لماذا وإلى أين ؟

مبروكي: الزحام صار حفلا جنسياً بالتراضي

دائما ما كنت أتساءل: لماذا المغاربة يتواجدون بأعداد هائلة في كل الأماكن المزدحمة، والتي تختنق في معظمها من كثرة روادها بدون أن ألاحظ أحدا ينسحب من الزحمة، رغم أنه يشتكي “وا عْلى زْحامْ”؟

بطبيعة الحال، يوجد في الازدحام رجال ونساء وشباب وشابات وشيوخ. كما يوجد بين المشاركين من يرتدي ألبسة عادية ومحترمة ومن يرتدي ألبسة تشير إلى التزامه التقليدي الديني، وكلهم يلعبون دور “الزْحامْ بارْتوزْ”.

والأبدان تحتك فيما بينها، سواء بين الرجال والنساء أو بين الرجال أنفسهم أو النساء مع بعضهن البعض، حيث تلتصق بِضع ثوان أطراف البدنين بتراضي المشاركين، ثم وهم يتمشون يتغير الرفيق العابر بشريك عابر آخر لتبادل قبلات الأطراف البدنية بكل رضاء في هذا الحفل الجنسي بقناعه “آهْ شْحالْ دْيالْ الزّْحامْ”. وهكذا عندما يخرج المشارك من “حفل البارْتوزْ” السوقي هذا، قد يكون قد استمتع جنسيا مع أكثر من 50 إلى 100 شريك عابر في الازدحام.

والدليل على أن هذا الزحام صار حفلا جنسياً، وبالتراضي بين المشاركين، هو غياب الشكايات من التحرش ولا نجد امرأة أو رجلا يصرخ “واكْواكْ أعباد الله هادْ المْراة أو هادْ الرجل كَيتحّْرش بيا”.

وهنا أتساءل: لماذا في بعض الأماكن مثل الإدارات العمومية نشاهد في بعض الأحيان أمام الشبابيك صف للنساء وصف للرجال؟ وأتساءل كذلك: لماذا خلال الأعراس والاحتفالات العائلية تجتمع النساء في مكان مختلف عن مكان الرجال؟

سوف أحلل في هذه الورقة ظاهرة التزاحم الجنسي وأحاول فيما بعد الحديث عن الحمامات والشواطئ والطاكسيات والطوبيسات والمواسم الجاهلية والشبه دينية.

نرى أن أسواق المدن المغربية القديمة، كما نسميها عادة “لْمْدينة”، كل دروبها ضيقة، حيث إن عرضها يتراوح بين 2 و4 أمتار، وتزداد ضيقا بسبب سِلع التُّجار والبضائع المعروضة خارج محلاتهم، وكذلك بسبب “الفرّاشة” الذين لا يتركون في بعض الأحيان سوى ممر لا يزيد عن متر ونصف المتر لمرور العابرين.

نرى المشاركين في السوق من رجال ونساء، تتبادل أطراف أجسادهم قبلات احتكاكية، حيث نرى، مثلا، صدر امرأة يقبل كتف رجل، ومؤخرة أنثى تحتك بظهر يد الذكر وبإصرار. كما تحتك وتتقابل أيضا أياد وأفخاذ مع نفس الأعضاء لدى الجنس المقابل أو المماثل.

بمعنى آخر، لما يقطع الفرد مسافة متر في السوق يكون قد احتك كل طرف من جسمه مع جميع أطراف جسد آخر. وعلينا أن لا ننسى أن هناك من يتجرأ وسط تزاحم المارة في الأسواق ويلمس بيديه عمدا أطراف أي امرأة أو رجل.

وحسب الاحتياجات والميول الجنسية يلجأ المتحرش إلى بعض أزقة السوق التي تتميز بازدحام كبير، حيث كل أبدان المشاركين لاصقة تماما بأبدان أخرى، ومن كل جهة من جهات الأجسام “هارْدْكورْ”.

