2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د. مراد علمي
انتقد أخيرا جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي، الدول الافريقية في حوار مع “فرانس 24” الناطقة بالفرنسية، بالأخص المغرب والسنغال على إدمانهم على الخطاب الروسي الخاص بالحرب على أوكرانيا، نظرا لامتناعهم وعدد كبير من الدول الافريقية عن التصويت في الجمعية العالمة للأمم المتحدة على إدانة روسيا جراء شنها الحرب على أوكرانيا، في حين أن السيد بوريل لم يأخذ بعين الاعتبار أن عهد التبعية ولى وأن الدول الافريقية لا تمتثل إلى ترجيح الأقوال على حساب الافعال.
حيث شاهدت الشعوب الافريقية كيف كانت الدولة الأوكرانية، ولا جل الدول الأوروبية المجاورة، بالأخص بولندا، تتعامل على مرأى ومسمع من جميع بلدان العالم مع المواطنين الافارقة، معاملة ليست بالإنسانية ولا باللبقة بتاتا، لما خصصت فضاءات معينة للأفارقة وأخرى للأوكرانيين على الحدود بغية إجلائهم نحو دول أوروبية أخرى، كما أعطيت الاسبقية للأوكرانيين فقط، أما المواطنين الافارقة مـُـنعوا أكثر من مرة من عبور الحدود، ولو المعاملة العنصرية من محرمات حقوق الانسان التي تدافع عليها جميع الدول الغربية بشراسة، ولكن على ما يبدو حقوق الإنسان ليست بحقوق كونية، ولكن من نصيب “أصحاب البشرة البيضاء” فقط.
كما نلاحظ أن السفن الروسية المحملة بالقمح والأسمدة لصالح الدول الإفريقية ممنوعة من عبور مضيقي البوسفور والدردنيل نظرا للعقوبات التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا، وهذه الاعمال اللاأخلاقية ستؤدي لا محالة إلى رفع أسعار القمح والأسمدة، الاحتجاجات، الإجهاز على السلم الاجتماعي وتفاقم الأوضاع الغذائية في بعض الدول الإفريقية الفقيرة التي من الممكن أن تسبب صراعات أهلية.
زعم جوزيب بوريل أن مرد امتناع الدول الإفريقية عن إدانة روسيا راجع في الاساس لرد فعل متعلق بمناهضة الاستعمار التي لا زالت تحضا بشعبية كبيرة في دول الجنوب، وكيف للدول الإفريقية أن لا تتذكر معاناتها على يد الاحتلال وتبعاته التي تشكل ليومنا هذا عائقا في لم الشمل والتصفية النهائية لبعض المشاكل العالقة؟ لا زالت المملكة المغربية مثلا تعاني من تداعيات الاستعمار وبتر وحدة التراب الوطني، لا في الشمال، الشرق والجنوب، حيث قسم المستعمر الفرنسي دول شمال إفريقيا حسب آراء قائمة على الهوى والمزاج، بدون مراعاة أي حد أدنى من الأخلاق الحميدة والمنظمة لسلوك الانسان الناضج كالإنصاف، الصدق، الاستقامة، المسئولية التاريخية والتحلي بالموضوعية.
وجهة نظر السيد بوريل تجسد هذه النظرة الدونية والتي تريد في العمق أن تضفي نوعا ما من الشرعية على موقفه وموكليه، يعني هناك تدرج بين الناس: “الأفضلون” و”الأسوؤون”، و”الأفضلون” سيصطفون دوما مع الحق، يعني مع الدول الغربية والإتحاد الأوروبي.
وحسب السيد بوريل لا يجوز للأفارقة أن يكون لهم رأي خاص، كما لا يجوز لهم أن يتجرؤوا على اتخاذ القرارات المناسبة أو الدفاع عن مصالحهم الحيوية، ولا يعترف هكذا بسيادة الدول الافريقية كركن أساسي من أركان تقرير المصير، كما لا يحترم رغبة الشعوب الإفريقية في اختيار تشكيلة الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها، يمكن اعتبار أقوال “السي” بوريل تدخل غير مقبول في شؤون الدول إفريقية، مس سافر بسيادتها وتشويش على موقفها.
لا زالت إفريقيا تشكو ليومنا هذا من هيمنة بعض الدول الاستعمارية على الثروات والموارد الطبيعية في إفريقيا، والعقلية الماضوية، الخلل الحضاري والثقافي دفع بالتأكيد السيد جوزيب بوريل أن يخرج بهذه التصريحات الغريبة والمستفزة التي تضرب عرض الحائط جميع فنون الدبلوماسية الناجحة والحكيمة، لأن الدبلوماسية الذكية هي التي تشكل سدا مانعا للتطورات السلبية، والدبلوماسي المحنك سيختار دوما الكلمات بدقة وعناية، ولا يطلق العنان لرغباته الشخصية أو رغبات موكليه قصد تضييق الخناق على هذه الدولة أو الأخرى، الحكمة، العقل كتذكرة السفر، مغزاها الوحيد هو استعمالها.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.