2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي وعقدة الجزائر

عميرة أيسر*
يعتبر قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي الذي أقره البرلمان الفرنسي بتاريخ 2 فبراير/شباط 2005م، وصمة عار على جبين فرنسا الاستعمارية، وكذلك رسالة سياسية واضحة للسلطات في الدول التي خضعت للاحتلال الفرنسي مفادها أن باريس لا تخجل أبداً من تاريخها وماضيها الاستعماري الذي يمتد لحوالي قرنين من الزمن، والذي تعتبره فرنسا إرثاً تاريخياً ونقطة مضيئة و ناصعة البياض في تاريخ الإنسانية وحضارتها، حيث إن هذا القانون ينص صراحة على أن تمتدح المقررات الدراسية الدور الإيجابي للإستعمار الفرنسي، كما ذكر موقع Swiss inf.info ، بتاريخ 22ديسمبر/كانون الأول 2005م في مقال بعنوان (قانون فرنسي يصدم النخب الفرنسية في بلدان ومناطق وراء البحار).
هذه البلدان المستعمرة كانت جزءاً من الإمبراطورية الفرنسية التي كانت المنافس الرئيسي للإمبراطورية الإنجليزية في استعباد الشعوب وقتلها وتشريدها و نهب ثرواتها، والتي لا يماثلها في العصر الحديث إلاّ الكيان الصهيوني المجرم، فهذا القانون الذي جاء تحت رقم 158.2005، المتعلق بعرفان الأمة والمساهمة الوطنية لفائدة المرحّلين وأهمل وأغفل عمدا ً الممارسات اللاّ انسانية، وطمس الهوية والدين والتاريخ وجرائم التنكيل، والتعذيب التي ارتكبتها فرنسا عن سبق الاصرار و الترصد في كل الشعوب التي احتلتها، ومنها الشعب الجزائري، كما ذكر موقع TRT عربي بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول 2021م في مقال بعنوان (فرنسا أيديولوجية تمجيد الاستعمار والهروب من الاعتراف بالجرائم).

فالسّياسة الفرنسية، وحتى بعد أن انسحبت فرنسا من مستعمراتها السّابقة بعد أن أصبح بعضها جزءاً من الدولة الفرنسية كغويانا الفرنسية التي تقع على الساحل الشمالي لأمريكا ولها حدود برية مع البرازيل وسورينام، وهي أحد أقاليم فرنسا الواقعة فيما وراء البحار، وعملتها هي اليورو، لم تتغير بل بقيت محافظة على أساسياتها، والتي من بينها عدم قطع صلتها مع مستعمراتها السّابقة، هذا القانون والذي يؤكد في بنوده أن دولاً مثل الجزائر، كانت أحد الأقاليم الفرنسية طوال 130سنة، ويجب استرجاعها مهما طال الزمن، والتدخل في شؤون هذه الدول، ومحاولة تمثيلها في المحافل الدولية، بطريقة غير مباشرة، ومعاملتها وكأنها لا تزال ضمن نطاق النفوذ الفرنسي، وخاصة في مجلس الأمن الدولي، والتصويت دوماً ضدّ كل القرارات التي تحاول فيها الدول التي تمتلك حق الفيتو كروسيا و أمريكا إدانة الجرائم التي يرتكبها حكامها ضدّ شعوبهم، وخاصة في القارة الأفريقية .
والشيء الذي يتفق عليه معظم السّاسة الفرنسيين سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، هو تمجيد الاستعمار الفرنسي ، باعتباره المدخل الذي استعملته فرنسا في تطوير الشعوب البدائية، التي استعمرتها و اخراجها من ربقة الجهل والتخلف والظلامية، الفكرية والمعرفية، إلى نور الحضارة الغربية والتمدن والرقي، بل تتباهي هاته النخب اللائكية بذلك، وعلى رأسها مارين لوبان التي قالت: بأن بلادها احتلت بلداناً أخرى، إلى جانب الجزائر ليس من أجل استعمارها ونهب ثرواتها، بل من أجل نشر الثقافة الفرنسية وأبجدياتها فيها، وقد سبقها في ذلك الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، قبل سنوات عندما قال: بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر شكل إضافة حضارية، وبأن حزبه تبنى قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي، المعروف بقانون فبراير/شباط 2005م. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 20أفريل/نيسان 2017م في مقال بعنوان( لوبان: الاحتلال الفرنسي حقق للجزائر مكاسب كثيرة).
