لماذا وإلى أين ؟

الخِبرة الجاهزة: عندما تحتاج الاجوبة إلى الأسئلة المناسبة!!

الطيب آيت أباه

يوما بعد يوم تزداد الأزمة تفاقما، وتتوالى الصعوبات في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية في العالم، وما نجم عنها من تأثيرات وأضرار، تنذر باستمرار الإختناق، وإشتداد الحبل الملتف حول القدرة الشرائية للمواطنين في بلدان الإستهلاك، حيث تقل أو تنعدم مراسيم التخفيف من وطأة أعباء المصاريف المضنية، التي قسمت ظهر البعير من هول الأسعار الصادمة!

لا شك أن العجز قد شلّ الحركة الإقتصادية، وكبّل الأيادي بين الرجاء والضعف! وحصَر العقول بين المداخيل والخيبات! وهَدّ الأبدان المنهكة في مواجهة الخصاص الرهيب على مستوى الإنفاق الطبيعي للأسر والأفراد. ولهذا فقد أضحى اليوم التخفيف من حدة هذا العجز مسألة ملحة، تتربع على رأس قائمة التحديات، التي وجب سلكها في مجابهة المخاطر المتربصة بالطبقات الإجتماعية المغلوبة على أمرها، مع اتخاد الإجراءات الكفيلة للحد أولا من النزيف الذي جفف الجيوب، على قلة ما فيها من موارد الحياة البسيطة!

جاء في تعريف إدارة الأزمات أنها فن من الفنون الصعبة، إذ كلما حدث طارئ خارج الحسبان دون توقعات مسبقة، إلا وعظُم الرهان وكبُر حول السبيل إلى مواجهة هذا الطارئ، الذي لم يكن مخططا له، حتى أمكن الجزم بأنه لا يستقيم اختبار أي إدارة اختبارا جيدا إلا في مواقف الأزمات، وأكبر تحدي يواجه كل فريق عمل، ويبرز كفاءاته ومؤهلاته في جودة القيادة، لَهُوّ المحافظة على العنصر البشري ضد المخاطر المختلفة، والعمل على تجنب المخاطر المحتملة أو تخفيف أثرها على الموارد البشرية الدائرة في فلك هذا الفريق أو ذاك، حتى إذا تعذر تجنبها بالكامل، كان للتخفيف منها أثرُ “أقل الضررين”، وهذا ما نحسب أن الحكومة وإداراتها تسعى إلى تحقيقه في ظل أزمة الغلاء الحارقة. ولكن هل تسعى إلى ذلك بمنطق علمي يعالج الأرقام؟ أم بمنطق حسابي يرتب الأرقام؟

يميل جزء من أهل الإختصاص أيضا إلى تصنيف إدارة الأزمات ضمن العلوم الحديثة، وبالتالي فبسلك هذا النهج العلمي وفنونه، يمكن إدارة التوازنات بشكل أكثر واقعية، كما يمكن التكيف مع المتغيرات المختلفة، وبحث آثارها في كافة المجالات، مع إخضاعها لأكبر قدر ممكن من التدقيقات الإستباقية والتوقعات المحتملة، تحت مجهر التنبؤ الوقائي، وذلك لتفادي حدوثها مبكراً، وتجنب وقوعها كما قد يكون متوقعا. هذا لأن تركها حتى تحدث، ثم الانغماس في الدراسات لإيجاد الحلول، إنما هو هدر للزمن الذي هو أصل كل الأزمات، في زمن أنفس ما فيه هو الزمن بحَد عقاربه!

وحتى نعطي لكل ذي حق حقه من باب احترام وتقدير المقامات، أولا بأول، بدَأنا بأهل الإختصاص إعتبارا لمكانتهم الأكاديمية على هرم العلم والمعرفة. وإذ ننزل قليلا إلى ساحة الميدان حيث أهل الحرف والمهن، فإنما لاختصار الزمن بين التجارب الجاهزة في الأسفل والتقديرات المحتملة في الأعلى! وكل خبرة تُغني عن السؤال، إنما هي جوابٌ، قد لا يعفي من طرح السؤال فحسب. بل هي الجواب الذي يحتاج إلى صناعة السؤال!