وفي هذا الممر بالضبط، ومع كثرة ازدحام المشاركين، لا تفوق سرعة المشي سرعة مشي الحلزون، وبرضاء الجميع نرى الأيادي على ظهور المشاركين كرمز للإسراع في المشي، ولكن في الواقع هذه اللمسات تزيد في المتعة الجنسية عند المشاركين بسبب “وا عْلى زْحامْ”.

الغريب في الأمر أن كل سلع المدينة توجد في محلات أخرى بشوارع المدينة الحديثة أو بالأسواق الممتازة حيث يغيب الازدحام الجنسي عنها.

ورغم تجربة الازدحام والتشكي منه، تستمر أسواق “لْمْدِينَة” تستقبل يوميا آلاف المشاركات والمشاركين في ذلك الحفل الجنسي الصامت. بالفعل هناك صمت حنجري فقط، ولكن في الواقع أبدان المشاركات والمشاركين غير صامتة داخليا، بل تغرد بألحان المتعة الجنسية.

كما نجد في حفلات هذه الأسواق ضوضاء كبيرة تلعب دور الأوركسترا الموسيقية، حيث نسمع أغاني بذبذبات ثاقبة للأذن، وهناك “الفرّاشة = النّْكّافات” يصرخون وينادون “10 دراهم يا مْسْكينْ”، و”سْلِيبَّات العْيْلات ربعة بـ 400 دْرْيالْ”، و”مْيا لْفولارْ مْيا مْيا”.

في هذا الجو الموسيقي والفني، ومع ترديد “الفرّاشة/ النّْكّافاتْ”، يدخل المشاركون في “حالة غيبوبة” شبيهة بتأثير التنويم المغناطيسي، حيث تُرفع عند المشاركين عدد من الممنوعات الاجتماعية.

ولا ننسى أن عدداً كبيراً من المشاركات والمشاركين يدخلون هذه الأسواق بدون نية شراء أو اقتناء أشياء هم في حاجة إليها، بل أغلبهم جيوبهم فارغة، وبطبيعة الحال هدفهم الحصول على المتعة الجنسية التحرشية أو البحث عن علاقة عاطفية.

في الواقع، هذا النوع من الأسواق الجنسية يذكرني بِكَرْنَفال رِيو دي جانيرو بالبرازيل، علما أن هذا الكَرْنَفالْ يُقام مرة واحدة في السنة، لكن بالمغرب نشاهده يوميا في معظم المدن.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

6 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Mohamed
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 13:51

فعلا هدا النوع من التفكير يحز في القلب بأن دكورية الرجل العربي لم تتغير ونضرته إلى المرأة أو الرجل على انه مجرد جنس بدون عقل خلقه الله وعلمه كل شيء. وصدق من قال لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.

مصطفى أنيس
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 13:32

الله يشافيك آ سي المبروكي

محمد خالد محمد
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 09:41

تحليل فرويدي جنسي مرضي واما بالنسبة لزحام المغاربة في المدن او اشباه مدن فهو راجع بالاساس الى التهميش والتفقير الذي يطال كل جهات المملكة ومدنها وقراها وهذا ما يدفع إلى الهجرة من تلك المناطق الجامدة والمهمشة الى كبريات المدن حيث عشوائية البنايات والطرق وحيث الغلاء والزحام والصدام والادمان والجنس و الغباء الجماعي وصدق كارل جستاف يونغ حينما قال.. كلما زاد التجمع زاد الغباءtant que le groupe augmente la stupidité aussi

علي
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 08:47

انها حقيقة وسيهاجمونك مع ذلك ولو وأنك لم تتحدث عن الطقوس الدينية.

ولد زعير
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 01:42

تبارك الله على صاحب المقال.فايت مدوزها العفريت تانتاا تتقيل راشگو في عباد الله.المهم يقول المثل سال المجرب لاتسال طبيب.

Belgajji Houssa
المعلق(ة)
26 أكتوبر 2021 00:29

سير عند. عيادة الدكتور العثماني رءيس الحكومة السابق راك عيان شوييا

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

6
0
أضف تعليقكx
()
x