لماذا وإلى أين ؟

نداء وتجاوب.. معا ضد الانعزالية..

عز الدين بونيت

نشر الروائي الجزائري أمين الزاوي نداء الى مثقفي البلدين الجارين، ضمنه دعوة الى عدم الانضمام الى من يصبون الزيت على النار، وان يحافظوا على حياد إيجابي يسهم في مد الجسور بين الشعبين وجدانيا وثقافيا، محذرا من ان التقلبات السياسية زائلة اما العمق الثقافي فهو الباقي، ومن أن ذاكرة السياسي قصيرة بينما الثقافي لا ينسى، مؤكدا على ان دور المثقف هو المساهمة في البناء وليس أن يكون معول هدم.

حاولت ان أعرض مضمون هذا النداء بشكل مقتضب دون ان أخل بأفكاره الايجابية. وأتمنى ان أكون قد وفقت الى ذلك.
أنا أنضم الى هذا النداء وأسانده. أعتبره نداء معقولا جاء في وقته وسياقه. وأتفق تماما مع امين الزاوي في أن المثقف، في مواقف التوتر مثل هذه، واجبه ان يبني الجسور لا أن يهدمها.
لدي إضافات الى هذا النداء:

* بناء الجسور يمر أيضا عبر تثمين المبادرات السياسية التي تسعى لمد الجسور، والتمكين لها ثقافيا عبر تأصيلها ودعمها ومساندتها. ليس للمثقف ان يقف محايدا صامتا تماما عن التعليق على الافعال السياسية بالنقد والتحليل والمناهضة اذا كانت تستحق ذلك، وايضا بالمساندة والتطوير والتجويد اذا كانت تستحق ذلك. ليس في هذا أي تلويث لعذرية المثقف.

* لا اتفق مع الحياد الموغل الذي يكتنف نداء أخينا العزيز امين الزاوي بخصوص مواقف النظامين (الواقع انني لم اعد استسيغ ولا ارتاح لاستعمال كلمة نظام لوصف قيادة الدولة، في بلدي. هذا استعمال جاءنا من أوصيائنا الغربيين، هم الذين يستعملونه كلما كانوا بصدد الحديث عن دولنا، بغاية نزع الشرعية عنها، حتى ولو كانت تلك الشرعية لا غبار عليها، ولا يستعملونه إطلاقا في الحديث عن دول بلدانهم).

هناك في الحقيقة فرق واضح في الافعال بين قيادتي البلدين. هناك فرق بين جهة اتخذت المبادرة بتوجيه دعوة للحوار والتواصل والتصالح، وجهة اتخذت خطوات في الاتجاه المعاكس، بالتجاهل والاتهام وقطع العلاقات. نحن لسنا ديبلوماسيين يلتزمون الحياد ليحافظوا على نفس المسافة من الخصمين، وعلى خيوط التواصل معهما معا، فيرددون عبارات خشبية مكرورة.

* نحن مسؤولون عن مشاركتنا في تحليل الاوضاع والمواقف ونقد الافعال والخطابات. أحد أدوار المثقف ان يقول الحقيقة ويحرج من ينبغي إحراجه، وليس البقاء في المنطقة الرمادية.

* ثم بعد ذلك، علينا بالفعل ان نناقش كل القضايا، حتى ولو كانت فيها مناطق مؤلمة. علينا ان نناقشها من أجل الهضم وتضميد الجراح بعد تطهيرها من أوساخ التاريخ والايديولوجيا وادعاءات اللحظات السياسية المحايثة لحدوثها، وليس من أجل المسح او النسيان. ومن أقدر على ذلك من المثقف؟

* المثقف من واجبه ان يزيل الظلال المعتمة ويعيد طرح القضايا بمنطق المثقف المستشرف، وليس بمنطق السياسي المرهون الى تحدياته اللحظية. هنا يكمن الفرق الاساس في نظري، بين فعل المثقف في العمق وفعل الابواق والمسوغين والمبررين للقرارات السياسية مهما كانت مخطئة وأحيانا ظالمة ومعتدية. ولا تناقض بين هذا الانخراط في فعل البناء والتنوير، وبين هدف مد الجسور.

* نمد الجسور بفتح الملفات كلها، وموضوعات العتاب كلها، ونناقش كل التفاصيل، ونكون مستعدين لسماع كل الانتقادات وهضمها وتجاوز عقدها الخلافية. علينا ان نفعل كل ذلك، ولكن بروح رهانها الوحيد هو إخراج هذه الملفات، من منطقة الوجدان والتلاطم العاطفي الى منطقة المساءلة والتأزيم (mise en crise) للتوصل الى ابتكار سبل وآفاق للعيش معا والسير معا والتعاون معا من أجل المستقبل، لا من أجل الماضي.

* بهذه الدينامية، نستطيع ان نبطل حجج الذين يصطادون في المياه العكرة، ونبدد مخاوف بعضنا، ونصحح سردياتنا عن ماضينا القصير بعد الاستقلالين، ونجعلها سرديات مشتركة بعد تنقيحها من الروايات المغرضة ومن تلاعبات الماضي ومناورات الاطراف الخفية التي كانت لها أياد في هذا الماضي، وبعيدا عن منطق التنزيه لهذا الطرف او ذاك. هذا هو ميدان معركة المثقف، وملعبه الأثير.

وأخيرا، أنا مع أمين الزاوي وواسيني الاعرج وكل أصدقائي المثقفين الأحرار (المتحررين من الأجندات اللحظية) المستشرفين للمستقبل، في الجزائر وفي المغرب، وفي كل أقطار المغرب الكبير. من أجل جبهة مغاربية ضد الانعزالية.

علينا أن ندفن الماضي كما قال عبد الكريم غلاب في إحدى رواياته. لكن واجبنا ان نحسن تكفينه قبل دفنه، وذلك بإخراجه أولا من منطقة الأسطورة الى منطقة التاريخ. وهذا عمل دؤوب ينبغي ان نتعاون عليه بطول نفس ومسؤولية.

 

أستاذ التعليم العالي بكلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة ابن زهر

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x