2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

في ظل أزمة التعليم العالي، اتخذ عبد اللطيف ميراوي، الوزير الوصي على القطاع العديد من القرارات منذ تعيين الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، كما أنه ينهج سياسة نوعا ما مختلفة عن سابقتها، ما يجعله محط انتقادات بين مؤيدين ومعارضين.
ولمناقشة عدد من المواضيع التي تهم المنظومة التعليمية، ولتقييم سياسة الوزير الوصي على القطاع، قامت “آشكاين” بمحاورة الأستاذ محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين.
نص الحوار:
1 – كيف تقيم سياسة الوزير ميراوي في قطاع التعليم العالي ؟
من الصعب تقييم سياسة وزير أو أي فاعل سياسي او مدني أو اقتصادي أو اجتماعي أو حكومة لم يمض على تحمله او تحملها المسؤولية سنة كاملة ، فالتقييم الموضوعي يتطلب الإعتماد على معطيات تنطلق من الكائن، و المنجز، و نتائج ذلك؛ و الحال أن السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و الإبتكار الدكتور عبد اللطيف ميرواي تقلد مسؤولية الوزارة منذ أشهر، و طبيعة القطاع لا تساعد على فرز العناصر الأساس لمباشرة تقييم عمل الوزير ، بحكم القانون المنظم للتعليم العالي 00.01، و الذي يجعل الجامعات، و المؤسسات مستقلة بيداغوجيا، و إداريا، و ماليا حتى، رغم تعقيدات المساطر ، هذا لا يعني أن إصدار أحكام أو آراء على قرارات و مبادرات الوزير غير ممكن، بل يجوز الحكم و إبداء الرأي – و ليس تقييما بمعناه العلمي لما يقدم عليه .
صحيح أن التعليم العالي يعيش أزمة بنيوية اليوم بسبب الإنحرافات المتتالية، و التراكمات السلبية، والتي انطلقت – في نظري – بشكل جلي و مثير نهاية سنة 2012، و استمرت من خلال ممارسات كرستها قرارات، و تصرفات، و تصريحات وزراء القطاع، الشيء الذي انعكس بطرق ميكانيكية على أغلب الرؤساء، و العمداء، و المدراء، فسجل الرأي العام خروقات مفضوحة للقوانين، و المساطر، و الأعراف الجامعية، و بذلك ضاعت استقلالية الجامعات، و المؤسسات، و أصبحت ندوة الرؤساء الإستشارية مقررة، و أغلب المجالس المنتخبة مهمشة، و تم ابتداع وظائف ما أنزل الله بها من سلطان من مثل الوسيط الذي لا موجب لوجوده قانونًا و واقعًا ، فأدوار الرئاسة محددة قانونا في شخص الرئيس، و نوابه، و إن كان أحدهم يحتاج لوسيط فهم العمداء و المدراء الذين يواجهون بشكل يومي المشاكل البيداغوجية، و المالية، و الإجتماعية، و الأمنية في علاقاتهم المباشرة مع الأساتذة، و الإداريين، و الطلاب، و المصالح الخارجية، و هم تحت سلط متعددة سلطة الرئيس، و سلطة الوزير، و سلطات أخرى، و لهم مسؤوليات تدبير، و تسيير قضايا آلاف الطلاب و الأساتذة و الادرايين و غيرهم ، فهناك مؤسسات يبلغ عدد طلابها ما يقارب أو يفوق 30 ألف طالب …
و في الحقيقة فإن التعويضات التي يتلقاها هؤلاء لا ترقى للمهام المنوطة بهم، رغم تفاوتات متعددة بينهم في الكاريزما، و الحضور، و الممارسات ، و هذا أمر يرتبط بطرق اختيار أو تعيين المسؤولين على هاته المؤسسات ، و التي يجب أن يعاد فيها النظر، بل حتى طريقة تعيين الرؤساء أثبتت عدم جديتها، و موضوعيتها، بسبب الخرق السافر لمجموعة من الوزراء السابقين في التدخل في أعمال اللجن، و لنا أمثلة كثيرة على ذلك، و نحن نقارب الثمانين رئيسا ممن تحملوا مسؤولية تدبير الجامعات منذ سنة 2002 إلى اليوم، و سنعود لتفاصيل ذلك بأمثلة واضحة يشهد عليها الرأي العام الجامعي .
