2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

بعد الاستقلال، كان المغرب لا يتوفر إلا على حزب سياسي واحد هو حزب علال الفاسي الذي اختار لنفسه”الاستقلال” اسما من الأسماء، سنوات قليلة بعد ذلك انشطر الحزب و خرج من ضلعه الأيسر تنظيم سياسي جديد اختار لنفسه اسم “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.
لقد كان طبيعيا و مقبولا آنذاك أن ينسلخ تيار سياسي ذو توجهات يسارية عن حزبه “الأم” و يؤسس لنفسه حزبا باسم جديد يعبر عن هذه التوجهات، لكن ما لم يكن عاديا بعد ذلك هو التناسل المتسارع للأحزاب المغربية إلى درجة انعدمت فيها إمكانية التمييز بين كل هذه المنظمات السياسية، على الأقل من حيث المرجعية الفكرية التي اختارها كل واحد منها، أي أن المرء لن يقدر أبدا على تقديم جواب مقنع حول سؤال من و ماذا تمثل هذه “الكائنات السياسية”؟
لقد أُعتُبرَ انشطار حزب الاستقلال و تشكيل حزب الإتحاد الوطني إجابة موضوعية حول واقع الصراع الدائر بين “الرجعية” التي مثلها حزب علال و بين “التقدمية” التي مثلها عبد الله ابراهيم، بل إن عملية الإنشطار الحزبي ذاتها، نُظر إليها كحل جنَّبَ المغرب الوقوع في شراك نظام الحزب الوحيد الذي آمن به حزب “علال”.
لكن الواقع المليء بتضارب المصالح و المعتقدات البهلوانية و بطقوس موسومة بطابع العقيدة و الغنيمة و القبيلة، جعل البلد، ذا الثلاثين مليون نسمة، أول بلد في العالم من حيث عدد الأحزاب المعلنة، دون “السرية” منها، إذ في مقابل هذا التضخم الصارخ في عددها، لا تتوفر جمهورية مثل الصين الشعبية التي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة ، إلا على حزب وحيد و يتيم الأبوين، رغم ثروتها البشرية الهائلة و المؤهلة.
لقد كانت الانتخابات، و لازالت، في دول العالم المتحضر مناسبة للتعبير عن طبيعة المبارزات السياسية و محطة لمناقشة المواضيع الشائكة و تقديم إجابات نظرية ملائمة تؤمن بها القيادات الحزبية المتنوعة، إلا أن الوضع مختلف حينما يتعلق الأمر بالحديث عن الإنتخابات المغربية، فالأمر يسير بسلاسة ربما انعدم نظير لها في العالم، أي أن عمليات “التعبئة” تتم تحت “الدف” و أمام أنظار الجميع، فالكل متفق على منهجية انتخابية موحدة تعتمد آلية قضاء مآرب الأفراد و العائلات كآداةً فعالة لضمان ولائهم الإنتخابي، بمعنى أن الناخب المغربي لا يتجشم عناء الإنتقال إلى مكاتب الاقتراع من أجل سواد عيون البرنامج الانتخابي، بل فقط لأنه قبض أو عقد النية على قبض أتعاب “مشاركته”، ولا يهم بعد ذلك اللون السياسي للمرشح، أهو من فصيلة اليمين أم من جنس اليسار أو الوسط، أو من أي جنس سياسي لا يعلم له أصل أو فصل، فالأمر بالنسبة لــ “الناخب الوطني” سيان و لا فرق بين حزب علال الفاسي و حزب “علال القادوس”.
نتيجة لهذا الفكر السياسي العملي إلى حد كبير، فقد تربى المجتمع المحلي على ثقافة الريع، تلك الثقافة التي يؤطرها شعار “منعاً و هات”، وبدل أن يؤدي تعدد الأحزاب إلى إغناء المشهد السياسي بأفكار جديدة، فإنه أدى،كما يبدو، إلى “إثراء” الأرصدة المالية للزعماء السياسيين.
لقد ظل الشعب مصرّاً على توجهه المطالب حتى عمَّ وباء المطالب واجتاح الجميع، فأصبح الكل طالبا للدعم مُلِحًّا على تحقيقه، بداية من الفرد و انتهاء بالجماعة، مرورا بالمقاولة و الجمعية، مدنية كانت أو غير ذلك.
لكن، ولحسن حظه، فالمغرب يقطنه شعب عارف بأحابيل السياسة بالفطرة السليمة و مدركٌ لأكاذيب أهلها الناقضين العهود، فالشعب يتبنى، كما هو واضح، نظرية “الدَّفع المقدم” كأسلوب فعّال وعملي للغاية في القضايا المرتبطة بالتعامل مع كائنات سياسية تنتمي لفصيلة الأحزاب المغربية بمختلف تلاوينها، إنه ببساطة “شعب سياسي”.