لماذا وإلى أين ؟

الوظيفة الأخرى لأماكن الوضوء بمساجد مدينة أكادير

سعيد الغماز

بعد أكثر من سنتين على إغلاقها، ستشرع مساجد المملكة المغربية في فتح دور المياه أمام المصلين. والمعروف عن دورات المياه هذه أنها تُفتح فقط خلال الصلوات الخمس وتقدم خدماتها بالمجان. ومنذ أن فتحنا أعيننا على هذه الدنيا وأبصرنا نور خيوط الشمس في يوم من أيام الله ونحن نرى هذه الوظيفة للمرافق الصحية التابعة للمساجد قارة لا تتغير، حتى ترسخَت في وعينا صورة الارتباط المقدس بين الصلاة ودورات المياه. كما أن مجانية دخولها أضحت تكتسي قدسية خاصة لارتباطها بأداء الصلاة رغم ما تطرحه هذه المجانية من نقص في شروط نظافة هذه المرافق وتردي في تجهيزاتها. هذا الواقع يجعلنا نتساءل هل لأماكن الوضوء في المساجد أدوار أخرى وهل بإمكاننا مراجعة مجانيتها؟

سأتحدث عن مساجد مدينة أكادير لطرح مقاربة جديدة للدَّور الذي يجب أن تؤديه دورات المياه التابعة للمساجد. وتخصيص مدينة أكادير دون باقي المدن المغربية، يرتكز على أساسين: فمن جهة أكادير مدينة سياحية بامتياز مع ما تتطلبه هذه الوظيفة من تجهيزات وبنيات بما فيها المرافق الصحية، ومن جهة أخرى تعرف المدينة هيكلة جديدة وأشغال كبرى في إطار برنامج التأهيل الحضري 2020 -2024 الذي تعول عليه الساكنة في رؤية مدينة عصرية بمواصفات حداثية.

المعروف عن المدن السياحية على الصعيد العالمي توفير الشروط التي تضمن راحة السائح في ظل سوق سياحية تشهد منافسة متصاعدة زادت حدتها أزمة كوفيد19. وتتجلى هذه الشروط في توفير الفنادق وأماكن الترفيه وإبراز المعالم التاريخية والثقافية التي تزخر بها المدينة إلى جانب حسن الاستقبال والضيافة. لكن إلى جانب هذا كله، نشهد في المدن السياحية في البلدان الأخرى توفير المرافق الصحية في جميع أنحاء المدينة وخاصة المناطق السياحية وتُشير إليها بعلامات بارزة تدل السائح على أماكنها. فالمعروف عن السائح أنه يستغل يومه كاملا في زيارة المدينة واستكشافها وهو ما يزيد حاجته لدورات المياه. أكادير تشهد تطورا في إعداد المناطق السياحية وتثمين الموروث الثقافي ببناء المتاحف وإبراز تاريخ المدينة خاصة قصبة أكادير أوفلا وغيرها من المستلزمات السياحية، إلا أنها تعاني من افتقار كبير للمرافق الصحية قياسا لباقي المدن المنافسة على الصعيد الدولي.

على هذا الأساس يمكننا اقتراح تحويل أماكن الوضوء التابعة لمساجد المدينة إلى مرافق صحية للعموم مفتوحة طوال اليوم. علما أن أغلب أماكن الوضوء هي منفصلة عن مداخل المساجد وهو عامل محدد في هذه المقاربة. هكذا يمكننا تثمين هذه المرافق وجعلها تحت إشارة سكان المدينة التي يضطر بعضهم لقضاء حاجته في الخلاء عند الضرورة (نشير إلى الأماكن التي تحولت إلى مراحيض وشكلت نقطة سوداء في المدينة)، وكذلك السياح الذين يزورون المدينة. وإذا تمت هذه العملية بشراكة بين نظارة الأوقاف في المدينة والمجلس الجماعي لأكادير، فسيكون تثمين هذه المرافق معقلنا نظرا للعدد الهائل لرجال ونساء الإنعاش الوطني التابعين للبلدية، والذين يمكن لهم الاشتغال في هذه المرافق الصحية للحفاظ على تجهيزاتها وضمان نظافتها.

لكن استعمال هذه المرافق الصحية من قبل السياح القادمين إلى المدينة من ربوع العالم يطرح إشكال نظافة هذه المرافق لكي تكون أفضل مما تقدمه باقي المدن السياحية العالمية أو على الأقل في نفس المستوى. علما أننا أمة الوضوء وأمة النظافة من الإيمان، ومن المفروض أن نعطي النموذج الأفضل في مجال النظافة. ولو تمسكنا بسنن الله في كونه لما كان إشكال النظافة مطروحا في أماكن الوضوء.

لمعالجة معضلة النظافة في أماكن الوضوء يمكن اعتماد مقاربة ولوج هذه الأماكن بالأداء شريطة إعادة تأهيلها وتزويدها بضروريات النظافة من مواد وورق صحي وغيرها… لذلك نعتبر تكليف المجلس الجماعي لمدينة أكادير بهذه الأماكن الخاصة بالوضوء من خلال شراكة مع نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سيساعد على إعادة تأهيل هذه الأماكن وجعلها مرافق صحية للعموم تتمتع بشروط أفضل في النظافة ومجهزة بوسائل وأدوات النظافة. وسيمكن جعل هذه المرافق مؤدى عنها لتوفير المداخيل الضرورية لضمان نظافتها والحفاظ على تجهيزاتها.

من الناحية الدينية، لا أعتقد أن فتح أماكن الوضوء للعموم يطرح إشكالا فقهيا. فعامة الناس الذين سيلجون هذه المرافق ويجدونها تتمتع بنظافة مثالية تفوق باقي الأقوام، فإن الأمر سيعكس صورة الإسلام الذي يهتم بالنظافة وجعلها مقرونة بالأيمان كما جاء في الحديث الوارد في صحيح مسلم “الطُّهور شطر الأيمان”. كما أن السياح الذين سيستعملون دورات المياه التابعة للمساجد سيأخذون صورة حضارية عن الدين الحنيف. ويمكن الشروع بهذا الاقتراح بداية بالمساجد المتواجدة في الأماكن السياحية كمسجد لبنان ومسجد تالبرجت ومسجد سوق الأحد والمسجد الكبير في حي السلام.

في الأخير يكفي أن أشير إلى مثال واحد بهذا الصدد يتعلق بالمرافق الصحية التابعة للمسجد الأزرق بإستنبول. هي مرافق مؤدى عنها حتى للمصلين، لكنها مثالية في النظافة وتجعلك تشعر بأنك تستعمل مرحاض منزلك، بل أكثر من ذلك هي مرافق مجهزة بالمكيفات وهو أمر لم أجده حسب علمي في أي مدينة سياحية في أوروبا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Mohammed fh
المعلق(ة)
30 مارس 2022 12:12

برافووووووووو عليك فكرة رائعة

حسن
المعلق(ة)
30 مارس 2022 11:51

فكرة رائعة إذا أدخلنا عليها بعض التحسينات، مثلا: ان تكون بالمجان قبيل آذان الصلوات الخمس بحوالي نصف ساعة، أوساعة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x