لماذا وإلى أين ؟

هل فعلا وهبي يتدخل في عمل السلطة القضائية؟

مصطفى طه

مشكلة المنتخب السياسي في المغرب، أنه لا يفكر في التاريخ بقدر ما يفكر في تخطي المرحلة التي يعيشها، أما أزمة الحكومة فهي أكبر بكثير، إذ لا تفكر في الفترة بقدرما تفكر في الوقت الذي يحيط بها، وعادي جدا إذا تم استبعاد عامل الأفق، وعامل التاريخ، وعامل الاستراتيجية في تدبير الملفات الكبرى وربما المصيرية، أن تقع المصائب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وخير دليل وزير  العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، هذا الأخير همه الشاغل الخروج من المأزق اللحظي، وفعلا قد يتجاوز “العقل السياسي”، إن صح وكان هناك عقل سياسي من أساسه، هذا الوزير الذي ارتكب أخطاء تاريخية كثيرة، ستولد من خلالها مشاكل سياسية كبرى، قد تؤدي وستؤدي حتما إلى ما لا تحمد عقباه، وحينها تكون الحكومة غير قادرة على تدارك الوضعية، لأن الأمور تكون قد تجاوزتها بكثير.

الوزير وهبي، الذي توعد جمعيات حماية المال العام بمنعها من رفع شكايات ضد المنتخبين السياسيين والشخصيات، بخصوص اختلاس المال العام، بحيث قال المعني بالأمر بالحرف في الأيام القليلة الماضية داخل قبة البرلمان، وبالضبط بالغرفة الثانية، إن :”تعديلا في قانون المسطرة الجنائية، سينص على أن وزير الداخلية هو من صلاحيته وضع شكايات لدى النيابة العامة بشأن اختلاس المال العام وليس الجمعيات، وأشار المتحدث ذاته أن : “هناك من ليست له جمعية ولم يعقد جمعا عاما، ويقول إنه رئيس لجمعية حماية المال العام”.

وأضاف ذات المسؤول الحكومي قائلا بأن : “من له الصلاحية لوضع شكاية هو من كان المال هو مصدره”، مبرزا في نفس الوقت أن :”المجلس الأعلى للحسابات حين يحيل ملفا على الوكيل العام  فإنه يكون في وضعية طبيعية لأن مؤسسة دستورية تخاطب مؤسسة دستورية وليس في حالة جمعية تضع شكاية ضد المنتخبين”، معتبرا بذلك أنه بمجرد وضع شكاية بالاختلاس ضد منتخب فإن هذا الأخير يتأثر وضعه السياسي.

الخرجة البرلمانية التي أدلى بها وهبي بمجلس المستشارين، لاقيت رفضا جماعيا واسعا ومطالب بالتراجع عنها، بحيث أن انتقادات وزير العدل المذكور التي وجهها إلى جمعيات حماية المال العام، يعتبر خرق لفصول الدستور، لأن هذا التصريح يبدو معاكسا تماما لهذا المقتضى الدستوري، وخرق لمقتضيات الفصل 12 من الدستور المغربي، بحيث يلخص كل شيء عن منظمات المجتمع المدني، إذ جاء فيه : “تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير حكومية وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون”.

وصلة بالموضوع، وللأسف  الشديد فوهبي قبل أن يصبح وزيرا للعدل فهو محام، ويجب عليه أن يكون ملما ومطلعا على دستور المملكة، فالوثيقة تمنح الحق للمجتمع المدني في تقديم العرائض، وهي مفهوم لا يرتبط فقط بالرفض بل قانونيا تصل إلى الشكاية، بحيث أن هذه الانتقادات المجانية و غير المسؤولة للجمعيات، من قبل مسؤول حكومي يعد تدخل فادح في عمل السلطة القضائية، وفي حق تقديم الشكايات المكفولة لجميع المواطنين المغاربة.

ومن خلال هذا الكلام، وكما قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام إن : “الحكومة تشجع الريع والفساد، وتسمح لرموز الفساد والمدانين قضائيا وبمقتضى تقارير رسمية بتولي المسؤولية، وتسير الشأن العام وتتولى الدفاع عنهم، وتوفير الحماية لهم بكل الطرق”.

إنها نماذج قليلة من سلسلة زلات اللسان الكثيرة لعبد اللطيف وهبي لا نكاد نحصيها، الذي يفرض توفره على الحنكة والتجربة والحكمة قبل النطق بالكلام المناسب في اللحظة المناسبة، فالمسؤول الحكومي يجب أن يكون مشبع بالمسؤولية، القادر على تقدير الأمور وقراءة آثار تصريحاته قبل اتخاذ القرار، دون مغالاة أو شطط أو انسياق وراء العواطف، بحيث أن هذه الخرجات المتهورة من داخل مؤسسة تشريعية، تثبت إلى أي مدى أصيبت الحكومة بالإفلاس، إذ تتعامل مع قضايا كبيرة وذات أهمية بالغة بمنطق استعلائي، يقترب في بعض الأحيان من النظرة الاستشراقية السطحية، وللأسف فإن الكثير من الوجوه المنتمية للحقل السياسي بالمغرب، قد كرسوا هاته الصور بحثا عن شهرة فقاعية سريعة والعوالم السحرية، لربح موالين ومتعاطفين جدد ومسايرة منطق السوق السياسي، الذي لا يقضي فقط على الحياة السياسية، بل على القيم والمبادئ أيضا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
مريمرين
المعلق(ة)
23 أبريل 2022 19:17

إنها خطة الحكومة في ايجاد “منظومة” من أجل حماية سارقي المال عام . فقد بدأت الحكومة بسحب قانون الاثراء اللامشروع و أتبعته بسحب قانون احتلال الملك العمومي . وهي – الحكومة – الان بصدد إيجاد “قانون” يمنع جمعيات المجتمع المدني من رفع شكايات قضائية ضد سارقي أموال الشعب . لاول مرة في تاريخ المغرب نرى حكومة تدافع عن الفاسدين و اللصوص .

مواطن
المعلق(ة)
23 أبريل 2022 01:34

اتصور ان سبب هذه الخرجة هو وجود عدد كبير من المنتخبين في البام والاحرار متابعين باختصار الوزير خاف على الحزب ديالو.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x