لماذا وإلى أين ؟

المقاطعة تفضح الحكومة وتزعزع اقتصاد البلاد

أخذت حملة مقاطعة بعض المنتوجات الإستهلاكية، أبعادا جديدة، إثر إجبار “النشطاء الإفتراضيين” للفاعلين السياسين والمؤسسات الرسمية، على التفاعل مع حملتهم، ولأننا في المغرب، لم يتجاوز انخراط الساسة أفواههم التي أطلقوا لها العنان، بين الرد بالشتم على المقاطعين، أو الصمت إلى حين إقتناص فرصة للتموقع الرابح، أو تبني مواقف متناقضة تعكس التيه الذي تعيش فيه نخبنا السياسية. إلا أن المشهد السريالي الذي صورته تصريحات الوزير لحسن الداودي، والفرق البرلمانية المتدخلة أثناء جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، التي خصصت لمناقشة ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية، الإثنين الماضي، لا يكشف فقط عن عدم توفرها على إقتراحات أو آليات لمعالجة الأسباب التي أدت إلى المقاطعة الإقتصادية، وإنما تعكس مؤشرات لأزمة إقتصادية وسياسية تقبل عليها بلادنا، إن لم نقل إنها دخلت في خضمها.

إن الحديث عن الأزمة الإقتصادية والسياسية التي سرعت حملة المقاطعة ببروز إرهاصاتها، ليس تضخيما من تداعيات هذه الأخيرة، وإنما قراءة ردة فعل المسؤولين السياسيين، هي التي تشير إلى ذلك، وسنستعرض هنا أبرز المؤشرات:

المقاطعة والفشل الحكومي

1/ التخبط والعجز الحكومي عن إعتماد سياسة إقتصادية متكاملة تتضمن برامج إحترازية لتدارك الآثار السلبية للقرارات ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي، ولعل قول الداودي، إن الحكومة تدرس إعتماد النمودج البلجيكي، في تحديد أسعار المحروقات والذي يضع الحد الأقصى لهامش ربح الشركات الموزعة للبترول، بعد مرور سنوات على إقرار حكومة بنكيران لمبدأ تحرير الأسعار، خير دليل على هذا التخبط والإرتجالية، لأننا لا ندري بما كان وزير الحكامة مشغولا عن مستقبل المواطنين الذين استئمنوه مع غيره، على طموحاتهم، ومقدرات وطنهم.

2/ حملة المقاطعة تجلي جديد للمطالب الإقتصادية والإجتماعية، التي رفعتها الحركات الإحتجاجية في مختلف مناطق المغرب، والتي كان حراك الريف وحراك جرادة، أوضح الأمثلة على إلحاحية هذه المطالب لدرجة تهديد الإستقرار الإجتماعي، فغاب “المعقول” الذي ادعى الداودي تبني حكومته له في معالجة المشاكل، لأن “المعقول” الذي إعتمدت في مواجهة الاحتجاجات، لم يتجاوز الوعود أو أنصاف الحلول أو المقاربة الأمنية في بعض الأحيان.

3/ إن الحفاظ على نفس قواعد عمل النمودج التنموي بالرغم من الإعتراف الملكي بفشله في تحقيق النتائج المتوخاة منه، يؤكد عدم توفر النخب السياسية التي تشكل الحكومة، على خطط تحد من آثار فشل النموذج التنموي أو مشاريع إنتقالية وتمهيدية لوضع النمودج الإقتصادي الجديد، وهذا المعطى يرسخ الفكرة القائلة أن البرامج الحزبية ليست صالحة إلا للاستهلاك الإنتخابي، ويعري ضعف كفاءة المسؤولين في تدبير الشأن العام.

4/ محاولة جل الوزراء والبرلمانيين، مواكبة حملة المقاطعة بأقل الأضرار، عبر استعمال خطابات شعبوية تهدف إلى دغدغة العواطف، أو تبادل الأدوار، أو تصفية الحسابات، دون استعمال الوسائل التي تخولها مواقعهم الدستورية، تعني أن ساستنا مجرد ظواهر صوتية عاجزة عن النهوض بالأوضاع الإقتصادية الحرجة للمواطن المغربي، ومستعدة لإحراق الأخضر واليابس للحفاظ على الكراسي الوثيرة، بما في ذلك إستغلال التردي المعيشي لاهداف سياسية ضيقة لا تدخل في صميم المصلحة العامة.

