2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
هل يُسقط المقاطعون الحكومة؟

لم تمر إلا ساعات قليلة جدا، عن إعلان شركة “سنطرال دانون” عن تخفيض إنتاجها لمادة الحليب، نظرا للخسائر التي تكبدتها جراء حملة المقاطعة، حتى خرجت الحكومة، ببلاغ تدعو فيه المواطنين، إلى “تقدير دقة الموقف”، وكأن تخفيض هذه الشركة لانتاجها، سيؤدي إلى إنهيار البورصة، أو ركود إقتصادي تشيع بفعله البطالة والمجاعة. أو كأن أطفال المغرب يصرخون لندرة الحليب، الذي يقوم أجسادهم الصغيرة.
بل إن سرعة تفاعل الحكومة وتهويلها لانعكاسات المقاطعة على المعاملات التجارية وما يترتب عن ذلك من قرارات تتخذها “سنطرال”، لم تقدم عليه في أزمة محطة تكرير النفظ الوحيدة بالمغرب، “لاسامير”، والتي لازالت عاجزة عن حلها، ولم تبدي الحكومة نصف الإهتمام، بأشد الأحداث الأليمة التي مر بها المغرب، فالصمت والتجاهل، كان الجواب الوحيد والدائم، مثل حادث مقتل نساء الصويرة بسبب التدافع لأجل لقمة العيش التي لم تضمن لهن بكرامة.
إن المبررات التي إستعرضها البلاغ الحكومي، أو بالأحرى بلاغ هيئة الدفاع عن “سنطرال”، مردود عليها، بتقرير واقع الحال، فالربط بين كون أن “استمرار المقاطعة قد تكون له تأثيرات سلبية على الاستثمار الوطني والأجنبي والاقتصاد الوطني”، وبين تخفيض “سنطرال” لانتاجها، فيه تضخيم ومبالغة قريبة إلى الإستغباء، لأن منطق المنافسة يسود في مثل هذه الحالات، فكم من مستثمر قد تجده يتربص إقتناص فرصة الإستحواد على جزء، ولو بسيط من السوق الذي تستأثر به سنطرال، وبأثمنة قد تكون مناسبة سعيا لكسب ثقة المستهلكين.
أما قول الحكومة، بأن “استمرار المقاطعة من شأنه أن يلحق الضرر الجسيم” بالفلاحون الصغار، وبالقطاع الفلاحي، يتصور معه المرء وكأن الفلاح المغربي، لا معاناة له إلا تسويق حليب أبقاره التي قد تجدها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فهي لا ترى معاناته مع غلاء الأعلاف، أو بعد مسافة المدرسة عن أبنائه، أو إفتقاده لمستوصف صغير تضع زوجته فيه رضيعها بدلا من أن تلده في الخلاء، والأكثر من هذا ألا يجد هؤلاء الفلاحين شركة أخرى غير هذه؟، ثم لماذا لا تعمل الحكومة على تجميع التعاونيات إقليميا، وتدعمها لإنتاج حليبها بنفسها، فتتحرك عجلة الإقتصاد في جل الأقاليم الفلاحية؟، أو تضغط على كل شركات الحليب لتخفيض الأسعار، فكم إمتيازات ضريبية حصلت عليها؟، لكن الحكومة الموقرة، همها طمئنة الشركات، خاصة الفرنسية منها، دون مراعاة مطالب المواطنين والإجابة عنها.
وفي ما يتعلق بوجود “تأثيرات سلبية للمقاطعة على مستوى التشغيل” بـ”سنطرال”، هو مبرر معقول، لكن لو كان هم الحكومة هو العمال، وليس كونهم ذريعة تستخدمها للتغطية عن الدوافع الرئيسية التي جعلتها تطلب وقف المقاطعة دون إتخاذها لإجراءات ملموسة وآنية، تشكل إشارة للاستجابة لمطالب المقاطعين، لأن حقوق العمال مصانة بموجب قانون الشغل الذي يضع ضمانات لحماية الأجراء عند تسريحهم لأسباب إقتصادية أو هيكلية، كما أن تحميل مسؤولية فقدان الشغل، للمقاطعين مدعاة للسخرية، فالأولى أن تضغط على “سنطرال وغيرها لخفض الأسعار، لأن مقاطعة سنطرال ليس إستهدافا لها بعينها، بل تعبير عن رفض تدهور القدرة الشرائية.
كما أن عمال سنطرال الذين ظهر بعضهم في مقاطع فيديو، يستنكرون النتائج المترتبة عن المقاطعة على معاملات الشركة، قد تجد منهم من لا يستطعون شراء المنتوجات التي ينتجونها، بسبب غلائها، وضعف قدرتهم الشرائية. والحديث عن خروجهم للإحتجاج بمعية التعاونيات، مباشرة بعد بلاغ “دقة الموقف”، يدل أن الحكومة، ولربما بتنسيق مع “سنطرال”، تلعب أخر أوراقها، بعد فشل تفاعلها المتناقض مع حملة المقاطعة ، الذي عكسته التصريحات النارية المهددة للمقاطعين، و الإعتذارات عن سبهم وقذفهم بأوصاف يندى لها الجبين، أو بتوجيه دعوات إلى وقف المقاطعة الإقتصادية التي لم يجد المغاربة غيرها من الوسائل لإسماع أنين معاناتهم.
ولعل دعوة عدد من النشطاء البارزين، في شبكات التواصل الإجتماعي، للحكومة للإستقالة، إذا لم يستجب المواطنون لدعوتها لوقف المقاطعة، بإعتبار ذلك حجبا للثقة عنها، هو تعبير جديد عن الغبن والحنق الذي عم بعد بلاغ “دقة الموقف”، وليس إصطيادا في المياه العكرة، أو إستغلالا للنيل من الأحزاب المكونة للحكومة.
وبغض النظر عن دعوات نشطاء منصات التواصل الإجتماعي، على أهميتها وقدرتها على دفع الحكومة إلى إعادة النظر في توجهاتها وسياساتها، فإن الحكومات التي تحترم نفسها، وتقدر مواطنيها، خصوصا الذين أوصلوها إلى تدبير الشأن العام، تقدم إستقالتها إذا لم يستجب الشعب لندائها، فهل تمتلك الحكومة الشجاعة والجرأة لتعترف بفشلها في الإستجابة لمطالب المواطنين بخفض الأسعار، وغيرها من المطالب التي رفعتها الحركات الإحتجاجية في عدد من المناطق. أم أنها ستثشبث بالكراسي الوثيرة والسيارات الفارهة؟.
خليه يرييييييب
من بين احسن المقالات التي قراتها. تحليل دقيق للوضعية الحالية. اتمنى ان تجد اذنا صاغية