لماذا وإلى أين ؟

مختص يوضح مخاطر “النفخ” في نقاط الامتحانات الإشهادية على المنظومة التربوية (حوار)

بالموازاة مع ظهور نتائج عدد من المستويات الدراسية، بما فيها نتائج السنة الأولى والثانية بكالوريا، التي كشف حصول بعض التلاميذ على نقطة 20/20 أو أقل منها في المعدل العام، (بالموازاة مع ذلك) عاد نقاش النفخ في النقاط من طرف بعض المؤسسات التعليمية إلى الواجهة.

وحين يرى البعض أنه من المستحيل الحصول على نقطة 20/20 في المعدل العام، مبررا ذلك بأن المقرر الدراسي يضم موادا أدبية لا يمكن الحصول فيها على هذه النقطة لأنها تعتمد على مستويات عدة؛ من قبيل الإملاء والنحو والتحليل والتسلسل في الأفكار ثم الاجابة على السؤال المطروح، عزى البعض الاخر ذلك بالنفخ في النقاط من طرف بعض المؤسسات التعليمية بهدف الرفع من نسبة النجاح في البكالوريا والبحث عن سمعة غير مستحقة.

في هذا الاطار، أكد الاستاذ الباحث ورئيس جمعية آفاق لحماية المستهلك بأكادير؛ يوسف البودربيلي، أن ظاهرة النفخ في نقاط المراقبة المستمرة من طرف بعض المؤسسات من شأنه أن ينعكس سلبا على التلاميذ الحاصلين على الشهادات وعلى المؤسسات التربوية التي تعتمد على هذه الممارسات في التسويق وعلى المنظومة التعليمية في بلادنا.

وأكد البودربيلي في حوار مع “آشكاين”، أن هذه الممارسات غير أخلاقية التي تعتمد عليها بعض المؤسسات التعليمية يمس بمبدأ تكافؤ الفرص ووجب على الدولة مراقبتها ومحاربتها، مشددا على أن ذلك يعد ضربا للقيم وللمبادئ التي قامت عليها المنظومة التعليمية ومن أجلها تم دعم المدرسة الخاصة والعمومية لضمان الحق في التعلم والمساواة بين المتعلمين والمتعلمات.

وهذا نص الحوار:

بداية، عاد نقاط النفخ في النقاط إلى الواجهة، في نظرك أليس من شأن ذلك أن يضر بالتلاميذ من جهة ومسارهم الدراسي من جهة أخرى؟

نفخ النقاط أضحى ظاهرة شائعة، أنتجت فلسفة تحصيلية تنبني على الكم وليس على الكيف، وأصبحت المنافسة حادة بين المؤسسات التعليمية العمومية فيما بينها لتحقيق أكبر نسب النجاح، بل وحتى أعلى المعدلات، بعدما كان هذا التنافس رهين بالمؤسسات الخاصة لجلب عدد أكبر من الزبناء بل وحتى تحقيق ربح أكبر. وهذا في حد ذاته شكل ضغطا كبيرا على الأستاذ الذي أصبح يسارع الزمان من أجل تحقيق أكبر نسب النجاح وأن عكس تلك النتائج قد تدفعه إلى المساءلة الإدارية.

هذه التمظهرات أدت إلى إنتاج جيل من الممتحنين همهم الوحيد إجتياز لحظة الامتحان وبكل الطرق المسموح وغير المسموح بها، إذ ساهمت بشكل كبير في تدني المستوى الدراسي للتلاميذ وحتى نسب إستيعابهم وتركيزهم، بل وحتى عدم توفرهم على الحد الأدنى من الكفايات التعلمية التي تمكنهم من الإبداع والإنتاج.

لقد أصبحنا نرى على مواقع التواصل الاجتماعي كيف يمكنك أن تلقن سرب من التلاميذ كل الدروس عن طريق الحفظ وبشكل جماعي يغيب فيها العقل والإبداع بشكل نهائي، وتمكنهم من الحصول على شهادة الباكلوريا بسهولة كبيرة. إضافة إلى أننا بدأنا نسمع بمعدلات أقرب من الخيال، كأن يحصل تلميذ على معدل 20/20 في إمتحان جهوي لم يكن متاحا فيه حتى تعدي معدل 15/20 لأسباب موضوعية ومتعلقة بالمواد الممتحن فيها. كما أنه كان من سبع المستحيلات في الإمتحان الوطني، تجاوز نقطة 12/20 في مادة الفلسفة في سنوات التسعينات حتى أصبحنا مؤخرا نسمع عن 17 و18/20 في نفس المادة.

