2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

سبق للدولة المغربية أن أعلنت عزْمها على “ترشيد” نفقاتها و ضبط موازنتها العامة منْعاً للتبذير المُسْتَنْزِف لمواردها الضّـحلة، و في سياق تنزيل هذا الهدف “المُختـار” بعناية، فإن الدولة، كما يبدو، شرعت في التخطط لإلغاء قاعـدة مجانية التعليم و إحداث رسوم مالية يؤديها الراغب في ولوج المدارس و الثانويات الإعدادية و التأهيلية أو من ينوب عنه. أو بمعنى أكثر وضوحا: ضمان مساواة “فِعْلية” بين التعليمين العمومي و الخصوصي، فلا يُعقل، بحسب منْطق الدولة الحاكـمة الداعي للمساواة و تكافؤ الفرص، أن يؤدي بعض الناس أتعابا باهضة مقابل الحصول على التعليم في مدارس “تُجّار التربية و التعليم”، و في الوقت عينه، يستفيد فِتْـيةٌ آخرون من تعليم “راقٍ” في مدارس حُـكومية دون أداء درهـم واحد.
تحْضُرُني الآن شعاراتٌ كان يرفعُها طلابُ الجامعات و تلاميذُ الثانويات، في فترة سنوات الرصاص و ما تلاها، شعارات كانت تصف التعليم المغربي بِنَعْتِ الطّبقية و تسْتنكر تلك المشاريع الرامية إلى إدماج أبناء الشعب في متاهات “الزنـــــاقي”.
في تلك الفترة، التي تميزت بوتيرة نِضاليةٍ عالية، لم تَجْرُؤ الدولة، رغم برامج “التقويم الهيكلي” على المَسّ بـ”قاعدة المجانية”، و الحالة أن التعليم آنذاك كان يعيش أحْلى أيــامه مقارنة مع ما سيؤول إليه في المستقبل.
الآن، بعد أن أُنْفِقتْ أموالٌ لا تُحْصى من إيرادات الخزينة العامة، بعضها في ما يعرف بنفقات “التسيير”، و أُخْرى في تغْطية تكاليف برامجَ سُمِّيـَتْ “استعجاليه”، و بعد أن اتّخذَ التّعليمُ المغربي لنفسه مَقْعداً في الحضيضِ الأسْفل، وصارت جامعاته تحتل الدرك الأسفل في لائحة الجامعات و تخصصت في إصدار شهادات فارغة لا تحيل على إنجاز أكاديمي يستحق التنويه، انتبه الحاكمون إلى ضرورة مُساهمة أولياء “مرتفقي” المدْرسة العمومية في “تنويع موارد التعليم المالية” حتى يتسنى للدولة تعميمه !.
في الواقع، قد يُجْهِدُ الواحد منّا ذهنه و يرهقه قبل أن يجد تفْسيراً مقبولا لعزم الدولة الإتجاه نحو إلغاء “المجانية التعليمية”، لكننا حتماً، لن نعثر على تبرير معقول لإلْغاء المبْدأ الدستوري الجديد، الرابط للمسؤولية بالمحاسبة، فكيف يُعقل أن تُنفق المليارات من أموال دافعي الضرائب في برامج “سريالية” و مُخططات خاوية لم يُنزل بها الله لا سلطانا و لا بيانا، بحجــة إنجاز إصلاحٍ موعودٍ للتعليم، و يؤدي ذلك إلى كله إلى نتائج كارثية، بالمفهوم الجنائي للكلمة، ثم لا يُسْأل و لا يُساءل أحد، لا أمام محاكم المملكة و لا أمام مجالس النواب المنتخبين.
لقد أودت سياسات لاشعبية، لا ديموقراطية و لا وطنية بحياة التعليم العمومي المغربي، و انتهى به المطاف ليُصْبح مسْخرة حقيقية بين الأمم، و في النهاية، تُعلن الدولة ، بعد تفكير “عميق”، نيتَها في اسْتيفاء “أتعابها المُستحقّة” من “المُستهلكين”، حتى توفِّر للمُرْتفقين خِدمة التعليم العمومي !.
الواقع أن الإصلاح المطلوب يبدأ من اليوم الذي يُعرض فيه المسؤولون عن حالة التعليم المزرية أمام المُحاسبة، محاسبةَ سياسية أمام المجالس المدنية المنتخبة ديموقراطيا، و مُحاسبةً جنائية بتهمة إهدار أموال عامة دون مُسوّغٍ شرْعي، و ردعهم بعقوبات سالبة لثرواتهم المتراكمة دون مبرر معقول، و سالبة أيضا لحريتهم، المبالغ فيها، في تبذير وسرقة أموال الشعب، لاسيما مع التأكيدات المتتالية حول النية المقررة لدى الحكومة المغربية بشأن تنفيذ زيادة حقيقية في أسعار الكتب المدرسية ابتداء من الموسم الدراسي المقبل، أما ما دون ذلك، فلا يعْدو أن يكون الأمر مجرد تأكيدٍ إضافي لمضمون الشعارات التي كانت ترفعها النقابة الطلابية التاريخية “الإتحاد الوطني طلبة المغرب”.
التعليم حق وليس امتياز والدولة تتحمل مسؤولية توفيره لكل من وصل سن التمدرس.