لماذا وإلى أين ؟

رحيل شعبوي…على من سيأتي الدور بعد إلياس العماري؟

لم تشهد الحياة السياسية المغربية منذ الإستقلال، سيادة شبه مطلقة للخطاب الشعبوي، كما عرفته الولاية الحكومية بين سنة2012 إلى 2016، بفعل وصول شخصيات سياسية إلى مراكز القرار الحكومي والحزبي، تصارعوا للبقاء في السلطة أو الوصول إليها، دون أن تكون لهم رؤى أو برامج، فهم فقط يجيدون دغدغة العواطف، وإبهام المفردات باستعمال توصيفات للحيوانات أو الجبال.، ومقاربة مآسي المواطنين بنظرة تبسيطية يدعون فيها أنهم ضميره وصوته.

لقد تمكن بنكيران، بفضل خطابه الشعبوي الفطري، من المحافظة على شعبية حزبه، والفوز بولاية حكومية جديدة، لكن هذا الخطاب ذاته سرع بالنهاية السياسية لبنكيران، لأنه وبالضبط في مرحلة تكليفه بتشكيل الحكومة، أصبح يستعمل خطابا شعبويا دينيا (عندما صرح أنه هدية من السماء للمغرب) قريب إلى التضليل والديماغوجية، وكما يقول المفكر الفرنسي بيير أندري تاغييف “من الخطأ مساواة الشعبوية مع الديماغوجية، فالديماغوجي يهدف إلى تضليل الآخرين، بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه”. ما يعني أن هوس بنكيران بالحفاظ على مركزه، جعله يضلل الآخرين بعد تضليله لنفسه.

ولم يكن حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب علال الفاسي، أفضل حظا من بنكيران، فشعبوية الرجل، وتخبطه بين المعارضة الجوفاء لبنكيران ومساندته العمياء، جعلته اليوم معزولا صامتا، مشلولا حتى في أدائه لمهامه كبرلماني أو مسؤول حزبي. بل إن شباط دخل في حالة موت سريري على المستوى السياسي، كان بإمكانه تجنبه، لو تشبه بعلال الفاسي، في خطابه ورؤيته، أو بحكمة امحمد بوستة.

لم يمضي الكثير من الوقت، حتى إلتحق إلياس العماري، بلائحة ضحايا الشعبوية، فمشاداته مع بنكيران إلى درجة التنابز بالألقاب، والسب والقذف المبطن وإقحام الأسر في خطابهما السياسي الذي يفترض أن يجيب عن المشاكل التي يعيشها المواطنون، أصبحت توحي للمتتبع للمشهد السياسي وكأنه في ساحة “جامع الفنا” بمراكش أو ساحة “الهديم” بمكناس.

إن نهاية الشعبويين حتمية، فهي خريف لا مفر منه بعد ربيع قصير، نظرا لطبيعة خطابهم المحدود التأثير في الزمان، وبسبب الأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، التي تحتاج لإجابات عن إشكاليتها ولرؤية سياسية واضحة تنسجم مع الواقع، وخطاب سياسي ناضج يرقى بالحياة السياسية المغربية.

وختما، هناك أسئلة تثار حول هذه المرحلة المتسمة بالشعبوية، في الوقت الذي كان المغرب وفي أحلك أزماته السياسية والإجتماعية، يتميز بخطاب سياسي ناضج ورؤى واضحة لحل الأزمات وإن كانت مختلفة فيما بينها جدريا، فهل إرتباط الشعبوية بمرحلة ما بعد حركة 20 فبراير ودستور 2011 ناتج عن تخطيط مسبق أم أنها مجرد صدفة؟ وبالتالي، هل يمكن أن تكون النهاية السريعة لرموز الشعبوية طبيعية فرضتها شروط موضوعية أم أنها عملية لمسح الطاولة وإعادة رسم المشهد السياسي برموز سياسية جديدة ؟ ويبقى السؤال الأهم، هو من السياسي التالي الذي ستكون نهايته السياسية، مثل بنكيران وشباط والعماري؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
منتظر
المعلق(ة)
29 مايو 2018 15:08

الشعبوية قتلت لغة الخشب التي تتكلم عنها هذه الاسطر السياسية المحتشمة…..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x