2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

محمد جميدي/صحافي متدرب
يعيش حزب “العدالة والتنمية” أشهرا توصف بـ”العسيرة” ، تفصله عن نهاية ولايته الثانية على رأس الحكومة المغربية، ويرجع الكثيرون هذا الوضع إلى بروز وتراكم جملة من النقاط الخلافية التي تكاد تشل هيئاته ومؤسساته الداخلية .
ويأتي في مقدمة هذه النقاط ، ملفات طارئة وشائكة تحاكي الهوية والمرجعية الحزبية للبيجيدي، كملف التطبيع مع إسرائيل ، ومشروع قانون تقنين القنب الهندي للإستعمالات الطبية والتجميلية ، وهو ما دفع برئيس المجلس الوطني لحزب “المصباح” إدريس الأزمي إلى تقديم الإستقالة من منصبه، جرى رفضها بالإجماع خلال الدورة الإستثنائية الأخيرة للمجلس الوطني ، ضف إلى ذلك قرار رئيس الحكومة السابق والعضو المؤسس للحزب الإسلامي عبد الإله بن كيران، بتجميد عضويته به، وإعلان قطع علاقته مع أسماء وقيادات وازنة داخل الحزب يتقدمها الأمين العام الحالي سعد الدين العثماني، قبل أن يتراجع عن ذلك بوساطة عبد الرحيم الشيخي، رئيس “حركة التوحيد والإصلا”، و عز الدين توفيق، على حد قوله .
لأجل فهم هذه المتغيرات و التحولات وإدراك حيثياتها تستضيف “اشكاين” في هذا الحوار ياسين جلوني عضو الكتابة الإقليمية لشبيبة البيجيدي بالرباط وأحد أبرز البجيدين المنزعجين من التدبير الحالي للأمانة العامة.
سي ياسين؛ مرحبا بك وشكرا على قبولكم الدعوة..
-مرحبا ، وشكرا لكم على الاستضافة
بداية ماهي قراءتكم لمخرجات المجلس الوطني الإستثنائي الأخير لحزب العدالة والتنمية؟
للأسف الشديد، الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب لم تأت بأي جديد يذكر، لدرجة أن بيانها كان أشبه ببيانات الأمانة العامة، بل وساهمت في تعميق الأزمة داخل الحزب، وأدت إلى إفشاء نفس الإحباط واليأس في صفوف القواعد الغاضبة من الأمانة العامة، والتي كانت تأمل أن يكون المجلس الوطني الضمير الحي داخل الحزب، والذي سيقف سدا منيعا أمام التجاوزات التي ارتكبتها الأمانة العامة، إلا أن الواقع شيء آخر، فالبيان الأخير للمجلس الوطني الذي صيغ من محبرة الأمانة العامة، رسخ في الأذهان أن المجلس الوطني ما هو إلا حديقة خلفية للأمانة العامة للتنفيس عن الغضب الداخلي والقفز على الأزمات بدل تجاوزها.
فبالرغم من أن هذه الدورة الاستثنائية جاءت في سياق استقالة الآزمي عن رئاسة المجلس الوطني بعد أن كتب رسالة مطولة يكشف فيها التجاوزات والنكسات المتتالية للأمانة العامة التي لم يعد قادرا على تحملها، إلا أن تراجعه عن الاستقالة كشف عن منطق العبث والعاطفة التي تحكم موقف رئيس برلمان الحزب، فهل تراجعه عن الاستقالة يعني تراجعه عن الأسباب التي دفعته لذلك؟ وهل انتفت أسباب استقالته كي يعدل عنها؟ أم أن الآزمي أصبح قادرا على تحمل المزيد من تجاوزات الأمانة العامة بعد حصة “تحزار” سياسي وبعد أن أشفق على قيادة الحزب التي أصبحت تزداد عزلتها يوما بعد يوم؟
تطرق بيان المجلس لمسألة تعديل القاسم الإنتخابي، هل لكم أن تقربونا من انعكاسات هذا التعديل على نتائج الحزب في الإنتخابات المقبلة؟
أول ما يمكن قوله بخصوص القاسم الانتخابي كمتتبع للشأن السياسي وليس كعضو في العدالة والتنمية، هو أن تعديل القاسم الانتخابي بمثابة آخر مسمار يدق في نعش ما تبقى من ديمقراطية شكلية ببلادنا.
