لماذا وإلى أين ؟

القيادة الجزائرية لم تستوعب بعد المفهوم الاستراتيجي الجديد للحدود!

 إدريس بنيعقوب

في الأزمنة الجديدة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تأسس نظريا وعمليا مفهوم استراتيجي جديد للحدود الجغرافية الترابية للدولة. أزمنة القوى العظمى والعولمة والأسواق الضخمة والانفتاح التكنولوجي والإعلامي، أزمنة الأمم المتحدة ومؤسسات بريتن وودس ومنظمات التجارة والأحلاف العسكرية والتكتلات الإقليمية.

المفهوم التقليدي الترابي الجغرافي للحدود أضحى نسبيا وفي تآكل مستمر أمام حجم المصالح والمخاطر أيضا. خلاصة تتسرب إلى أذهاننا أمام ما نشاهده في عالم تتحرك فيه قوى الدولة عسكريا واقتصاديا وثقافيا داخل دول أخرى، نحو الحدود الحقيقية، لضمان بقائها. إنها حدود شرايين حياتها الاقتصادية والثقافية.

العسكر وكل القوى داخل الدول العظمى تقف اليوم لحراسة حدود المصالح، وليس عند حدود ترابية تقل أهمية ومخاطر عن الأولى.

وجود إقليم ترابي كأحد العناصر المكونة للدولة، هو أحد مفاهيم التي أنتجتها الحداثة الغربية. مفهوم صار نسبيا تتخلله استثناءات جوهرية فرضتها التكتلات الإقليمية وحركتها المصالح الاقتصادية.

ونحن نتأمل في معظم التدخلات العسكرية القتالية أو الإنسانية والتجاذبات الديبلوماسية الناعمة أو الخشنة للقوى الكبرى في عالم اليوم، والتي لا تتحرك بالضرورة بهاجس الاستعمار المباشر، نجدها تصب في اتجاه هدف أوحد، هو حماية مصالح ذات أبعاد اقتصادية أو ثقافية.

عندما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وفي أفغانستان أو في فيتنام سابقا كانت الأهداف تميل ما بين الاقتصادي والأمني والتحكم كما يقول العسكر في خطوط الإمداد المتعلقة بمصادر الطاقة، وفي تكلفتها على المستوى العالمي. وتمتد الأهداف إلى هندسة خريطة ثقافية أو إيديولوجية ودينية وفقا لمصالحها، وأيضا إلى محاصرة أو احتواء فاعل منافس أو معادي كروسيا والصين وإيران، وهي بذلك تسعى إلى تأمين حدودها الترابية لكن على تراب دول أخرى بعيدة.

الولايات المتحده الامريكيه بتدخلاتها المتعددة، رسمت حدودا جديدا لها، استوعبت العالم كله تقريبا. فهي عندما تضغط على أوروبا في توجهات مختلف الاتفاقيات مع روسيا في مجال تصدير الغاز أو في إنشاء منصات صورايخ، فإنها بذلك ترسم حدود مصالحها الحقيقية التي تتجاوز الترابية بعضرات الآلاف من الكيلومترات.

دول كثيرة تسير في نفس التوجه، وتسعى إلى صيانة المصلحة الوطنية الاقتصادية، وإلى حماية مجالها الثقافي، الذي قد تهدده ثقافات وأفكار أجنبية، ومثال ذلك اصطفاف روسيا وإيران والسعودية والإمارات العربية وتركيا في سوريا واليمن ضد تيارات دينية معينة.

تدخلات فرنسا في رواندا والزايير الكونغو الديموقراطية، ومالي وغيرها، لا تخرج هي أيضا عن هذا الاتجاه. التدخلات الأخيرة للإمارات العربية وتركيا وفرنسا في ليبيا، لها نفس الهدف. وحتى ألمانيا لها تاريخ مصلحي في شمال افريقيا منذ الحرب العالمية الثانية، في حملة الجنرال رومل على ليبيا ومصر، وهي تعي منذ ذلك الوقت، أن المنطقة تمتلك خيرات مهمة ونقط استراتيجية لمراقبة خطوط الطاقة.

وقد تكون هذه التدخلات ذات غطاء روحي، كلما وجدت تهديدات للمقدسات الدينية التي تؤمن بها الدولة، على غرار التوجهات الإيرانية في العراق وجنوب لبنان وفلسطين. وهو نفس التوجه الذي جسده تدخل العدد الأكبر من الدول الإسلامية في دفاعها عن السعودية خصوصا أثناء حرب الخليج الثانية ضد العراق.