و عودة لسؤالك أختم بالقول، إنه لا أحد يتم تقييمه في التعليم العالي، إذ لا وجود لبنيات موضوعية و قانونية يقدم داخلها المدير، و العميد، و الرئيس، و الوزير الحساب فجميع هؤلاء يعينون بالاستحقاق أحيانا أو بدونه أحيانا كثيرة، ثم ينصرفون إلى حال سبيلهم، لا خوف عليهم و لا يحزنون ، صحيح أن هناك في مستوى آخر جهات تخضعهم للتقييم و المحاسبة .
فكيف إذن لي، و أنا أمثل مؤسسة مدنية، أن أصدر تقييما على سياسة وزير ؟؟!!!
طبعا أؤكد أني أقصد التقييم الموضوعي، و العلمي، و الأخلاقي، أما غير ذلك فيمكن إثارة مجموعة من القضايا و مناقشتها و تشريحها .
على أي أمور كثيرة وجب تغييرها في قطاع التعليم العالي. فقد بدأنا ننجر إلى الأسفل، بفعل انعدام المسؤولية عند البعض، و غياب الضمير عند البعض الآخر، و تأجيل المحاسبة لجل المسؤولين، و حضور الذاتي و تغييب الموضوعي عند مجموعة أخرى. و هذا ما جر على الجامعة ويلات أخبار الجنس مقابل النقط، و المال مقابلها، و مقابل التوظيف، و تصفية الحسابات، و المحسوبية، و الزبونية في مجموعة من المواقع الجامعية مع كل أسف.
صحيح آن كل هاته الظواهر قليلة جدا مقارنة مع كفاءات و تضحيات و نبل أخلاق أغلب مكونات التعليم العالي من أساتذة، و إداريين، و مسؤولين و طلاب، لكن الأوضاع الإعتبارية للتعليم العالي تجعل الرأي العام ينتبه للإستثناء و ليس للعام.
2- ما هو تعليقك على توقيفه لنظام الباشلار وعزمه عدم افتتاح كليات متعددة التخصصات من جديد و إقالة رئيسة جامعة و مدراء مركزيين و غيره من القرارات ؟
لقد قررنا في المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين عدم التسرع في إصدار الأحكام و التقييم، ليس فقط في قطاع التعليم العالي، بل حتى قطاعي التربية الوطنية و التكوين، بغية أولاً إعطاء الوقت الكافي لتنفيذ مقتضيات البرنامج الحكومي الذي انبنى أساساً على مخرجات تقرير النموذج التنموي، و لا أخفيك سرًا إذا أخبرتك بأننا بصدد تجميع معطيات عن كل ما يقع في المنظومة، و هذا دورنا الدستوري و سنفصح عن نتائج ذلك لما تكتمل عندنا الصورة. هذا لا يعني أننا نتفق مع كل ما يقوم به وزراء قطاعات المنظومة، أبداً، فهناك قرارات تم التسرع في اتخاذها، و هناك مبادرات أطلقت كان يجب أن يؤخر الإعلان عنها حتى تتم تصفية الأجواء في كل المستويات، إذ لا يمكن منطقا و عقلا تصحيح أوضاع المنظومة على أرض غير صحيحة، و لا يمكن إنجاح إصلاح بأدوات غير ملائمة، حتى لا أصفها بأوصاف أخرى . ..