كما أسهم النفخ في النقاط بشكل كبير في إستفحال ظاهرة الغش وبأحدث التقنيات، والذي يتم التغاضي عنه في تقويمات المراقبة المستمرة داخل الفصول الدراسية إلى أن وصل للإمتحانات الإشهادية والجامعية مرورا بالإمتحانين الجهوي والوطني. إضافة إلى سهولة مواضيع الإمتحانات، فقد تجد مثلا إمتحان إشهادي للرياضيات بالسلك الاعدادي يتضمن أسئلة يطلب فيها من التلميذ إختيار الجواب الصحيح من الخطأ.

ويتجاوز النفخ في النقط طريقة الحصول على الشهادة، للتأتير على مسار التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا وبالخصوص عند ولوجهم إلى المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود وقدرتهم على التحصيل بها وبناء مسار مهني جيد يخدم المواطنين والوطن.

طيب، تحدثت عن المؤسسات التعليمية، أليس من شأن هذه الممارسات أن تضر بسمعة هذه المؤسسات؟

نعم، قد تؤثر على المؤسسات التي تمارس هذه التجاوزات. ففي خطوة غير مسبوقة مثلا، سبق لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي أن نشرت لائحة 32 مؤسسة تعليمية خاصة، متورطة في منح التلاميذ نقطا غير مستحقة في المراقبة المستمرة برسم الموسم الدراسي 2016ــ 2017، بعد تسجيل الوزارة لخروقات في متوسط النقط المحصل عليها من طرف التلاميذ بين امتحانات “المراقبة المستمرة” و”الامتحانات الوطنية”.

رغم أنه لا يمكن تعميم هذا الحدث على عموم المؤسسات الخاصة التي كان لها ولا يزال دور مهم في المساهمة إلى جانب مؤسسات التعليم العمومية في النهوض بقطاع التعليم، إلا أن مثل هذه الممارسات غير أخلاقية وتمس بمبدأ تكافؤ الفرص ووجب على الدولة مراقبتها ومحاربتها.

أليس من شأن كل ما سبق ذكره أن يضر بمنظومة التعليم ومصداقيتها؟

طبعا، كل ما ذكر سلفا يعد ضربا للقيم وللمبادئ التي قامت عليها المنظومة التعليمية ومن أجلها تم دعم المدرسة الخاصة والعمومية، لضمان الحق في التعلم والمساواة بين المتعلمين والمتعلمات. فالمنظومة التعليمية خاضعة كذلك لقانوني العرض والطلب، وزيادة العرض يقابله انخفاض الطلب.

فالنفخ في النقط يؤدي إلى الزيادة في العرض المتعلق بالحاصلين على الشهادات وينقص من قيمة النقطة. إذ نجد أن معدل 16/20 في الباكلوريا مثلا لا يمكن التلميذ حتى من ولوج مدرسة عليا للتكنلوجيا، في حين أنه كان يكفي معدل 11/20 لدخولها في متم سنوات التسعينات. مايدفعنا إلى تشبيه ظاهرة “النفخ في النقاط” أو تعويم النقط بتعويم العملة أو سعر الصّرف العائم الذي يعتمد على مبدأ العرض والطلب في تداول العملة ذاتها مقارنة بالعملات الأخرى.

ورغم كل المجهودات التي بدلتها الحكومة المغربية من أجل النهوض بالتعليم خصوصا مأسسة إستراتيجية التعليم عن طريق تنزيل القانون الإطار وإخراجه إلى حيز الوجود، إلا أن كسب تحدي قياس جودة التعليم الوطني بالمقارنة مع التجارب الدولية يحتاج إلى مضاعفة وتظافر الجهود. خاصة إذا علمنا أن المغرب رتب في التصنيف الواحد بعد المائة (101) عالميا من بين ما مجموعه مائة وأربعين دولة، والتاسع عربيا من بين 13 دولة عربية. مما لكل ما سبق ذكره وخصوصا ضعف جودة التعليم من تأثير على المنظومة الإستهلاكية ككل.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x