2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

سعيد الغماز
نعيش في وسطنا الاجتماعي مع الأصدقاء والأحباب وجميع المعارف، نخلق بيننا أجواء ملئها الاحترام والتعامل الحضاري، ونعتقد أن المجتمع الذي نعيش فيه تلك هي طبيعته، وذاك هو سلوكه. لكننا في حقيقة الأمر نعيش في زاوية وليس في المجتمع، وهو ما يجعلنا نفقد الحس الاحترازي، ونبتعد عن أخذ الحيطة، ونفرط في حماية أغراضنا الشخصية.
مع توالي الأيام، وتراكم الأوقات، نركن إلى الاستخفاف…نعم إلى الاستخفاف، وهو لن يتضح لنا بشكل جلي ونحن نعيش في زاوية المجتمع ونظن أنه المجتمع برمته. لكن هذا الاستخفاف من جانبنا يتضح حين نتقاسم الطريق مع الخارجين عن القانون ولو للحظة تقاس بسرعة وخفة البرق. وحين نفقد أغراضنا وممتلكاتنا خلال هذا اللقاء القصير مع هؤلاء الخارجين عن القانون، آنذاك نعرف أننا مارسنا الاستخفاف بممتلكاتنا، ولم نُعر الاهتمام لحقيقة تقول إن المجتمع الذي نعيش فيه ليس هو الأصدقاء والأحباب المحيطين بنا، ولكنه هو كذلك في جزء منه نجد الخارجين عن القانون.
تجليات هذا الاستخفاف كثيرة ومتعددة. لا تخص الممتلكات العينية، وإنما تتعداها إلى ما هو أهم وقد يكون من الصعب استعادته. فالممتلكات العينية هي خسارة مادية يمكن استرجاعها مع الوقت. قد تكون خسارة كبيرة، تتسبب في تفقيرنا ماديا. لكن الرزق المسترسل يُعوض ما ضاع ولو بعد حين. أما الممتلكات الأخرى والتي قد تكون فكرية وإبداعية وفنية، كما قد تكون شيئا عزيزا لا يمكن تعويضه كالصورة الفريدة أو تذكار يخلد لحظة لها قيمة في حياتنا…يكون من الصعب استرجاعها…آنذاك ندرك حجم استخفافنا.
مظاهر الاستخفاف هي الأخرى متعددة… جمعُ وثائقنا الإدارية في محفظة واحدة، استخفاف…اصطحابنا اليومي للوثائق التي لا نحتاجها في تحركاتنا اليومية، استخفاف…عدم الاحتفاظ وتخزين صورنا وخواطرنا ومقالاتنا وإبداعنا الفكري والثقافي، في شرائح التخزين الخارجية كالقرص الصلب، استخفاف…ترك أغراضنا في السيارة بادية للعيان، استخفاف…جمع الحاسوب مع شرائح التخزين الخارجي في محفظة واحدة، استخفاف…اختزالنا للمجتمع في محيط الأصدقاء والمعارف، استخفاف…تجاهلنا لوجود الخارجين عن القانون، استخفاف…
قبل أن تحل الكارثة، ونكتوي بفقدان ما قد لا يُعوض، علينا أن نعطي القيمة الحقيقية لكل شيء غال في حياتنا. وهذه القيمة تمر حتما عبر انتباهنا لكل مظاهر الاستخفاف.
هذه خواطر من وحي سرقةٍ تَعرَّضَ لها حاسوب من داخل سيارة بعد تكسير الزجاج. والملفات كلها داخل الحاسوب دون تخزين خارجي…فالسرقة خلفت خسارة والاستخفاف عمق من هذه الخسارة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.