أما بخصوص الانتخابات المقبلة، ودون الحديث عن تعديل القاسم الانتخابي، فعلى الأرجح لا يمكن للحزب أن يحقق النتائج التي حققها في الانتخابات الأخيرة وذلك للتراجع الكبير في شعبيته ومصداقيته أمام الشعب بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الأمانة العامة للحزب. أما تعديل القاسم الانتخابي فقد أوتي به ليقلص حظوظ الحزب في تصدر الانتخابات المقبلة، والحيلولة دون تكرار تجربة مماثلة لتجربة العدالة والتنمية الذي استطاع تجاوز عتبة 100 مقعد برلماني في انتخابات 2016.

إلا أنه في نفس الوقت لا يفوتنا التذكير أن تعديل القاسم الانتخابي أبان عن انتهازية قيادة العدالة والتنمية في تعاطيها مع قضايا الديمقراطية، حيث لاحظنا كيف تحاول القيادة الحالية أن تسوق للرأي العام على أنها حامية الديمقراطية في البلاد، وأن الخيار الديمقراطي في نظرها خط أحمر، في حين أن وقائع سابقة تفضح هذه الادعاءات، فهذه القيادة نفسها التي تريد الظهور بمظهر البطل هي التي تواطأت على الانقلاب على الإرادة الشعبية بعد إعفاء بنكيران وتشكيل حكومة ما بعد البلوكاج، وهي نفس القيادة التي مررت قانون فرنسة التعليم الذي يعد انقلابا على الدستور وعلى مبادئ الحزب، وهي نفس القيادة التي انخرطت في مؤامرة الصمت تجاه التضييقات على حرية التعبير والصحافة في بلادنا والتراجعات الحقوقية والديمقراطية ببلادنا، وهي نفس القيادة التي تماهت مع التضييق على المنتخبين والتراجع عن المكتسبات الدستورية، وهي نفس القيادة التي قامت بحل كل من فرع الحزب بوجدة، ومؤخرا بألمانيا،…
فعن أي ديمقراطية تتحدث هذه القيادة؟ ألا تدري هذه القيادة أن الديمقراطية كل لا يتجزأ؟ أم أن تعديل القاسم الانتخابي في هذه المرة سيمس حظوظ الحزب في الانتخابات لذلك جندت قيادة الحزب كل الوسائل المتاحة للحيلولة دون تمريره؟
من الأمور التي عرتها معركة تعديل القاسم الانتخابي هو أن حجة “الصدام مع الدولة” كان مجرد فزاعة تستخدمها قيادة الحزب لتبرير سكوتها على التجاوزات الحقوقية والديمقراطية، كما أبانت كذلك عن كون “استقلالية القرار الحزبي” مجرد إشاعة، بالإضافة إلى أن هذا القاسم الانتخابي كشف عن عزلة العدالة والتنمية وفشله في الحفاظ على تحالفاته السابقة.
في ظل كل هذه النقاط الشائكة التي أشرتم إليها ، كيف يمكن أن يؤثر قرار الأستاذ عبد الإله بنكيران بتجميده عضويته على الوضعية الداخلية للحزب؟
الجديد في قرار بنكيران تجميد عضويته في الحزب هو إبرازه أن سبب أزمة الحزب راجع لقيادته الحالية، لاسيما بعد أن سمى الأشخاص بأسمائهم، فإعلان بنكيران القطيعة مع خمسة أعضاء من الأمانة العامة بما فيهم الأمين العام، خاصة في ظل حزب يتبنى المرجعية الاسلامية المبنية على الأخوة الاسلامية، فهو بمثابة ثورة داخل الحزب، وأنه لم يعد ممكنا السكوت على ما وصل إليه الحزب في ظل هذه القيادة المنقلبة على مبادئ الحزب، وأنه ينبغي تحديد المسؤوليات بدقة بعيدا عن الثقة الزائدة في الأشخاص والإكثار من حسن الظن الذي لم يعد مقبولا توظيفه للتغطية على الكوارث التي ترتكبها القيادة الحالية في حق الحزب وفي حق الشعب المغربي.
أما قرار تجميد العضوية والتلويح بالاستقالة من الحزب من طرف بنكيران فقد عكس فكرة أن إنقاذ الحزب في ظل هذه الظروف وفي ظل هذه القيادة المنقلبة على المبادئ والمتحكمة في مفاصل التنظيم والمهيمنة على مؤسساته، أصبح أمرا صعب المنال، إلا في حالة وقوع مفاجئة في المؤتمر الأخير بإزاحة هذه القيادة التي أفقدت الحزب مصداقيته وجلبت العار لمناضليه ومتعاطفيه.