لماذا وإلى أين ؟

زعتر الجواهري وحمص بوليف

محمد أحداد
من حق الجواهري أن يعبر بحرية عن رأيه في الاختيارات السياسية للبلاد، ومن حقه أن يسخر من الوعود التي أطلقها البيجيدي في لحظة النشوة سنة 2011 قبل أن تفتض بكارته بالكامل، وأن يهزأ من الأرقام الفلكية التي “يشير بها” هذه الأيام “عزيز المغرب”، الذي انهار مشروعه السياسي لحظة بانهيار “محطات إفريقيا”. منصب والي بنك المغرب، هو منصب اقتصادي ومالي لكنه منصب لا يخلو من بعد سياسي أيضا.

لكن ليس من حق الجواهري (أحد الفاعلين الكبار في المملكة)، أن يناقش السياسة بذلك الابتذال الزعتري الكرموسي. كنت دائما أنظر إلى الجواهري، أنه رجل صريح ومتمكن، وحتى أرقامه حول نسب النمو والتوازنات المالية والاقتصادية كانت دائما أقرب إلى الواقع بعيدا عن “الفهلوات”.

كلام الجواهري، إذا قرأناه في سياقه، فإنه موجه بالأساس إلى عزيز أخنوش. هذا واضح. غير أن نجيب بوليف، الذي كان وزيرا في حكومة الإسلاميين، انبرى ليرد بلغة هجومية على والي بنك المغرب بخطاب أقرب إلى “الحمص”، ناسيا أن حزبه قدم وعودا للمغاربة برفع نسبة النمو وتوسيع دائرة الطبقة الوسطى والدفاع عن الحريات، وكل ما فعله خلال السنوات التي تولى فيها تدبير الشأن الحكومي هو تقديم مزيد من التنازلات الدستورية والتنفيذية للدولة وللتكنوقراط.

لقد نسي بوليف أن استئثار التكنوقراط لا يمكن أن يكون لولا أن الحزب الذي قال أمينه العام السابق”عطيوني أصواتكم وخليوني مني ليهوم” (تبخر هو والأصوات)، قدم تنازلات مؤلمة في قطاعات مختلفة.

ناقش بوليف التكنوقراط، وقد أصبح هو وحزبه بعد كل هذه السنوات جزء من النخبة التكنوقراطية بتدجين من الدولة.

كنت قد كتبت في وقت سابق أن أفضلية التكنوقراط كانت جوابا قدمته الدولة في لحظة من اللحظات كاختيار مبني على النجاعة، وربما كان اختيار النجاعة التقنية يخفي نوعا من التفوق التقني والمهني على الشرعية الانتخابية وعلى مناهج تنفيذ قادمة من الأحزاب والفضاء العام.

في لحظة سياسية، حاولت الدولة أن تمزج بين الاثنين، لكنه كان التقاء -مع الأسف- مصطنعا عبر إسباغ قبعات سياسية على بروفيلات تقنية.

بطبيعة الحال، تمثل هذه التجربة جزءا من اختيار سياسي، وهي نوع من محاولة التوفيق بين الاختيار التكنوقراطي وبين مقتضيات الانفتاح على الشرعية الانتخابية والحزبية والانفتاح على الأطر الحزبية.

سؤال النجاح أو الفشل مرتبط بالمرجعية التي تحكمنا. فكرة أن النجاعة توجد لدى التكنوقراط تشكل فقط نصف جواب أما النصف الآخر فهو مبني على فكرة المسؤولية السياسية على النظام السياسي. بمعنى يجب أن يتطور في اتجاه يجعل فكرة النجاعة متضمنة في فكرة المسؤولية السياسية. الأمر لا يتعلق هنا بأفضلية أخلاقية ولكنه يرتبط بقدرة أحزابنا ونخبنا السياسية على استقطاب قدرات وكفاءات تقنية قادرة على أن تتمثل مشروعها المجتمعي والتنظيمي وأن تمتلك القدرة التقنية لتنزيله.

أتصور أن الاختيارات التكنوقراطية في كثير من الحالات تمثل حالة من قتل السياسة وحتى “أسطورة النجاعة” قد لا تبدو دائما مفيدة. علينا أن نتذكر أن الذي قاد القطاع العام للإفلاس عموما هم “قيادات تكنوقراطية”. إذن المسألة هي مسألة مركبة ولا تحتاج أن تعالج بنظرة الأفضلية الأخلاقية. صحيح أنه يمكن أن نؤسس لبناء نظام مبني على النجاعة والكفاءة، لكن في إطار يراعي المسؤولية السياسية. وهذا هو الرهان الأساسي.

الحقيقة أن للأمر علاقة بتاريخ السلطة التنفيذية، وبالمحدودية الهيكلية لصلاحيات الحكومة على مر التجارب الدستورية، وخاصة السابقة عن 2011، حيث كان الوضع أشبه بنظام كامل للامسؤولية المنظمة، تمارس داخله اختصاصات تنفيذية عديدة خارج منطق الرقابة الحكومية وبعيدا عن المسؤولية السياسية للبرلمان. لقد كانت المسألة في العمق نمطا للحكم يعمل على تحصين التدبير العمومي من المساءلة الديمقراطية.

إنه في الأخير نظام يسمح بإفلات مؤسسات وسياسات محددة للتوجه العام للدولة من آلية المحاسبة الديمقراطية. لنقل إنها تشكل نظاما عاما وليس اسثتناء ولابد أن نضيف أن هذا الوضع رهين بالتقدير السياسي لأصحاب القرار مضمونه هو تحصين قطاعات واسعة من أشكال التدبير الأمني، الترابي، الاقتصادي..

وجود مساحات تدبيرية خارج منطق المسؤولية يعني أولا خروجا عن المنهجية الديمقراطية وتهميشا للسياسة ولوظيفة المنتخبين، وبالتالي إضعافا لكل للفاعل السياسي وعلى رأسها الأحزاب السياسية. عندما لا تفضي الانتخابات إلى إقرار نظام للمسؤولية وعندما نضع التدبير التنفيذي تحت سطوة التكنوقراط، فإننا عمليا نقوم بإخصاء وظيفي للأحزاب السياسية ونرمي بها داخل منطقة الهشاشة. لايمكن للأحزاب أن تتطور خارج نظام المساءلة وخارج ربط القرار العمومي بالإرادة الشعبية. هذا أمر واضح أيضا. لكن البيجيدي كما الاتحاد الاشتراكي اختاروا حلاوة السلطة وأصبحوا “تكنوقراط” في خدمة الدولة.. هذا كل ما في الأمر.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
مجهول المصير
المعلق(ة)
24 يونيو 2021 17:29

هاذ الجواهري واش مزال مبقا امشي فحالوا نهار شد كرسي بنك المغرب وهو لاصق فيه والمغرب غرقوا كريديات وسير فحالك اصاحبي خلي الكرسي لشباب

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x