المغرب يعي هذا الأمر منذ زمن بعيد، ويدرك أن الحدود الترابية لا يكفي حمايتها لوحدها لتفادي المخاطر. المغرب يدرك أن هذه الحدود ليست سورا عاليا يمنعنا من التواصل مع الآخر، ولا تعني القطيعة، بل هي كانت دائما بوابات للتواصل والعبور، وهناك حدود أبعد وأعمق هي التي يتعين حراستها والتدخل فيها ولو عسكريا.

المغرب أيضا عندما ساهم في تدخلات عسكرية في الخليج أو في إفريقيا، سواء من أجل حماية الحلفاء أو من أجل فك المعاناة الإنسانية، فهي تدخلات تبني جسورا وروابط اقتصادية وثقافية ودينية مع دول كثيرة عبر العالم، وإنما يكون الهدف عندها، هو حماية شرايين حياة الدولة والأمة المغربية في حدود بعيدة.

وللمفارقة فإن القيادة الجزائرية بقرارها إغلاق الحدود مع المغرب وتشديد الرقابة عليها، إنما تقف بذلك ضد حدود مصالحها ومصالح شعبها وضد شريان قوي ومحتمل لإمداد الحياة للمجتمع الجزائري.

الجزائر تخطئ النظر في ترسيم حدود وجودها الحقيقي، ولا تزال متشبثة بمفهوم دور العسكر في حماية حدود الدولة الترابية. وبعدما كان ممنوعا على عسكرها التدخل في مجال ترابي خارج الجزائر، سمح الدستور الجديد بشكل متأخر بخرق هذه القاعدة لأول مرة.

النخب العسكرية الجزائرية المحافظة فوتت على نفسها فرص كثيرة لإعادة تجديد رؤاها من خلال التدخلات الخارجية إنسانية كانت أو قتالية، ولعل السبب هو التخوف من احتكاك نخبه الشابة مع الخارج.

هي نخب تقليدية ذات عقلية قديمة جامدة غير متأقلمة مع العصر، ليست لها أعراف عريقة في تدبير الدولة والتدخلات الخارجية، ولا تعي حجم التطورات التي وقعت في العالم بعد سقوط جدار برلين وتحول العالم الى عمارة من زجاج.

في خلافات المغرب والجزائر، الحدود الترابية المغلقة هي عائق حقيقي نحو تكامل وانفتاح اقتصادي وثقافي. هذه الحدود لا تشكل خطرا ينبغي الإصرار على الوقوف عنده.

قوى الجزائر الحية السياسية والمثقفة والاقتصادية، يفترض فيها أن تفكر بعقلانية وبراغماتية، أن تعيد النظر في تعريف حدودها الحقيقية التي يتعَيَّن حراستها. هي حتما حدود مصالح الجزائر الحقيقية غير المطابقة للترابية.

فعندما يتوجه المغرب في بعثات عسكرية في مختلف بقاع إفريقيا أو البلاد العربية، فإن المبرر المشروع لذلك هو حماية حدود وجود الدولة والجماعة المغربية، في حين تصر الجزائر على أن تغلق على نفسها، وتتقوقع داخل حدود ترابية ضيقة تخنق حياة الجزائريين والنظام السياسي ككل.

حدود الجزائر الغربية ليست هي حدود المخاطر الحقيقية حتى تأمر القيادة الجزائرية بتشديد الرقابة عليها، بل حدودها الحقيقية هي ربما بعيدة عن المغرب أصلا.

هذه الحدود الترابية بين البلدين تأسست بناء على مراسيم استعمارية، وعلى قراءة وهمية لمخاطر مفترضة لا أساس لها، تجعل المغرب عدوا وهميا. الحدود بدل أن تشكل منطقة عبور مثمر وانصهار بين عناصر الالتقاء بين البلدين والشعبين، وبدلا أن تصير عاملا لتنمية الشعبين، أصبحت جرجا مفتوحا، ينزف معاناة وآلاما إنسانية يومية لا حصر لها.

ولكن ماذا يمكن للمغرب أن يفعل أمام جار شقيق أصبح حالة مرضية نفسية جد معقدة وفصام جد متقدم، و يعيش الوهم و لم تنفع معه لغة الهدنة؟! ربما أصبح الآن من الواجب الإنساني الأخوي رفع العصى أو الصعق الكهربائي، في وجهه، فلربما لايزال يملك حاسة الخوف التي يقال أن الأحمق لايفقدها حتى وإن زاد حمقه!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
رمضان
المعلق(ة)
9 ديسمبر 2021 13:18

كل هذه السفطائية الطويلة لتبرر يا كاتب المقال التحالف مع كيان بني صهيون ,..إلى الجحيم حدود المصالح إذا كان الثمن هو المشاركة في قتل العراقيين أو الصمت في قتل الفلسطنيين .,مبارك على المغرب هذا المبدأ الخارق مبدأ حدود المصالح و لو مع الصاينة قتلة الشعب الفلسطيني

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x