2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

محمد العطلاتي
لقد شهد العالم، على امتداد التاريخ، ثورات متعددة على فترات متباعدة، كانت السبب في انتقاله نحو التقدم و الأفضل في مجالات الحياة، سواء بمجال العلوم الدقيقة أو العلوم الإنسانية، و هكذا شكل انتقال الإنسان من مرحلة التداوي بالبركات المأمولة و الخرافات الأسطورية، إلى مرحلة العلاج اعتمادا على الطب كعلم قائم على قواعد معروفة و مناهج لا حظ فيها للشعوذة و الخيال.
و الثابت في تاريخ الثورات أنها شملت مجالات حياة الإنسان سواء ما تعلق منها بتنظيم علاقته مع شقيقه الإنسان، أو ما ارتبط منها برؤيته للطبيعة و إمكانيات تفسير المبهم منها. لكن تلك الثورات لم تكن لتتحقق إلا اعتمادا على عنصر فريد و وحيد هو امتلاك “المعلومة” حول الموضوع، فالحصول على المعلومة يصنع القدرة على كشف الحقائق و يفتح الطريق لاتخاذ ما يعتبر عائدا بالنفع.
لاشك أن الكثير من عامة الناس لا زالوا تحت تأثير حالة الانبهار من تداعيات الثورة الرقمية و الالكترونية، تلك الثورة التي أنتجت وضعا جديدا و متجددا على الدوام فيما يرجع لتعاملات الناس فيما بينهم، وضعا يسمح بتجاوز الحدود دون الاكتراث بالحواجز المادية أو إلى عقبات الحصول على تأشيرات قنصلية، في هذا السياق “الخارق للحدود” أضحى الفايسبوك، وهو أحد مواقع ما يعتبر تواصلا اجتماعيا، الرقم الأول في تداول “المعلومة” بين منخرطين بلغ تعدادهم أكثر من ملياري مستخدم، و هو، للتذكير، رقم يتضاعف بمتتالية هندسية.
إن حالة الانبهار التي طبعت تعامل مستهلكي الخدمات التواصلية مع موقع مثل فايسبوك تبدو جلية للناظر المتأمل، و هي بالمناسبة حالة مشروعة و معقولة من جهة المنطق، فالموقع الأمريكي يقدم في واقع الأمر خدمات فائقة و مجالا أفسح بكثير مما هو معتاد في السابق، خدمات تسمح بالتجول في أرجاء العالم و نشر ما يرغب في نشره، أو أخذ ما يريد الحصول عليه منه، و المدهش في الأمر أن خدمة الفايسبوك ،كما تشير إلى ذلك صفحتها الدعائية، هي خدمة مجانية و ستبقى كذلك على الدوام.
إنه انبهار إنساني مشروع إزاء هذه الخدمة، لكنه، مع ذلك، يحجب عقل الناس عن التساؤل : هل هي بالفعل خدمة مجانية ؟ و هل قواعد اللبرالية، التي ولد الفايسبوك في أحضانها، تؤمن حقا بمفهوم اسمه “المجانية”؟ هذا مع التذكير بأن ثروة مؤسس و مالك شركة فيس بوك، تزيد عن 40 مليار دولارأمريكي، فضلا عن عقارات و أبنية تتخذها الشركة مقرا لها بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
ربما كان هذا دليلا يبعث على التساؤل إن كانت مؤسسة فايسبوك تقدم فعلا خدماتها للمشتركين دون دفع دولار واحد، أم أنها تحصل على عائدات ضخمة بطريقة تظل مجهولة المعالم بالنسبة للعوام.؟
إن المشترك في خدمة مواقع التواصل الاجتماعي يعتقد أنه أبرم صفقة مربحة، بواسطتها ينال ما يريده دون دفع ، ويؤمن بإنه الطرف الرابح في صفقة تسمح له بنشر “المعلومة” و تلقيها في كل حين. لكن الحقيقة خلاف ذلك ، فالمعلوم أن المشترك الجديد، في مرحلة أولى، يجد نفسه حينما يرغب في فتح حساب على موقع الفايسبوك مجبرا على الإدلاء بمعلومات عن سنه و جنسه و بلد إقامته إلى غير ذلك من البيانات “الشخصية”، و هي معلومات يعتبرها الناس، بسبب بساطتها، تافهة و غير ذات قيمة أو تأثير، غير أن الأمر يتطور لدرجة أكثر تعقيدا من فهم العقل العادي، إذ يجد المشترك نفسه أمام حرية اختيار الضغط على زر دون غيره الأزرار، سواء تعلق الأمر بنشر تدوينة أو التعبير عن إحساس أو حتى الاعتراض على شيء و التبليغ عنه.
إن الأمر يضع إدارة الفايسبوك، أمام سيل عارم من المعلومات تخص أزيد من ملياري مشترك، و بالطبع، فإن شركة عملاقة كفايسبوك، التي تتوفر على موارد بشرية غاية في البراعة، لابد أنها تشتغل على معالجة هذا السيل العارم من “المعلومة” بحسب نوعيتها و طبيعتها قصد تخزينها قبل الدخول في مسألة توظيفها واستغلالها، عبر إخضاع السلوك المعبر عنه بواسطة “التواصل الاجتماعي” للدراسة و استقراء هذا السلوك لامتلاك المعلومة الدقيقة، و هو جهد استثماري لابد أن تكون وراءه غاية ربحية، أدبية كانت أو سياسية. و حينما تتوفر المعلومة لأحد ، فإن ذلك يجعل منه الطرف الأقوى على الطرف الذي يجهل المعلومة.
المعنى الواضح من هذا الكلام أن أمريكا سيدة العالم و تسعى للبقاء على رأسه، ليس فقط باعتبارها قوة عسكرية و اقتصادية و علمية هائلة، بل لأنها امتلكت ناصية العلم و المعلومة، ولعل هذا يفسر كيف استطاع مؤسس موقع فايسبوك مارك زوكربيرج تعلم جميع لغات و ثقافات العالم، فقد اقتنع، علميا، بأن امتلاك المعلومة عمل ضروري لاستغلال الجاهل بالمعلومة، وهذا عمل يؤديه بنجاح “الفايسبوك ، رأس الحربة”.
الإدارة الفنية للفايسبوك تأخذ بعين الاعتبار نسبة الكذب في المعلومات المقدمة و تجري عمليات تقييم من خلال خبراء و أنظمة معلوماتية متطورة لا علم لنا بها.
مقال انشائي و سطحي
هههنههههه
ومن يدخل معلوماته الحقيقية الا الانسان النية