أما عن تعليقي على توقيف الباشلور ، فأقول إنه قرار في محله و موضوعي، رغم تأخر الإعلان عنه، و قد كان المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين أول تنظيم مدني مجتمعي عبر عن رأيه في الموضوع منذ أكتوبر 2018، تاريخ تنظيم لقاء مراكش، و استمر يعدد سلبيات و إيجابيات هذا المشروع، و يوجه النداء تلو النداء لوزراء القطاع بهدف تأجيل الإعلان عن بدايته، حتى توفر له الظروف المناسبة ماليًا، و موارد بشرية، و تشريعًا، و لم نجد الآذان الصاغية، و اعتبر ذلك اعتداءً على المشروع، و على صاحبه، و جر علينا العداء المجاني في ذاك الوقت، و حلت الجائحة و استفحلت معها أوضاع القطاع، و انعكست نتائجها اقتصاديا، و اجتماعيًا، و نفسيًا على كل مكونات الشعب المغربي، فزادت الأوضاع تأزمًا، و في المقابل استمر ” تعنت ” وزراء القطاع و أعلنوا عن بداية نظام الباشلور في غياب أدنى الشروط، و تم إيهام مجموعة من الأسر، و الطلاب بأنه مشروع يؤدي بصفة ميكانيكية إلى التوظيف، و الحال أن لا أساس قانوني له، و لا إمكانيات مالية خصصت له، و لا موارد بشرية تربويًا و إداريًا، و لا آفاق واضحة للمشروع، كما أن أغلب الأساتذة الباحثين، و الإداريين، و الطلاب لم ينخرطوا في مراحله بدايةً و نهايةً ، حتى فوجئوا بانطلاقه خلال الدخول الجامعي الحالي بتسجيل حوالي 23500 طالب بما يقارب 163 وحدة تكوين من أصل مليون و 250 آلف طالب تقريبا، و ما يناهز 2500 وحدة تكوين.
فإلى أين كان هؤلاء ذاهبين ؟؟!! . لا قانون يحميهم، و لا مستقبل واضح أمامهم، و ينضاف إلى أساس توقيف نظام الباشلور قبل كل هذا الرأي الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي شهر دجنبر الماضي في الموضوع …
إذن و استنادًا لكل هاته المعطيات و أخرى، كان من الضروري أن يتخذ الوزير الوصي على القطاع قرار توقيفه، و هو الأمر الذي قام به رغم أنه تأخر على الأقل 3 أشهر في ذلك .
و أما موضوع الكليات المتعددة التخصصات، و أمر إلغائها من طرف السيد الوزير، فاسمح لي أن أعبر عن رأيي و رأي المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين في الموضوع ، يجب التذكير أولاً بأن المشروع الأول لهاته المؤسسات انحرف عن أصله منذ البدايات، فالفكرة كانت إنشاء مؤسسات تقابل شكلاً و هندسةً ما يسمى الكوليج بأمريكا و كندا ( collège ) ، بمدة تكوين سنتان و ليس ثلاثة، و قد انطلق التفكير في هذا المشروع مع بداية تطبيق القانون 01.00 في عهد حكومة المرحوم عبدالرحمان اليوسفي، و الوزير نجيب وارثي الزروالي على أساس أن تكون هاته المؤسسات نقلةً نوعيةً للطالب من حياة الثانوي إلى حياة التعليم العالي ، و من قريته او مدينته إلى مدينة أكبر، حتى يكون الإنتقال سلسا في حياة الشباب، و لم يكن الأمر أبداً يرتبط بتسليم هاته المؤسسات لا لإجازة و لا لماستر و لا لدكتوراة ، و بانحراف تنفيذ الفكرة الأولى ضاع حق هؤلاء الشباب في حركية الإنتقال من محل سكناهم إلى مدن جامعية كبيرة، و ظل أغلب هؤلاء الشباب يقيمون في نفس المكان، و هذا مناف في عدة مناحي لحياة الشباب، و