2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
ما هي الأهمية الاقتصادية للعرجة التي سيطرت عليها الجزائر؟

شكل طرد الفلاحين المغاربة من ضيعات العرجة بفيجيج بعدما ظلوا يستغلونا لعقود طويلة مثار جدل واسع بين أبناء المنطقة والمغربة عموما ما دفعهم للاحتجاج غير ما مرة، خاصة مع وجود غموض في وضعية هذه المنطقة التي ظلت مأهولة بالسكان المغاربة لعقود طويلة.
هذا “الترحيل” الذي لقيه المغاربة، لا بد أنه سيخلف خسائر مادية واقتصادية متعددة قد يتجاوز مداها إلى بقية مدينة فيجيج، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن الأهمية الاقتصادية لهذه الواحة بالضبط، وما هي أهميتها ضمن السلسلة الاقتصادية للمنطقة ككل، وهل لها امتداد لباقي مدن المغرب، وهو ما دفع “آشكاين” لتستضيف في هذا النقاش كلا من الخبير والمحلل الاقتصادي عمر الكتاني، والناشط الجمعوي والحقوقي بإقليم فيجيج، محمد العماري، لكشف اللبس عن هذا الموضوع.
قطب اقتصادي رئيسي بفيجيج
وفي هذا السياق أوضح الناشط الجمعوي والحقوقي من أبناء المنطقة، محمد العماري، أن “منطقة العرجة شكلت قطبا لجلب استثمارات مهمة للمنطقة من أبنائها المهاجرين إلى أوروبا، إضافة إلى أنها شكلت بديلا ولو جزئيا للأراضي المقتطعة من فيجيج قبل 1975، فبعدما تم اقتطاع مساحات كبيرة من هذه الأراضي والتي تحتوي على النخيل وغيره من الأغراس، والبعض منهم لجأ لمنطقة العرجة التي كانت ملاذا لاستثمارات كبيرة ومهمة، فأصبحت بذلك العرجة قطبا اقتصاديا رئيسيا داخل مدينة فيجيج”.
ملايين الكيلوغرامات من التمور الباهظة
وأكد العماري، على أن “هذه الاستثمارات شملت البحث عن المياه، غرس النخيل، والأشجار المثمرة، وزراعة الأعلاف وغرس الخضر، والإنتاج الحيواني كذلك، إضافة إلى أن منطقة العرجة تعتبر منطقة مهمة في إنتاج التمور، إذ تتواجد حوالي 40 ألف نخلة في المنطقة بمعدل إنتاج 50 كيلوغرام للنخلة، أي ما يعادل 2 مليون كيلوغرام من التمور”.
وتابع العماري في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “العرجة منطقة مهمة في غرس التمور، نظرا لأن مرض البيوض الذي يصيب النخيل لم يكن يصيبها، وشكلت ملجأ للفلاحين لغرس تمور باهظة الثمن، مثل: العصيان بوفكوس، وزيزة والمجهول، وتتراوح أثمنتهم بين 30 إلى 200 درهم للكيلوكرام، وهي التمور التي عرفت بجودتها نظرا لأن المياه قريبة من النخيل”.
إضافة إلى غرس النخيل، يستدرك العماري “فإن العرجة كانت مكانا لغرس الخضر الموسمية وتلبي حاجيات الأسر المالكة لهذه الضيعات، علاوة على أن الضيعة كانت تنتج أعلاف الماشية، إضافة إلى تواجد أشجار الزيتون بشكل مهم”، كما أنها “لا تخلوا من الماعز والأغنام والأبقار، لأن إنتاج الواحة متكامل وينتج كل ما ذكرناه بشكل متوازي، إضافة إلى ما تنتجه من ألبان”، مؤكدا على أن “منطقة العرجة تساهم بشكل كبير في تغطية حاجة ساكنة فيجيج، إضافة إلى أن إنتاجاتها خالية من المبيدات(بيو)”.
