لماذا وإلى أين ؟

عادات صحراوية رمضانية (4): ظَامَا

تفوح رائحة الموروث الثقافي الذي تكتنزه رمال الصحراء المغربية من بيوت أهلها، كلما أرخت ليالي رمضان سدولها على هاته الأراضي الزاخرة بتراث البيظان.

ألعاب شعبية وتقاليد وطقوس خاصة توارثتها أجيال من الصحراويين جيلا بعد جيل، تكشف عمق وتنوع الحضارة التي تزخر بها بلادنا، ما يجعل الزائر للجنوب المغربي يغوص في رحاب أجواء الحاضر التي تعود به إلى كنف الأجداد.

واختارت الجريدة الإلكترونية “آشكاين” أن تبسط سلسلة رمضانية لمجموعة من هذه التقاليد الصحراوية العتيقة التي تختزنها الأقاليم الجنوبية والتي يتميز بها شهر رمضان بالخصوص،  من خلال حلقات برنامج “عادات صحراوية رمضانية”.

وسنتطرق في الحلقة الرابعة من هذا الشهر، إلى لعبة الحجارة والعيدان، لعبة شعبية شهيرة لدى المجتمع الصحراوي، ويزدادا الإقبال عليها في شهر رمضان لتمضية أوقت الفراغ، إنها لعبة ظاما.

نبذة عن اللعبة

وحسب التعريفات المتداولة عن لعبة ‘ظاما’، فهي “من بين الألعاب الذهنية التي تساعد الرجل على تعلم مهارات المواجهة والدفاع  عن النفس وحل المشكلات المختلفة، هذا فضلا عن فوائدها الكثيرة في تنمية مهارات سرعة البديهة”.

كما أن “ظاما عبارة عن رقعة مشبكة يتم رسمها على الرمال، ويبلغ عدد تقسيماتها إلى ثمانين مربعا، ويقوم بلعب ‘ظاما’ شخصان يحيط بهما جمع من المشجعين، يسمون ‘بالـنُّعَّات’، أي المرشدين، كما هو مبين في الفيديو أسفله”.

أحمد الهيبة صمداني – آشكاين

لمحة أكاديمية عن اللعبة

وبين الباحث في التراث اللامادي الحساني، الدكتور بوزيد الغلى، الذي رافقنا في عدة حلقات من هذه السلسلة الرمضانية، بأن “لعبة ‘ظاما’ تعتبر من الألعاب الفكرية ” Jeux intellectuels”؛ أو الألعاب الاستراتيجية ” Jeux de stratégie” كما تسمى، وهو ما ينطبق أيضا على لعبة السيك التي تحدثنا عنها سابقا“.

وأوضح الدكتور بوزيد الغلى، في حديثه لـ”آشكاين”، أن “لعبة ‘ظاما’ تتنوع حسب سن اللاعبين، أي أنها تتدرج في السن، من البساطة إلى التعقيد، والملاحظة الثانية أنها ليست لعبة محلية، بل هي لعبة معروفة في كل بلدان المغرب العربي، وفي شمال أفريقيا على الأقل، إذ تعرف في تونس بالخَرْبْكَة، وفي الجزائر تسمى خْرِيـبْـكَة، وتلعب على نطاق وتسع في موريتانيا، لأننا نتقاسم في الصحراء نفس القسامات الثقافية مع الفضاء البيظاني عموما، خاصة الفضاء الشنقيطي، إذ يلعبون ظاما بنفس الطريقة”.

ويرى الباحث في التراث اللامادي الحساني نفسه، أن “ظاما من الألعاب التي تسللت إلى الشعر الحساني، بمعنى أنها ليست لعبة عارية عن الاهتمام؛ بل هي لعبة يهتم بها المجتمع وهي لعبة ترفيهية بامتياز”.

موردا ان “هذا يعني أنها فعلا تسللت إلى الشعر الحساني، وفي الغالب، فإن كل الأمور التي ترِد شعرا لا بد أن يكون لها رواج كبير وتتعمق معرفة المجتمع بها”.

دعوة للمَأسَسَة والرَقْمَنَة

وقال بوزيد الغلى، في حديثه لمنبرنا، أن “ظاما هي من الألعاب التي تحتاج إلى المأسَسَة، من خلال تأسيس أندية؛ بدل أن يلعب الناس ظاما على قارعة الطريق؛ في الأزقة، خاصة كبار السن والمتقاعدين، فمن المفيد أن يتم تنظيم هؤلاء من خلال أندية، وهو ما كنت قد نادَيْتُ به سابقا، وخير مثال نادي الكرة الحديدة بجهة وادنون الذي كان ناجحا بهذه الجهة، وتقام فيه منافسات، وكانوا بدورهم يلعبون قبل ذلك في الهواء الطلق”.

وتأسف الباحث في التراث اللامادي الحساني، بوزيد الغلى، عن كون “ظاما  مازالت تمارس في الشوارع على قارعة الطريق، لأنه لم يُعَرْ لها الاهتمام الذي تستحقه”.

“منذ سنة ونيف كنت نظمت لتلاميذ بالإعدادي ورشة ألعاب ذهنية وترفيهية”، يحكي بوزيد عن تجربة خاصة لـ”آشكاين”، وذلك “من خلال ثلاث مجموعات، مجموعة أخذت لعبة “بارتشي” الإسبانية الشهيرة؛ ومجموعة ثانية أخذت لعبة “الذئاب والنعاج” التونسية الشبيهة في ترسيمتها بلعبة ظاما؛ والمجموعة الثالثة أخذت لعبة ظاما”

وأضاف محدثا أنه “وجد أن قطاعا واسعا من التلاميذ يعرفون “البارتشي” وظاما ولا يعرفون لعبة “الذياب والنعاج” التونسية، لأنها لم تدخل العالم الرقمي بعد”.

وخلص الباحث في التراث اللامادي الحساني، بوزيد الغلى ، إلى أن “من المفيد جدا أن يُعتنى بهذا الجانب،  بأن ترقمن الألعاب التقليدية، وأن ننتقل من الألعاب التي تمارس حسيا مباشرة، إلى ألعاب رقمية افتراضية، وهذا ما نجَحَتْ فيه مجموعة من الشركات التي رقمنت العديد من الألعاب واستطاعت أن تشيع على نطاق واسع، ولعبة ظاما من الألعاب الصالحة للرقمنة”.

أحمد الهيبة صمداني – آشكاين

الحلقات السابقة:

عادات صحراوية رمضانية (1): السِّيكْ

عادات صحراوية رمضانية (2): الهَـيْـلالـَة

عادات صحراوية رمضانية (3): مَـرْيَـاسْ

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x