوستراتيجية بالمنطقة ولديها عقدة الزعامة.

ورغم أن المغرب حقق انتصارات دبلوماسية غير مسبوقة واستثنائية في سنة 2020، فالبنسبة لي، المسألة تتوقف على أمرين هما: من سيعينه الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا شخصيا له في ملف الصحراء، ويتوقف كذلك على من سيعينهم مندوبين دائمين للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة.

صحيح أن القرار السياسي بأمريكا قرار ممأسس، لأن هناك جهة خاصة تقوم بدراسة ملف شمال أفريقيا بأكمله من جميع نواحيه ثم تطرحه للرئيس الأمريكي، إذ لا تتدخل العواطف في أي قرار، ويتم اتخاذه بمنطق الواقعية السياسية.

بالتالي فإن الاشتغال على مسألة المناديب الدائمين في أروقة الأمم المتحدة يجب أن يشتغل عليها المغرب بشكل أكبر، خاصة وأن الريس الأمريكي سيتسلم منصبه في العشرين من يناير من العام المقبل.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x