لماذا وإلى أين ؟

الحُسَيْني يوضح السيناريوهات الممنكة بعد اعتماد حلف الناتو خريطة المغرب كاملة (حوار)

أعطى اعتماد حلف شمال الأطلسي(الناتو) الخريطة الكاملة للمغرب دون بترها عن صحرائه، مؤشرات عديدة على الوضع الجديد الذي أصبح يتميز به المغرب في العالم، وما قد يشكله في المستقبل القريب من وجهة للقوى الكبرى التي تحتاج لمعبر قريب لمهامها الاستطلاعية والسياسية بمنطقة الساحل.

هذا التحول في إدارة حلف الناتو ونظرته لملف الصحراء، من خلال تغيير خريطة المغرب التي ظلت مبتورة لعقود على النظام المعلوماتي للحلف، يثير تساؤلات استشرافية لما بعد هذه الخطوة، وهل هي بمثابة مؤشر على نية القوى الكبرى في العالم في حسم ملف النزاع على الصحراء؟

ولاستقراء المؤشرات والخلفيات الممكنة من خلال هذه الخطوة أجرت جريدة “آشكاين” حوارا مع الخبير في العلاقات الدولية والمحلل السياسي المغربي، تاج الدين الحُسَيْني، الذي أوضح السيناريوهات الممكنة بعد هذه الخطوة، مبرزا أثر اعتماد حلف الناتو لخريطة المغرب كاملة على موقف بقية الأعضاء في الحلف، مجيبا عن ما إذا كان ذلك بمثابة مؤشر على رغبة الدول الأعضاء للناتو في طي ملف النزاع حول الصحراء المغربية.

وفي ما لي نص الحوار:

كيف تقرؤون اعتماد حلف شمال الأطلسي لخريطة المغرب كاملة دورن بتر صحرائه؟

الأمر يتعلق بمنظمة دولية، ونحن نعلم جيدا أن الحلف الأطلسي هو منظمة دفاعية أنشأت سنة 1949 بمبادرة من الولايات المتحدة  الأمريكية، وكان الجميع يعلم في حينه أن الأمر يتعلق بمظلة نووية أمريكية تبسطها أمريكا لحماية حلفائها في الغرب الأوربي. فعلا هذا كان في فترة الحرب الباردة، وهي فترة انتهت إلى غير رجعة.

لكن عندما قامت روسيا، التي تسمى حينها الاتحاد السوفياتي، بإنشاء حلف وارسو سنة 1955 كرد على هذا المشروع، اعتبر الجميع أن التوازن النووي لم يعد قائما بين دولتين أو عدة دول، بل أصبح بين حلفين. حلف وارسو على مستوى الجانب الشيوعي، وحلف الأطلسي على المستوى الغربي. لكن حلف الأطلسي كان دائما مرتهنا للهيمنة والريادة الأمريكية.

ونعلم أن حلف وارسو لم يعد موجودا مع انهيار الجدار، لكن حلف الأطلسي أصبح قائما مع تغييرات في معطيات وطريقة عمله، وقد لاحظنا أن الحلف لم يعد يتعامل فقط مع الدول الأعضاء الراسخة فيه، ولكنه ينفتح على العالم. والمغرب من بين الدول التي تتعامل مع حلف  شمال الأطلسي في عدة مناورات تنظم في البحر المتوسط.

وبغض النظر عن ذلك، فإن المغرب يتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار مناورات الأسد الأفريقي وعلى مستويات أخرى، كمحاربة الإرهاب والجريمة والمنظمة.

بالتالي هذه المنظمة ارتأت مباشرة بعد الاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء  وبعد قرار فتح قنصلية لها بالداخلة، أن تدمج منطقة الصحراء ضمن الخريطة المغربية المعتمدة من طرف الناتو، في ما يتعلق بأشغاله الداخلية، واعتبارا لأن المغرب شريك لحلف شمال الأطلسي في عدة عمليات وتعاملات.

وأعتقد أن هذا القرار لا يتطلب موافقة كل الدول الأعضاء، إذ أن هذه الدول لها سيادتها وممارستها الخاصة على مستوى علاقاتها الثنائية، وعلى مستوى حلف الناتو كمنظمة فهي تعتبر اليوم أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية، لما في ذلك من نتائج على مستوى تعامل هذه المنظمة مع الجهات الأخرى وتحالفاتها الإقليمية، وعلى مستوى النشاطات التي يمكن أن تنظمها.

