لماذا وإلى أين ؟

يتيم السلاوي

بين عشية وضحاها تحول منصف سلاوي، العالم المغربي ذو الجنسية الأمريكية رئيس فريق البيت الأبيض لتطوير اللقاح ضد كورونا على عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، من “بطل قومي” يحتفي به كل العرب إلى “مجرم” بعد إرتكابه لإحدى أقبح الجرائم في الدول الغربية، وهي التحرش.

السلاوي أُقيل من منصبه كرئيس لمجلس إدارة “غالفاني بيو إلكترونيك” التي تمتلك “غلاسكو سميث كلاين” غالبية أسهمها، وذلك على خلفية شكايات بالتحرش الجنسي، ومباشرة بعدها خرج ليعترف بذنبه واعتذر عنه وقرر الانسحاب من الحياة العامة.

وفي رسالة إلى مجلس إدارة مجموعة ” غلاكسو سميث كلاين “عبّر السلاوي عن اعتذاره قائلا: إنه يشعر بالأسف عن الأضرار التي يمكن أن يكون قد تسبب فيها للموظفة المشتكية؛ كما أنه يشعر بالفزع من كونه جعل زميلة له تعيش وضعا غير مريح، واعتذر كذلك لزوجته وعائلته وكل زملائه في العمل، مؤكدا على أنه قرر التحلل من جميع مسؤولياته المهنية الحالية، والتركيز بدل ذلك على عائلته؛ والعمل على تخليص نفسه من كل الأشخاص الذين أثر عليهم هذا الوضع.

منصف السلاوي ليس هو أول مغربي معروف عالميا يتابع بتهمة التحرش، فالمطرب سعد المجرد، الذي وصل إلى العالمية بأغانيه المغربية، مهدد بمواجهة عقوبة بالسجن قد تصل إلى 20 عاما، وذلك بعدما قررت محكمة الاستئناف الفرنسية هذا الشهر، إعادة ملف متابعة سابقة له مجددا إلى محكمة الجنايات، بعدما تبين لها أن التهمة ينطبق عليها توصيف “الاغتصاب والتعنيف” في حق شابة عشرينية عام 2016.

الفرق بين السلاوي والمجرد هو أن الأول سارع للاعتراف بذنبه والاعتذار لمن مسهم أذى من تصرفه “الإجرامي”، ولم يستغل منصبه ومكانته العلمية من أجل ادعاء الاستهداف وتعرضه لنظرية المؤامرة من قبل أعداء النجاح، ولو فعلها لصدقه الكثيرون، عكس المجرد الذي هبت فئة عريضة من المغاربة لتنزيهه مما اتهم به واعتبار أن الأمر يتعلق بـ”مؤامرة جزائرية تستهدف المغرب بعدما استطاع إيصال الأغنية المغربية للعالمية”.

أكثر من ذلك، خرجت تظاهرات تضامنية مع المجرد حتى قبل أن يقول قضاء دولة، يقر معظم المغاربة باستقلاليته، كلمته الأخيرة في الموضوع، والمثير أن أغلب المتظاهرين كنّ نساء، وهو ما حرك تساؤلات عما إن كان المغاربة أو بعضهم مطبعين مع تهمة الاغتصاب، ومنسجمين مع المقولة الشعبية “عيبنا واحد”؟

تبقى من أشهر القضايا التي عرفها المغرب، قضية قائد الشّرطة الشهير بـ”الحاج ثابت”، الذي يعتبر آخر مغربي نفذ في حقه حكم بالإعدام سنة 1993، بتهم مرتبطة بـ”الاغتصاب والاحتجاز والاتجار بالبشر”، في قضية شهيرة قالت مصادر متطابقة إن “الملك الرّاحل الحسن الثّاني تَابعها عن بعد، عبر كاميرات كانت منصوبة في قاعة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالبيضاء”.