أما ما صدر عن السيد الوزير في الموضوع، فأعتقد أنه لم يقصد إغلاق الكليات متعددة التخصصات الموجودة الآن، بل إنه يعارض إنشاء كليات مثيلة أخرى، و في هذا نحن نتفق معه، فلا معنى لإنشاء هذا النوع من المؤسسات، و التي بلغت حدها و الأهداف منها منذ سنوات، و قد سبق أن وصفناها بداية نونبر 2009″ بالثانويات الكبرى”، و يمكن أن أعطي مثالًا بواحدة نبهت إلى خطورتها على حياة الطلاب، و الأساتذة، و الإداريين بسبب الأرض التي بنيت عليها، و هي الكلية المتعددة التخصصات بتازة، و قد كنت قدمت تقريرًا للسيد الوزير لحسن الداودي سنة 2013، و تم طي الملف إلى أن بلغني قبل 4 أشهر تأكد الجهات المسؤولة من صحة المعطيات، و خطورة الأمر على مكونات التعليم العالي هناك؛ كما يمكن إعطاء مثال إحداث كليات ببنايات ثانويات، أو مدارس ابتدائية، مع عدم توفر الموارد البشرية تربويًا و إداريًا، و انعدام شروط، و ظروف البحث العلمي، و المختبرات ينضاف إلى ذلك عدم وجود البنيات الأساس لحياة الأساتذة، و الطلاب، و الموظفين بهاته المدن .
فكيف يجوز الإستمرار في قرار فتح مثل هاته المؤسسات بهاته الظروف حتى يقال إن الوزارة و السياسي نجحا في تقريب الجامعة من السكان !؟ . إنه العبث …
فالجامعة لا يجب أن تقترب من الشباب، بل الشباب هو الذي عليه البحث عن الجامعة، حتى يتمكن من تبادل التجارب، و الخبرات، و اكتشاف مناطق أخرى، و التعرف على ثقافات و عادات الجهة التي يختار استكمال دراساته بها وطنيا، أو دوليا، و بذلك يحصل التلاقح و المساهمة في تطوير الذوات الفردية و الجماعية .
لذلك أوجه نداءً إلى الفاعل السياسي و المسؤول الحكومي الكف عن مثل هاته المطالب و الاحداثات في القرى و المدن الصغيرة من مثل ما نتج عن قرارات الحكومة السابقة كلية بآزرو ، و أخرى بالقصر الكبير، و أخرى بتاونات، و أخرى بميدلت و هكذا، و يركزا على ما هو أهم للساكنة في الصحة ، و النقل ، و البنيات الأساس ، و الترفيه ، و الماء ، و الكهرباء، و مؤسسات التربية الوطنية و غيرها ، ويدافعا عن تحسين حياة الطلاب بالمدن الجامعية مع الزيادة في أعداد المنح، و الرفع من قيمتها ، و الزيادة في أعداد أسرة الاحياء الجامعية، و توفير النقل المناسب، و توفير ظروف التكوين و البحث بالجامعات، و شروط حركية الطلاب وطنياً و دوليًا، و التفكير في جيل جديد من المؤسسات مع ضرورة ربط كل إحداث بمقتضى الجهوية ، و الحرص على تميز هاته المؤسسات عن مثيلاتها بالجهات الأخرى على أساس معايير تمكن الطالب من الشرق اختيار تكوين بإحدى مؤسسات الجنوب و العكس صحيح اعتمادا على التميز بين الجهات في حدود 30 في المائة من وحدات التكوين، و بذلك نكون أمام ترشيد للميزانيات ، و للمجهودات، و للمرافعات و حكامة في تدبير قضايا التعليم العالي .
أما أن يجد الطالب نفسه اضطراراً بنفس الفضاء الذي ولد، و ترعرع فيه، و أمام نفس الاشخاص ، و يقطع نفس الطريق، و الدروب، و الأزقة، و أمام نفس التكوين، و نفس الدروس، و أحيانا نفس النصوص، و الفقرات، و الجمل من طنجة إلى الكويرة !!!! ، فهذا أمر يسائلنا جميعا.