إذن إليكم هذا الجواب من الأسفل، الذي لم أجد له لحد الساعة السؤال المناسب في الأعلى! والجواب عبارة عن قصة، أخترتُ أن أحكيها باللسان الدارجي، لعلني أختصر في تصوير مشاهدها بحجم بساطتها، وتحكي القصة أنّه: “واحد العام توفَّى واحد جارنا الله يرحمو.. وكان السكر القالب ذ الخنشة مفقود من السوق في ذيك الأيام.. وهاذ السيد اللي توفّى الله يرحمو، كانت عندو علاقات عديدة ومتفرعة، وارتباطات وطيدة ومتشابكة مع المحيط ذيالو الواسع جدا.. يعني العزو غادي يكون فيه البشر كثير، ومن جميع المستويات الاجتماعية.. ولذلك جا عندي ولدو يشكو من مشكل نفاذ السكر ذ الخنشة من السوق! وأنّ المعزين تايعياوْ يدورو من هري لهري ومن حانوت لحانوت، وما تيجبروش خنشة ذ السكر لتقديم العزاء!

كانو باقين عندي شي قوالب مزيانين ونْظافْ، أكثرهم مقسوم على جوج أو ثلاثة! ولهذا اقتارحت عليه نعمّرو حنشة خاوية بالتبن، ونستفو فيها 32 قالب واخا مهرسين! ونخييطوها، ونجمعوها بقنبة، حتى ترجع تماما بحال خنشة ذيال السكر على ضمانتي! وطبعا باتفاق وتوافق بيننا، وفي كل خطرة يشري من عندي شي مُعزّي هاذ الخنشة، غادي نرسل معاه الخدام بالشاريو..

وبحكم أنني عارف دار العزو، وحافظ تفاصيلها، طلبت من ولد المرحوم يلتازم بمهمة استقبال الضيوف المعزين في باب دارهوم، وحيث يوقف عليه الخدام بالشاريو مع الضيف لتقديم العزاء، يأمر الخدام باش يدخل يحط الخنشة تحت الدروج، وفي نفس الوقت يطلب من الضيف يتفضل يطلع مع الدروج للطابق الأول مكان الضيافة..

في هاذ اللحظة اللي غادي يطلع فيها الضيف مع الدروج، الخدام غادي يبقَى واقف تحت الدروج، بلا ما ينزل الخنشة ذ السكر من الشاريو.. في انتظار إشارة من ولد المرحوم، باش يعطيه الإذن يعمل دومي تور، ويرجع بالخنشة للديبو..

هكذا كلما جا عندي شي ضيف باغي خنشة ذ السكر، تانطلب منو يتسنّى شوية، حتى يرجع الخدام من الديبو فاين حط الشاريو، باش نعاود نرسلو يجيب الشاريو فيه ذيك الخنسة ذ السكر نفسها من الديبو، ونعاودو السيناريو من أول وجديد مع كل ضيف جديد حسب هاذ الخطة المُحكمة..

تايبقى مطلوب من ولد الميت فقط يسجل عندو، أنه باع لييا هاذ الخنشة، في كل مرة يردها الخدام للديبو.. وطبعا أنا أيضا تانسجل عندي عدد الخطرات اللي غادي يرد لييا فيها ولد المرحوم ذيك الخنشة.. إلى أن تنتهي العملية، ونتحاسبو أنا وياه حسب الإتفاق المبرم، حيث هاذ الخنشة غادين ندووزو بها أيام العزو كاملة.. وحتى الخدام غادي تخرج ليه لافير شاخظة.. لأنه غير غادي راجع بذيك الشاريو بين الدار والديبو، وفي كل ڤواياج تاتشيط ليه ما بين 5 حتى ل10 دراهم بقشيش..
المهم أن جميع الأطراف قضات الغراض بذيك الخنشة الوحيدة ذيال السكر.. أنا غطيت بها الطلبات ذيال الزوار كاملين، والزوار كاملين دخلو بيديهوم عامرين بواسطة ذيك الخنشة لدار العزو، وأهل الميت استافدو من قيمة العدد الإجمالي ذيال هاذ العملية المتكررة، والخدام دّا رزقو بلا ما يبْذْلْ مجهود بدني كبير في عملية دفع الشاريو ذهابا وإيابا بين الديبو ودار العزو!”

ختاما ألم يقل ابن القيم أن الحكمة هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي؟ فهل نحن كما ينبغي أن نكون عليه اليوم؟

 عضو سابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
مواطن
المعلق(ة)
8 يونيو 2022 08:46

خسرتيها فالاخر نتا ما كتعرف غير ابن القيم، هذه ليست حكمة هذا نصب حقيقي.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x