وهذا معناه كذلك أنه إذا نظمت مناورات في البحر المتوسط، يمكن أن تنظم مناورات على مستوى المحيط الأطلسي، في الساحل المحاذي  لإقليم الصحراء المغربية، وهو ما يعطي لموضوع علاقات حلف الناتو نموذجا متفوقا في تطور العلاقات بين الطرفين.

ما تأثير هذه الخطوة على موقف بقية الدول الأعضاء في حلف الناتو من مغربية الصحراء؟

هذا عنصر إيجابي يحفز باقي البلدان الأعضاء لِتخطو خَطْوَ الولايات المتحدة الأمريكية، لكني أعتقد أن الأمر لن يتحقق بشكل استعجالي، وأظن أن هذه البلدان ستنتظر أولا ما ستقوم به إدارة بايدن بعد أدائها اليمين الدستورية، بعد بضعة أيام من الآن، وهو ما سيوضح الوجهة التي سيعتمدها.

الكثيرون يعتقدون أن بايدن سيتخلى عن المواقف التي اعتمدها ترامب، بما فيها مسألة موقفه من الاتفاق النووي مع إيران، والبيئة، واتفاق باريس ومراكش، وملف “دريمز”، أو ما يعرف بالشباب الحالمين الذين حرمهم ترامب من جنسية أمريكية  إلى غيرها من القضايا.

ولكن هؤلاء يعتقدون أن مسألة الصحراء لن تكون ضمن هذه النقط لعدة أسباب، ترتبط بوضعية بايدن كصديق للمغرب منذ عدة سنين، فعند زيارته للمغرب اعتبر أن  له ما يفتخر به إذ أنه أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد السلطان مولاي محمد عبد الله سنة 1777، وبأن المغرب هو في قلبه شخصيا وفي قلوب الأمريكيين.

ثم أن وزير أنتوني بلينكن وزير الخارجية المقبل في إدارة بايدن، والذي هو فرونكوفوني الهوى، وكان مستشارا للأمن القومي ونائبا لوزير الخارجية واحتل عدة مناصب، وله معرفة  حقيقية بملف الصحراء، ولا أعتقد أنه سيغامر ويقترح تراجعا عن موقف ليس من شأنه إلا أن يدعم العلاقات الأمريكية المغربية.

وبالتالي يبقى هذا الأمر مسألة وقت، ويبقى الوقت لصالح المغرب على كل حال.

هل يمكن اعتبار اعتماد حلف الناتو على خريطة المغرب كاملة مؤشرا نحو اتجاه الدول الأعضاء للحلف لطي ملف الصحراء المغربية؟

هو مؤشر إيجابي، كما سبق وقلت، لكنه ليس بالضرورة أن يكون المؤشر الوحيد، علينا أن نعلم أن الأمين العام للأمم المتحدة على لسان نائبه صرح بوضوح أن الملف سيستمر في طريقه العادي داخل مجلس الأمن.

لكن مجلس الأمن سبق له، عدة مرات منذ 2007 إلى الآن، أن أشاد بالمقترح المغربي للحكم الذاتي، والذي وصفه بالمقترح المتوفر على الواقعية والمصداقية والبراغماتية، وعلى إمكانية  أن يكون رقة لتسوية نزاع سياسي.

وما دام هذا موقف مجلس الأمن، وموقف الدول الدائمة العضوية فيه، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، فالاعتراف الأمريكي لن يغير من المسار الذي يسير فيه تسوية النزاع  داخل مجلس الأمن، لأن الهدف المقصود في نهاية المطاف هو أن يتم الوصول إلى حل سياسي.

وكون حل الحكم الذاتي هو الذي يتوفر على الشروط المطلوبة سيكون هو الوسيلة المثلى، وربما أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء من شأنه أن يسرع عملية البث في الملف داخل مجلس الأمن على ما هي عليه الآن، وهذا التباطؤ الذي عرفه الملف خلال 40 سنة سيعرف تطورا نحو الأفضل في المستقبل القريب.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x