و أما عن قراره إقالة أو طلب استقالة مجموعة من المديرين المركزيين، و كذا السيدة رئيسة جامعة الحسن الأول، فاسمح لي أن أقول لك إنه تغيب عني المعطيات، و لا أعرف الأسباب الحقيقية وراء ذلك، أرجو أن يكون الأمر موضوعيا، و ليس تصفية حسابات أو انتقاما، كما ادعى البعض و اطلعت عليه في إحدى الجرائد و المواقع .
فالمسؤول الأول على القطاع له كامل الصلاحية و الحق في اختيار فريق العمل، و هو أمر قام به مجموعة من الوزراء منهم الأستاذ لحسن الداودي أشهرًا بعد تعيينه وزيرا على القطاع ، إذ ابتدأ بإقالة ( او استقالة ) مجموعة من المدراء و الرؤساء نذكر منهم السيد مدير الميزانية، و السيد مدير الشؤون القانونية، و السيد الكاتب العام للوزارة، و امتد الأمر إلى السيد رئيس جامعة الدار البيضاء، و رئيس جامعة محمد الأول، و رئيس جامعة القنيطرة، بل امتدت قراراته في خرق سافر للقانون لبعض العمداء، و رؤساء الأقسام، و منذ ذاك الوقت ابتدأت تهتز منظومة التعليم العالي، و استمر ذلك حتى صرنا اليوم أمام مؤسسات – رغم قلتها – تحتاج الى عمليات قيصرية لإعادتها الى الطريق الصحيح .
و بعد تحمل الأستاذ سعيد امزازي لمسؤولية تدبير القطاع اختار فريق عمله من مدراء، و كاتب عام، و رؤساء جامعات، و عمداء، و مدراء مركزيين بالمنطق الذي ارتضاه بعد سلكه طبعًا لنفس المنطق و الممارسات و أكثر في اطار شد الحبل بينه و بين أطراف حكومية … اختم بالقول إنه ليس العيب في ان يختار القائد فريقه، لكن العيب في أن يقوم الإختيار على الولاءات، و التنفيذ الأعمى لقرارات الوزير، و منطق غير الكفاءة، و التجربة، و القدرة على التدبير و التسيير…
و هو ما عشناه مع كل أسف في مجموعة من المواقع ؛ لذلك إن كانت قرارات السيد الوزير عبد اللطيف ميراوي موضوعية، و بعيدة عن الولاءات الحزبية، و الزبونية و المحسوبية، و قائمة على التطبيق الجيد لمقتضيات القانون المنظم للتعليم العالي الحالي أو المرتقب من استقلالية الجامعات، و المؤسسات، و المجالس، و إلغاء كل ما لا ينص عليه القانون من مثل وظائف الوسيط، و الحرص على استشارية ندوة الرؤساء، و العمداء، و المدراء، و إيلاء عناية خاصة بالبحث العلمي، و توفير ظروفه للأساتذة، و الطلاب، و الباحثين، و الشؤون الإجتماعية لمكونات التعليم العالي، و حركيتهم وطنيا و دوليا، و العمل على تحسين أوضاعهم ماديًا …
أقول إن كانت قراراته تندرج، و تنخرط في هذا المنظور أعلم أني داعم له، و لمشروعه، و منخرط باسمي، و اسم المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين في برنامجه؛ فقد أضعنا سنوات في جعل التعليم العالي و البحث العلمي قاطرة حقيقية للتنمية بكل أنواعها، و مستوياتها حتى صرنا نسمع عن ضياع الأمل هنا و هناك .
و نحن تربينا على العيش بالأمل و أن نخلق الأمل حتى لو كنا محبطين كما قال المرحوم محمود درويش .
