لماذا وإلى أين ؟

المؤسسات الخيرية والاستغلال السياسي 

حميد عمامو

لقد أثار موضوع جمعية جود نقاشا مستفيضا حول الخدمات التي تقدمها خصوصا قبيل الانتخابات بتلاوينها كلها، لكن إذا ما امعنا النظر قليلا حول الأعمال الخيرية التي لها ارتباط مباشرة او بصفة غير مباشرة بحزب سياسي ما أو شخصية سياسية، فإننا نجد ذلك الوضع أصبح معتقدا يؤمن به كل السياسيين حيث انبصقت الفكرة منذ إقحام الدين في السياسة والركوب عليه بطريقة بشعة لتحقيق وتمرير مجموعة من الخطابات السياسية التي تجد في الدين قدسيتها بعدما تكون قد استلهمت منه تلك القدسية لتنتشر بين الممارسة الشخصية للأحزاب التي اخذت من الدين ظالتها لتدبير أمر دنيوي يجمع الطالح والصالح، الخبيث والطيب بعد جمع عديد الأصوات خصوصا أننا نعلم أن الدين بالنسبة للمغاربة شيء عظيم ومقدس والذي يأتينا خلف الدين يصاب بتلك العظمة والقدسية الا ان هذا كله يتطلب خلق جسور الثقة والتواصل.

وبما أن الفقر كاد أن يكون كفرا، فالركوب على التضامن والتآزر والوحدة تعد أقصر وأنجع جسر لاسقاط القدسية والصلاح على السياسي الراكب على الدين حيث أبانت عن نجاعتها فأصبحنا نشاهد ونلامس عديدة الجمعيات الخيرية منها ذات الطابع الوطني وأخرى عابرة للقارات تمول من أموال كثير منها تضع بين قوسين خطيرين لتدعم خطاب الإسلام السياسي والتحكم في دواليب الشأنين العام والخاص والوصول إلى مراكز القرار لمعرفة أكثر بأسرار خطيرة قد تستعمل ضد استقرار وأمن الدولة والسلم الاجتماعي.

إلا أن تنبأ الأجهزة الرسمية ومن خلاله لضمان منافسة شريفة بين الخصوم السياسيين دون الركوب على المقدسات والمشترك الجماعي للمغاربة بتقنين الممارسة السياسية بإبعادها المقدسات والثوابت الوطنية والتنافس في التدبير اليومي للمغاربة إلا أن استمرار الفراغ في تنظيم عملية الإحسان العمومي وعدم صدور قانون ينظم ذلك بشكل جلي استمر تحول الاستغلال الديني في السياسي إلى الاستغلال الإحساني مما جعله مفتوحا أمام عديد المرجعيات السياسية بما أنهم لا يقتصر على الدين ويرتبط بقيم كونية كالتضامن والتأزر الذي يعد قيمة إنسانية ترتكز جل الديانات عليها.

وأمام نجاعته في استيلاب الناخب خصوصا الفئات الهشة والتي تشارك بقوة في المحطات الانتخابية مما فتح شهية الكائنات الانتخابية في البداية لممارسة الإحسان الانتخابي بشكل فردي وعن قرب استهدف الفئات القريبة للكائن الانتخابي والتي كانت لها نتائج مبهرة حيث أخذت صاحبها إلى إحلال مراكز متقدمة سياسيا وأمن استقرار إلى حد ما بعدما أصبحث كلمته مسموعة داخل منتخبيه، مما أفسح المجال أمام كائنات انتخابية لسلوك الأمر نفسه ساهم في ذلك الطفرة التي عرفها المجتمع المدني وتأسيس عدة جمعيات، حيث تجد الدولة صعوبة فيها من ناحية التأطير والتوجيه ليحل الكائن الانتخابي ويسطو عليها خدمة لأجنداته.

ومدام أن الجمعيات مؤسسات وهيئات منظمة قانونا فإن ربطها بالحزب السياسي، أصبح سهلا ومربحا في نفس الوقت خصوصا مع حالة الترهي التي تعاني منها الأحزاب السياسية التي أصبحت غير قادرة على التحكم في مكاتبها المحلية قبل أن تؤطر المواطنين وتتواجد بينهم خصوصا مع عدم تحيين وتجويد الخطاب السياسي والفكري، فتحول الدور من تأطير المواطنين فكريا وسياسيا إلى (تأطيرهم) بالقفف والمعونات المناسباتية الدينية والانتخابية.

ولاعطاء الفعل أكثر جاذبية وتغطية الحزب بجميع تراب المملكة، أسست مؤسسات خيرية بعدما كانت جمعيات محلية لتحل محلها أو تقدم الدعم للجمعيات المحلية وترتبط بالحزب السياسي والشخصية السياسية في تقديم الدعم والمعونات حيث البقاء للأقوى، صاحب المال والمشاريع الكبرى على أن تظل ذات طبيعة مغربية عكس الجمعيات الدينية التي كانت لها امتدادات دولية فأصبحت تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية وبتفريخ عدد كبير منها أغلبه مرتبط بالمجال السياسي ويخدم تصورا سياسيا مما جعلها تعيش تهافت التهافت الذي دون شك سيخلق اصطداما بينها خصوصا بقرب المواعيد الانتخابية.

وقضية مؤسسة جود مثال واقعي مما يطرح السؤال هل انتقلنا من الأحزاب السياسية المؤطرة والمكونة للتنشئة كمدارس فكرية إلى أحزاب تؤطر خيريا بواسطة القفة لنخلص إلى السؤال المهم إلى العلاقة بين الحزب السياسي وجمعيات المجتمع المدني ومن يتبعما وهل بهذه الطريقة نحقق تدبيرا ناجعا للقضاء على الفقر ام نستغله لتكريسه؟

للأمانة وفقط هذا القول ليس اتهاما لمؤسسة جود لكنها السبب الذي أثار الموضوع أما الواقع فهناك مؤسسات عديدة مرتبطة سياسيا وتخدم أجنداتها وواقع إقصاء الآخر وتشويهه سيبدأ من الآن إلى حدود الانتخابات المقبلة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x