هل تفجر المقاطعة أزمة سياسية

1/ أرخت حملة المقاطعة بظلالها، على علاقات الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية، والتي يبدو أنها متأزمة، خاصة بعد توجيه الإتهام في بداية الحملة لتيار الداعم لبنكيران داخل حزب العدالة والتنمية، بالوقوف ورائها، ومع خروج بعض الوزراء وقيادات “البيجدي” بتصريحات داعمة لحملة المقاطعة، إلى درجة وصلت إلى أن مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي بإسم الحكومة، صرح عندما سئل عن موقف الحكومة من المقاطعة، في الندوة الصحفية التي تعقد على هامش المجلس الحكومي، بأن “الحكومة لم تناقش الأمر..حتى أقول موقف المجلس الحكومي”، الأمر الذي يوحي بأن هناك إختلاف حول المقاطعة داخل الحكومة، وهو الذي برز بشكل واضح من خلال تصريحات قادة “البيجدي”، والتقدم والإشتراكية، لكن الداودي حاول أن يخفي هذه الأزمة الحكومية غير المعلنة، عندما اعتبر أن الحكومة “بريئة لأنه ليس هناك موقف رسمي” من المقاطعة.

2/ تشكيل العدالة والتنمية والتقدم والإشتراكية للجنة مشتركة مكلفة باقتراح آليات التنسيق المنتظم بين الحزبين، يشير إلى محاولة البيجدي البحث عن مخرج لحصاره، من طرف التجمع الوطني للاحرار والإتحاد الدستوري والإتحاد الإشتراكي، والحركة الشعبية، والتي تشكل حلفا واحدا داخل التحالف الحكومي، خاصة أن “البيجدي” يعد الحزب الرابح سياسيا، من المقاطعة مقارنة مع شركائه الحكوميين. كما أن تشكيل هذه اللجنة هو إعلان عن موت الأجهزة التي إنبثقت عن ميثاق الأغلبية، قبل مباشرتها لأدوارها.

3/ حملة المقاطعة، ساهمت في إشتداد الصراع بين الأحزاب القريبة من دوائر القرار، بحيث أن الخسائر السياسية التي تلقاها عزيز أخنوش، من المقاطعة توازي الخسائر التي حصدها إلياس العماري، عند فشله في الفوز بإنتخابات 7 أكتوبر، إذ سيجد أخنوش صعوبة في الإستمرار كمرشح هذه الدوائر لرئاسة الحكومة، ولقيادة تحالف حزبي شبيه بمجموعة الثمانية التي أسسها “البام” قبل انتخابات 2011 وأفشلتها حركة 20 فبراير، ومن هناك يمكن فهم طبيعة الصراع بين حزب الجرار وحزب الحمامة، من جهة، وبين العماري ورفاقه المتشبتين بإستقالته، بعد أن كان يسارع لسحبها أو تمرير رفضها، من جهة أخرى.

4/ تركيز الأحزاب السياسية خاصة المكونة للحكومة، على حماية مصالحها ورصيدها، من خلال تبادل الإتهامات، أو السماح بتداخل مصالح أعضائها مع السير العادي لعمل المؤسسات الدستورية، كما وقع مع تأخير تقرير اللجنة البرلمانية المؤقتة للإستطلاع حول أسعار المحروقات، مع استغلال ذلك في التجاذبات الداخلية، كلما دعت الضرورة، يهدد الإستقرار العام للبلاد، خاصة أن ذلك يتم في ظل التعامل مع مطالب المواطنين بإنتظارية قاتلة تعزز من الإحتقان الإجتماعي.

قد تتوقف حملة المقاطعة بمرور شهر، واستهداف فاعلين سياسيين واقتصاديين محددين، كما قد تتوسع دائرتها، ما قد يفتح المجال أمام أزمة سياسية وإقتصادية، غير محددة العواقب.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x