3- كيف ترى تدبير الحكومة لأزمة الطلبة المغاربة الفارين من أوكرانيا؟
أعتقد أن التدبير الحكومي لهذا الملف يتسم بالإرتباك، و التسرع في اصداره البلاغات و التصريحات، و هو ما جعل الأسر ترتبك كذلك، و تطالب بالتنفيذ العاجل لإدماج الطلاب في كليات تخصصاتهم، و الحال أن الإدماج لا يمكن أن يكون ميكانيكيًا أو أوتوماتيكيًا قبل استنفاذ الإجراءات الإدارية الضرورية .
و لا بأس من التذكير في هذا المقام بما حصل لطلابنا المغاربة حين اندلعت الحرب الأهلية في الجزائر بين النظام الجزائري و الجبهة الإسلامية للإنقاذ عقب إلغاء نتائج انتخابات 1991، و لم تعد الحياة هناك ممكنة، إذ عادوا إلى المغرب، و تمت معالجة ملفاتهم – بسلاسة و دون تضارب في الآراء، و المواقف و دون تسويف – حسب كل سنة، و تخصص، و تم نقص سنة أو سنتين من حياتهم الجامعية، و درسوا، و تخرجوا، و منهم من تحمل مسؤوليات كبرى.
عود على بدء لأقول إن المسؤولية تقتضي ألا نبيع الوهم للأسر، و أن نخاطبهم بالصراحة المطلوبة، و نكثر من العمل لا من الوعود من أجل إيجاد حلول مناسبة للملف، فالحرب لن تنتهي في نظري بعد أيام أو أشهر ، بل قد تطول و تمتد لسنة او أكثر، و إدماج الطلاب يكون بمساطر، و هو ضروري و واجب وطني لأن هؤلاء الطلاب لا ذنب لهم في ما حدث، و هم من ضحايا الحرب، و هو واقع يشكل استثناءً و الإستثناء يقتضي المعالجات الإستثنائية طبعاً، لكن هل يعني ذلك إفراغ هؤلاء الطلاب بصفة ميكانيكية، و في السنوات التي كانوا يدرسون بها . لا أعتقد. فالمطلوب أولاً في نظري، و هذا ما كان على الحكومة أن تقوم به باستعجال، هو توفير الظروف لهؤلاء الطلاب بكليات الآداب و اللغات من أجل تلقي دروس اللغة الفرنسية، التي بها يتم التدريس بكليات الطب و الصيدلة، و طب الأسنان، و كذا بالتخصصات الأخرى ، فهم تلقوا تكوينهم هناك إما باللغة الروسية، أو اللغة الأوكرانية، و أما الأمر الثاني، و هو أمر إداري طبعاً، فطلب ملفات كل من قرر صراحةً العدول عن متابعة دراسته بالخارج، و تقديم اقتراح أكاديمي صادر عن لجنة خاصة بالموضوع تبين اجراءات التفريغ و مستوياته .الشيء الذي لم نطلع عليه مع كل أسف .
و بالمناسبة فقد تقدم المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين بورقة حول اقتراحاته و تصوره لإدماج هؤلاء الطلاب في التعليم العالي المغربي، خصوصا طلاب السنوات الأخيرة من تخصص الطب و الصيدلة و طب الأسنان، علما ان مجموعة كبيرة منهم لن يلتحقوا بل سيفضلون استكمال دراساتهم و تكوينهم بأوروبا ، و لنا مثال طلاب هاته الكليات بالمغرب، و الذين يسابقون الزمن لتعلم اللغة الألمانية مثلا منذ السنة الثانية أو الثالثة استعدادًا للإلتحاق بألمانيا.و هذا موضوع آخر . فلنعتبر .
أما ترك الأسر تنتظر تصريح يوم الخميس، فأمر مقلق للجميع، و يدفع للإحتجاج، و يسبب عدم الطمأنينة على مصير هؤلاء الشباب .
أرجو ان يبادر السيد الوزير إلى اتخاذ قرارات واضحة و عملية .
فالسنة الجامعية هاته انتهت و الإعداد للأخرى ابتدأ .