2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

سعيد الغماز
مرة أخرى النظام الجزائري…ففي الوقت الذي يتفاهم فيه المغرب مع الاسبان حول استعمال أنبوب الغاز في الاتجاه المعاكس، لتزويد المغرب بهذه المادة انطلاقا من اسبانيا بعد أن قام جنيرالات الجارة الشرقية بقطع الغاز عن المغرب، تدخل الجنيرالات للضغط على إسبانيا وثنيها عن القيام بهذه الخطوة.
مرة أخرى الجزائر….ففي الوقت الذي يبحث فيه المغرب عن الوصفة الملائمة لضمان التأهل لكأس العالم قطر 2022، تخرج صحافة جنيرالات الجزائر متهمة المغرب بالعمل على إقصاء الجزائر من منافسات كأس العالم….خرجة إعلامية لم يستطع حتى من فقد عقله فهم هذا الادعاء الجزائري.
مرة أخرى الجزائر… جعلتني أجلس في مقهى، أمام البحر، أرتشف قهوتي الصباحية، في يوم ممطر، أتأمل تفاعل البحر مع ضربات المطر، وأقارن هذه الصورة، المتجلية أمامي، مع ضربات الخرجات الإعلامية للنظام الجزائري، وتفاعلها مع بحر تقتسمه الجزائر مع جارتها المملكة المغربية.
وأنا أتأمل هذه الشاشة التفاعلية،البارزة على بحر نتقاسمه مع الجيران، لم أنتبه حتى وجدتُ تموجات البحر وقد تحولت إلى برنامج تلفزي عرَض أمامي كل ما يقوم به جنيرالات الجزائر ضد بلدي. رأيت في هذا البرنامج مليشيات تستعمل السلاح الجزائري لتهديد وحدة أراضي وطني، وتهديد السلم والأمان في المنطقة….رأيتُ جنيرالات يحكمون جارا شقيقا تحولوا إلى عدو لضرب مصالح بلدي في إفريقيا وأوروبا….عرَض البرنامج تقريرا حول نفقات جنيرالات الجزائر على لوبيات بيع المواقف والتصريحات،لا لشيء سوى لمعاكسة مصالح بلدي ووحدة أراضيه.
أموال تُنفق من مال شعب هو في أشد الحاجة إليه، فقط من أجل تصريح أو مقال يدعو للتفرقة في أرض مغربية، ونفس الأقلام تدعو بسجن من يدعو للتفرقة في الأراضي الإسبانية، وبدون قبض ثمن من أي جهة، لأن أوروبا لا يحكمها الجنيرالات. يا للهول ويا لها من مفارقة..دعوات التفرقة عندنا لها ثمن باهض يدفعه الجنيرالات، ودعوات التفرقة عندهم مآلها السجن ….تطرَّق التقرير كذلك إلى غلق الأجواء الجزائرية على الطيران المغربي وقطع أنبوب الغاز الذي يمر عبر تراب بلدي….بقيتُ أنظر للشاشة التي انتصبَتْ وسط بحر نتقاسمه مع جارتنا الشرقية، حتى أخذتني غفوة لتعرِضَ أمامي برنامجا آخر في قناة أخرى على نفس شاشة البحر، وكأنها غفوة تملك “الريموت كونترول” لتبديل القنوات….
في هذا البرنامج رأيتُ شيئا آخر…رأيتُ قطارا يربط بين المغرب والجزائر، وطريقاسيارا سريعا لأصحاب السيارات ينتقلون للبلد الجار صباحا ويعودون مساءً لمنازلهم….قيادات المغرب والجزائر يجتمعون عبر لجان ثنائية لتنسيق قرارات البلدين في إفريقيا وأوروبا…موقف المغرب هو موقف الجزائر وموقف الجزائر هو موقف المغرب….رأيتُ أوروبا تحاول التقرب من بلد على حساب بلد آخر، فتجتمع اللجان المشتركة بين المغرب والجزائر لتُحبط هذه المخططات معلنة أن البلدين كتلة واحدة….رأيتُ في هذه القناة كيف أصبح الاتحاد الأوروبي يهاب القرارات المشتركة للمغرب والجزائر….
رأيتُ كذلك كيف أصبح يتطور مستوى عيش المغاربة والجزائريين وكيف أصبحت قوارب الموت صفحة من الماضي لا سبيل لرجوعها….ثم عرضَت القناة تقريرا عن المشاريع المشتركة بين المغرب والجزائر في الفلاحة والطاقة، في الاستثمار والصناعة، في العقار والخدمات، في البنوك والمال والأعمال…عرض التقرير نتائج باهرة لثمرة التعاون بين البلدين وتطرَّق لآفاق تطوير هذا التعاون…ثم ختم التقرير بما تقوم بهالدول الأوروبية من مجهود مُضني لدخول السوق المشتركة المغربية الجزائرية. انتهى التقرير وشرعَت القناة في بث أشغال مائدة مستديرة يتوسطها مندوبو المغرب والجزائر بحضور منتدبين عن تونس وليبيا وموريتانيا، وكان موضوع المائدة المستديرة هو سبل توسيع سكة القطار والطرق السيارة لتربط جميع هذه البلدان…
بقيتُ منغمسا في تتبع هذه القناة، منسجما مع ذاتي ووجداني، أتمتع بشعور النشوة والافتخار، أتلدد حلاوة التفاهم والتعاون بين شقيقين جارين، وأعتز بالقوة التي أفرزها هذا التعاون، قوة في أرض الواقع نتجت عنها قوة في وجداني…حتى وقف علي رجل حكيم، وهو يردد شعره الموزون:
غفوتُ بأمان وحولي رفاقي
واستيقظتُ فلم أجد حولي سوى الذئاب
ولا أعلم هل أكلتِ الذئاب رفاقي
أم أن رفاقي تحولوا إلى ذئاب
يقظة الحكيم أيقظتنيمن غفوتي فزِعا، ولمحتُ أمواج البحر وهي تتلقى ضربات المطر…فقلتُ مع نفسي ليتني بقيتُ في غفوة الحالم…فذهب عني وجدان النشوة والافتخار، ليحل مكانه شعور اليأس والإحباط، من جار مفرط في عدوانيته.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.