ومنذ الحاج ثابت لم نسمع بمتابعة مسؤول كبير أو نجم معروف بتهم تتعلق بالاغتصاب أو التحرش، اللهم الحكم على المغني الشعبي سعيد ولد الحوات بثلاثة سنوات سجنا بتهم “الاغتصاب”، فهل يعني هذا أن المسؤولين في المغرب، معينين ومنتخبين، ومشاهير المملكة في مختلف المجالات، منزهين عن الخطأ ولا يوجد من بينهم من يتحرش بزميلاته في العمل أو من تجمعه بهنّ علاقة ما؟ أم أن المغاربة مطبعين مع ثقافة التحرش وحشومة وعيب وعار واللحم إذا خناز يهزوه ماليه؟ أم لكون المساطر القانونية لا تحرك بالشكل المطلوب في مثل هذه القضايا؟

في سنة 2017، وجه الناشط الحقوقي والمستشار الجماعي بمدينة كلميمة، لحسن بوعرفة، اتهامات بـ”البيدوفيليا” ضد القيادي في حزب العدالة والتنمية، والوزير حينها لقطاع إدارة الموظفين والشغل، محمد يتيم.

لحسن بوعرفة اتهم يتيم مباشرة، عبر شريط فيديو، بـ”ممارسة الجنس  والتحرش بتلميذاته عندما كان يزاول مهنة التدريس ببني ملال”، وأن “هذا الأمر مدون في محاضر الضابطة القضائية بذات المدينة”، وهو الأمر الذي نفاه يتيم في حينه، وأكد أنه سيلجأ إلى القضاء ضد متهمه بهذه التهم الخطيرة.

بوعرفة رفع في وجه يتيم تحد بأن يذهب إلى القضاء، وقال في شريط آخر”معروف عنك يا يتيم في بني ملال تقول للبنات الكبيدة؛ واش هاد الكلمة مكتفكرك فوالو؟ على كل حال كن شجاعا وقدم شكاية للقضاء و أنا مستعد للدفاع عن نفسي ..؛ نحن مستعدون للذهاب في هذه القضية لأبعد من هذا من خلال وثائق تدينك فعلا، لا تخيفني برفع دعوى بل أنا مستعد للوقوف أمام القضاء لإظهار ساديتك … و أقول للأصدقاء ما قلته صحيح ليس 100 بالمائة فقط بل 700 في المائة”.

ومنذ ذلك الحين، وبعد مرور أربع سنوات، لا يتم رفع شكاية ببوعرفة ولا هذا الأخير كشف عما بحوزته من أدلة تؤكد ما قاله، ولا النيابة العامة فتحت تحقيقا في الموضوع. لتبقى الحقيقة غائبة، والسؤال مطروح: لماذا لم تحرك المسطرة القضائية في هذه الواقعة؟ فإن كان بوعرفة يكذب فيجب معاقبته، فهو اتهم وزير بحكومة المملكة المغربية، مما يسيء، ليس للحكومة والمتهم وفقط، بل لكل المغاربة، ويخدش سمعة المغرب بالخارج.

قد نرى يوما مسؤولا أو شخصا معروفا في المغرب يحاكم بتهمة التحرش، أو يعترف بارتكابه لهذا الجرم ويعتذر لمن لحقهم سوء، فالأمر غير مرتبط بكوننا مغاربة بل بثقافة تكتسب من خلال التربية عليها، وسيحدث ذلك عندما نكتسبها كما اكتسبها السلاوي، والذي يبقى جرمه مدان لكن تصرفه محمود، ويتيم سيعترف ويطلب الصفح من تلميذاته، إن كان مدنبا طبعا، عندما يصبح محمد يتيم السلاوي، تربية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
حنظلة
المعلق(ة)
26 مارس 2021 22:19

تحية لك السي هشام على هذا الموضوع الشيق, ولا يهمك ترهات خفافيش الظلام
فالحقائق ترعبهم لأنهم يعلمون أنهم مذنبون منافون تجار دين لا غير
انشر ولا تحظر

ابو زيد
المعلق(ة)
26 مارس 2021 21:26

طبعا كل تحرش يعاقب عليه القانون!!
و لا يوجد في القانون ما يفيد ان من يمارس شعائره الدينية محمي بالقانون، كما لا يوجد في نفس القانون ان من ينتمون الى منظمات حقوقية منزهون عن هذه الافعال و غيرها!!
علقوا غسيلكم في شرفات نواديكم و لا تجعلوا منتديات الصحافة ساحة لتراشقكم…

مصطفى
المعلق(ة)
26 مارس 2021 20:52

احسنوا اختيار اخبار مفيدة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x