ضياع أزيد من 32 ألف ساعة عمل
وأشار المتحدث إلى أن هذه المنطقة “تشغل بشكل يومي ومستمر ما لا يقل عن 3 عمال في كل ضيعة، وبشكل يومي قد تصل اليد العاملة إلى 20 عامل في اليوم يشتغلون في جني التمور وتنقية النخيل وغير ذلك من الأشغال الموسمية واليومية، وباعتبار أن 30 ضيعة تم اقتطاعها من قبل الجزائريين من أصل 150 ضيعة أخرى، بمعنى أننا أمام ضياع 32 ألف و400 يوم عمل، هذا دون احتساب العمل الموسمي”.
وأشار المتحدث إلى أن “هذه الضيعات تشغل بطريقة غير مباشرة ناقل البضائع، الميكانيكي المكلف بصيانة محركات المياه، النجار، الحداد، والتاجر الذي يبع مواد البناء والتسييج وغيرها”.
فيجيج فقدت أحد شرايينها الرئيسية
ولفت محدثنا إلى أن “فيجيج تتوفر على 3 مناطق فلاحية مهمة منها العرجة، بركوكس، ومنطقة تيقورار، إضافة إلى الواحدة القديمة، وبهذه الأحداث نجد أن مدينة فيجيج فقدت أحد شرايينها الرئيسية الذي يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد بالمدينة، مما ينذر بكون أبناء فيجيج المهاجرين داخل المغرب أو خارجه إلى التفكير مليا قبل الاستثمار داخل المدينة، ويعتبرون أنه كما وصلت الجزائر لأراضيهم في العرجة فستصل لمناطق أخرى من فيجيج، ويطالبهم المغرب بلزوم الصمت لأسباب سياسية أو جيو سياسية”.
فيجيج مهددة بالهجرة الجماعية
“علما أن هذه الاستثمارات لا تكون بغرض مالي محض”، يورد الحقوقي نفسه، “بقدر ما هي تهدف إلى مساعدة عائلاتهم في فيجيج ليستقروا بفيجيج، وهو ما قد يدفع الساكنة للهجرة والاستثمار في مناطق أخرى، علما أن حوالي 50 عائلة تعيش بشكل غير مباشر في تجارتها مع العائلات المالكة لضيعة العرجة، وأن عدم تعويضها سيدفعها للهجرة الجماعية”.
وذكر المتحدث ذاته، أنه “الهجرة بدأت في سنة 1975 عندما حُرِمت ساكنة فيجيج من أراضيهم في منطقة زوزفانة وتاغلة وغيرها من المناطق، وهو ما أثر على عائلات أخرى كانت ميسورة، نظرا لغياب الحركة الاقتصادية”. مشددا على أن “اقتصاد المدينة هش في الأصل ولا يقبل هزات مثل هذه”، مؤكدا على أن “أهم الاستثمارات توجد في هذه المناطق الحدودية”.
اتفاق لم يراعِ مصالح الساكنة
وأبرز الناشط الجمعوي من أبناء المنطقة أن “هذا الاتفاق الذي أبرمه المغرب ولم يراعي مصالح الساكنة، إذ سنة 1972 حينما تم التوقيع على الاتفاقية لم تكن للعرجة هذه الأهمية الكبيرة من الناحية الاقتصادية، ولكن بعد هذا التاريخ وفقدان أراضي أخرى، انتقل الفلاحون إلى ضيعات العرجة وأصبحت تكتسي أهمية كبرى، إذ أنه سنة 1992 حينما صادق المغرب على الاتفاقية كانت قد انطلقت الاستثمارات بشكل قوي”.
وأكد محدث “آشكاين”، على أن “الساكنة على علم أن هناك اتفاقية بين البلدين تقضي بترسيم الحدود، ولكنها غامضة والسلطات المغربية لم تقم بأي مجهود لإخبار الناس عن الأماكن الممنوعة، وهو ما غيب المعطيات لدى ساكنة العرجة ولا يعرفون ما لهم وما عليهم ويستغلونها منذ 30 سنة، وكان التوثيق وفك النزاعات يتم بإشراف السلطات المغربية وليس الجزائرية، مما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأراضي مغربية”.
