لماذا وإلى أين ؟

عودة إلى قانون التعيين في المناصب العليا

حسن كاوز

صحيح أو ربما لن تكون حكومة أخنوش أسوء حالا من حكومتي بن كيران والعثماني في تدبير المرحلة، وفي صناعة الصدمة أو التوافقات، لكن الأكيد أن هذه الحكومة الجديدة تبني الآن جزءا من حلم “مجدها” بأدوات إرث المصباح الذي يغنيها عن أي سؤال. ولعل أهمها هو قانون التعيين في المناصب العليا المشؤوم، الذي هندسه بن كيران، وبناه العثماني، وسكن بين حيطانه أخنوش.

في المدة الأخيرة سمعنا أن أخنوش قد أدخل قانون الريع هذا إلى غرفة العلميات، وأن مولودا جديدا من رحم هذا الإنتاج التشريعي المشوّه سيعرف النور، وبعد ذلك اكتفى الجراح الحكومي وناطقه الرسمي الشاب بايتاس بإخبار الرأي العام أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد استدراك اقتضى إدراج بعض المؤسسات العمومية حديثة النشأة في خانة قائمة التعيين الموكولة لسلطة الملك، وانتهى الأمر.

وفي الأسابيع الأخيرة بدأت بلاغات المجالس الحكومية تمطرنا بوابل من التعيينات الجديدة في المناصب السامية، دون أن تكلّف نفسها جهدا بسيطا في إخبارنا عن كيفية مرور هذه التعيينات، ومن كان وراءها، وهل خضعت فعلا لقانون المنافسة الشريفة، وهل لأعضاء الحكومة دور حاسم في إقرار التعيين، أم أن الأمر كان متروكا للسيد (ة) الوزير(ة) المكلف (ة) بالقطاع، يوصل على هواه إلى “الجنّة” حتى الكفار والمساخيط والموعودين بالدرك الأسفل.

لقد كان عنوان أخنوش قبل دخول مقره الحكومي بالمشور السعيد هو الإصلاح والمعقول، وترنّحت معه رؤوس شريحة عريضة من المواطنين المقهورين، ونخبة من الساسة والمثقفين المتعطّشين، وكوكبة من الفنانين والممثلين الغاضبين، غير أنه بدأ مشواره الرئاسي بنفس بداية بن كيران الذي أشّر في يومه الأول على مرسوم التعيين في المناصب العليا، بمواصفات أقلّ ما يقال عنها أنها غير ديمقراطية، وغير منصفة لأجيال من الكفاءات والمهارات والتجارب. لقد لبس أخنوش ما أخاطه له بن كيران، وترك لوزرائه هو الآخر السلطة المطلقة في إعفاء مرؤوسيهم من رؤساء ومدراء المؤسسات العمومية الموضوعة تحت الوصاية، والمدراء المركزيين وما شابههم، بسبب أو حتى بدون سبب، وفي تعيين بدلاء لهم، بمساطر إدارية شكلية، أقلّ ما يقال عنها هي الأخرى أنها تدخل في خانة الريع الإداري المقيت، دون اللجوء، لا في الحكومتين السابقتين ولا حتى مع بداية الحكومة الحالية، إلى جهة خبرة مشتركة تقيّم وضعية الإعفاء ووضعية التعيين، التي تجنّب البلاد تبعات الظلم، والمحاباة، والإقصاء، وعدم الكفاءة، والخلط بين المردودية المهنية والحسابات السياسية والحزبية.

إن أول إجراء كان على حكومة أخنوش القيام به بعد صياغة وكشف البرنامج الحكومي (2026-2021)، هو وقف نزيف التعيين في المناصب العليا الذي ازداد شراسة ومحسوبية في الأيام الأخيرة لحكومة العثماني، وبلورة صياغة جديدة تعيد الثقة والرضى إلى كافة العاملين بالإدارات العمومية وشبه العمومية وإلى جمهور المرتفقين، بنفس نبرة الإصلاح والمعقول التي صدحت بها الحملات الانتخابية لحزب الحمامة في الصيف الماضي، ومعها اليوم حزبا الميزان والجرار المتحالفين، لأن من شأن ذلك أن يضع أتباع الأحزاب الحاكمة، ونشطاء الحملات الانتخابية الموسمية، وأقرباء ومعارف المرشحين الفائزين، وكذا شريحة المقاطعين، والتكنوقراط، وغير المتعاطفين أو  المنتمين، ومناصري طرف الخبز فقط، في كفة واحدة، على اعتبار أن من قاد الحملة الانتخابية وفاز فيها قد نال ما ناله من مناصب تشريعية وحكومية انتخابية، وأن صوت العقل يلزمه بالتعفّف، واختيار الأنسب للإدارة من ذوي الكفاءة وروح البناء، ولا ضير أن يكون الفريق الجديد هذا من أبناء الحزب أو أبناء الشيطان. دون تصفية لأية حسابات، ودون إلغاء مكاسب محصّلة لفائدة وعود وأحلام جديدة، ودون إقصاء لموارد كانت محسوبة على الجهات المندحرة، اللهم إذا كانت هذه الموارد عبئا على الإدارة، وجاءت في الزمن الخطأ، أو كانت هي الأخرى مستفيدة ظلما من حساب الريع الإداري.

إن قانون التعيين في المناصب العليا في نسخته الحالية لا يمكن له إلا أن يزيد في تفريخ الاختلال للإدارة العمومية التي تصبو إلى أن تكون لها فعالية ونجاعة وحكامة رشيدة، والأصوب ألا تتجاوز سلطة الوزراء المعنيين، بمن فيهم رئيس الحكومة، شرعية الاقتراح والاستماتة في الدفاع عمن تراهم أصلح وأنفع للبلاد والعباد، على أن تناط بهيئة خبرة حكومية مشتركة، لها صلاحيات واسعة، في البث والدراسة ورفع النتائج إلى رئيس الحكومة وإلى المجالس الحكومية التي يجب أن تدار مداولاتها بحسّ ديمقراطي يعطي القدوة لجميع المكونات الحكومية الموازية.

كاتب وباحث مغربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x