عُـــــقدة الجــــزائر
قد يختلف السّياسيون في فرنسا على برامجهم الانتخابية أو يختلفون في مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والفلسفية والأيديولوجية، ولكنهم متفقون جميعاً، بمن فيهم الرئيس الحالي ماكرون وخصمه في انتخابات الرئاسة في 2017م، فرانسوا فيون الذي كان مرشح الجمهوريين واليمين والوسط في تلك الانتخابات، أو خصمه الحالي إريك زامور، على عدائهم الشديد للجزائر، بكل ثقافتها وحضارتها وتاريخها العريق، ومحاولتهم الدائمة التقليل من جرائمهم الوحشية، التي راح ضحيتها الملايين من العزل الأبرياء طوال قرن ونيف، والايحاء بأن التواجد الفرنسي في هذا البلد لم يكن الهدف منه تدميره أو احتلاله أو استيطانه أو استئصال شعبه، كما فعل الأمريكان والبرتغاليون والاسبان بشعوب الأنكا لاكاتا في قارة أمريكا (الشمالية، الوسطى، والجنوبية)، بل الهدف كان مساعدة الشعب الجزائري على التخلص من الاحتلال العثماني، الذي دام حوالي 5 قرون كاملة، وجعل الاستعمار الفرنسي للجزائر مثالاً حضارياً مشرفاً يحتذى به في القارة السمراء.
لكن، بالرغم من رحيل فرنسا عن هذا البلد منذ أزيد من نصف قرن من الزمن، لا تزال النخب الفرنسية تحلم باستعادة تلك الجنة المفقودة مجدداً، والتي كانت تمول كل أوروبا تقريباً بالحبوب والخضر والفواكه في القرن 19م، وكانت تعتبر من أهم المستعمرات الفرنسية من الناحية الجيوسياسية، فالجيش الفرنسي الذي كان أحد جيوش الحلفاء التي هزمت هتلر في الحرب العالمية الثانية، فشلت في هزيمة ثلة من المجاهدين الجزائريين الذين حاربوه بسلاح كان يعتبر بدائيا إذا ما قورن بالسلاح الفرنسي المتطور، واستعانت فرنسا بحلف الناتو الذي قصفت طائراته المتقدمة معاقلهم في الجبال وأحرقت قرى ومداشر بأكملها وخاصة في جبال جرجرة ومنطقة القبائل، وخرج هذا الجيش الذي لا يقهر يجر أذيال الخيبة والهزيمة المرة، خسر خلالها مئات الآلاف من جنوده، بالإضافة لعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين في صفوفه.
وتأكيداً على أن الجزائر كانت ولا تزال محور الاهتمام الفرنسي، فإن الإعلام الفرنسي يخصص مساحة واسعة في صفحات جرائده أو حصصه التلفزية، للحديث عن أخر المستجدات التي تحدث في الجزائر، و النفوذ الفرنسي في الجزائر لا يزال قوياً و لا تزال فرنسا قبلة كل المرشحين لدخول قصر المرادية، ولا ينكر أحد أن هذا اللوبي يقف دوماً ومنذ سنة 2010م، لإجهاض مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولأربع مرات متتالية، هذا اللوبي المتغلغل في أجهزة الدولة المختلفة، وأحزابها الرئيسية كحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وهي من أبرز الأحزاب التي أسقطت هذا المشروع في المناقشات البرلمانية لأن معظم قادتها مرتبطين بفرنسا، وأبرز مثال على ذلك هو عمار سعيداني الأمين العام السّابق لحزب جبهة التحرير الوطني، والذي بقيم حالياً في باريس، أو خلفه الحالي أبو الفضل بعجي الذي أجهض عدة محاولات قام بها نواب محسوبن على حزبه لتمرير قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في البرلمان.
وقد كانت فرنسا ولا تزال العقبة الرئيسية أمام نهضة الجزائر، وهي التي تقوم كل سنة بتكريم عملائها، الذين فروا معها بعد استقلال الجزائر، والمعروفين لدى عموم الشعب الجزائري بالحركى، والذين تجاوز عددهم 500 ألف، في رسالة ضمنية للعالم أجمع، بأن فرنسا الاستعمارية لن تنسى مطلقاً الخدمات الجليلة التي قدمها هؤلاء، وهم الذين باعوا وطنهم الأم وتخلوا عن كل شيء من أجلها، بالتأكيد لن تتخلى عن الجزائر، وستعمل جاهزة وبكل السبل والوسائل الممكنة لاسترجاعها، فهي لن تنسى هزيمتها المذلة على يد رجالاتها في الماضي، وتعمل على ردّ الصاع صاعين من خلال إعادة احتلالها عسكرياً كما يفكر صناع القرار فيها مستقبلاً.
*كاتب جزائري
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
ماكاين شي صهيوني قد الجزائر التي صنعت ومولت وتسلح البوليزاريو الإرهابيين لعنهم الله سبحانه وتعالى…. حيا الله الجيش المغربي العظيم من مدينة الداخلة جنوب المملكة المغربية العريقة