وخلص المتحدث إلى أن “التجارب التاريخية والماضية جعلت المغاربة يصدقون كلام السلطات الجزائرية أكثر من المغاربية، لأنه حينما أخبرتهم الجزائر في 1972 بوجوب خروجهم من الأرض بحكم أنها في ملكية الجزائر، تم ذلك فعلا، بل إن السلطات المغربية هي التي أشرفت على إخراجهم، وبالتالي هم يوقنون الآن أن عدم خروجهم كما أخبرتهم الجزائر فسيخسرون حتى نخيلهم ومحركاتهم”.
مطالب موسومة بعدم الثقة
وعن مطالب الساكنة التي تم طردهم من العرجة، يقول محمد العماري إنها “موسومة بعدم الثقة في الدولة المغربية، لأن الساكنة تقول: لو كنا سنطالب بشيء فيجب أن نطالب بالعودة إلى أراضينا وأن تسترجعها الدولة، لكنهم يتخوفون من تكرار الأمر بعد ظهور نظام عسكري أقوى في الجزائر ويتم ترحيلهم من جديد، إذ انقسمت الآراء بين من يطالب بالتعويض، وآخرين يريدون اللجوء للأمم المتحدة، إضافة إلى أن هناك من يقول بمراجعة الاتفاقية بين البلدين وتأخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين المغاربة”.
الكتاني: لا أهمية اقتصادية للعرجة والمغرب كان حكيما
في المقابل يرى المحلل والخبير الاقتصادي، عمر الكتاني أن “ضيعات العرجة لا أهمية اقتصادية لها، في حين تحظى بأهمية سياسية أكثر، بمعنى أن فيها نوعا من التحدي والتحدي المعاكس”، مشيدا بموقف المغرب الذي اعتبره “حكيما”.
“والآن بالخصوص لا يجب أن يكون هناك رد فعل لأي استفزاز، ولا يجب أن نعطي أي فرصة لتنمية الكراهية بين الشعب الجزائري والمغربي، حتى لا يكون هناك نوع من اللبس بين الصراع السياسي وعلاقة الشعوب، إذ يجب أن نحافظ على هذا التمييز”، يضيف الكتاني.
وأوضح المتحدث نفسه على أن “المغرب لديه ما يكفي من الأراضي للاستغلال، رغم أن المغرب كانت له أراضي أوسع واقتطعها الاستعمار وضمها للجزائر، وأن هذه المنطقة التي دخلها الجزائريون يعتبرونها ملكهم وكان المغاربة يستغلونها لعقود”.

وأردف ذات الخبير أنه” لا يجب أن نكبر المسألة، وأن نكون أعقل من الجارة الشرقيقة، ولا نرد الفعل بشكل مباشر، وعلى كل حال فالمنطقة الفلاحية محدودة، وستمس بضعة فلاحين يمكن إدماجهم وتعويضهم، ومن الناحية القانونية يمكنهم أن يشتكوا لمنظمات دولية، بحكم وجودهم في تلك الأرض لقرون”؛ موردا أن “هذه الضيعات لا أهمية اقتصادية لها ولن تنعكس لا على المغرب ولا على الجزائر”.
وخلص الكتاني، في حديثه لـ”آشكاين”، إلى أن “المغرب لديه هدف بأن يصبح قوة اقتصادية كبيرة، ولا يجب أن يتم استفزازه بسهولة، فالجزائر لديها مشاكل داخلية وتحاول تصديرها للخارج، لذا لا يجب أن نشغل الرأي العام، واقتصادنا المغربي يمكن أن يستوعب ضربات من هذا النوع”.
والأخطر من هذا، يسترسل الكتاني هو أن “تتحول هذه الأمور إلى مناوشات في المنطقة وتتحول إلى نوع من الحرب لا قدر الله، وهو ما لا نريده، ويجب أن نكون عاقلين، لأننا رابحون فدبلوماسيتنا في قضية الصحراء ناجحة، ولأن إفريقيا بدأت تتبعنا، ولأن علاقتنا بأوروبا بدأت تعطي أهمية للمغرب، ولأن ألمانيا حين استفزتنا فرضنا أنفسنا، وهي أمور تعزز ثقتنا بأنفسنا، ومن ليست لديه هذه الثقة هو من يدخل في الحماقات، ولا يجب أن نسقط في ذلك، وعلينا أن نتوقع استفزازات مستقبلية من هذا النوع”.