لماذا وإلى أين ؟

تحية لرجال الشرطة بالمغرب

محمد العطلاتي

في السادس عشر من ماي سنة 1956، خلال فترة حكم الملك الراحل محمد الخامس، أعلن المغرب عن تأسيس أول جهاز للأمن حيث أنيطت بهمهام إرساء الأمن و إنفاذ القانون و حماية أمن الدولة و المواطنين و ممتلكاتهم، فضلا عن وظائف أخرى متنوعة تتعلق بتأمين مختلف مناحي الحياة اليومية للمواطنين كاستقبال الشكاوى و توفير الخدمات الشرطية في جانبها الإداري.

لقد تكونت لدى عموم المواطنين، لا سيما خلال الفترات التي وصفت لاحقا بكونها “سنوات الرصاص”، نظـرة يشوبها الحذر الشديد و الهلع المستتر عند كل حضور لعناصر هذا الجهاز الأمني بموقع من المواقع أو بحي من الأحياء، إذ أن ذلك كان يُعدُّ بالنسبة لهم ّبمثابة “نذير شؤم”، فقد كان حضور الشرطة مؤشرا على عواقب عادة ما تكون غير مفرحة، بل جالبة للمتاعب و المصاعب، فـ “البوليس”، بتسمية عامة الناس، كان في ذلك الزمن أداة مرعبة تجعل الجميع يفكر عشرات المرات قبل الإنخراط في أي فعلٍ قد يكون سببا في حلول الشرطة بالمسرح .

و لا يقف الأمر عند هذا الحد فقط بالنسبة للفرد، بل يتعداه إلى درجة تجنب ولوج مقرات الشرطة و الأمن الوطني، أو ما يعرف لدى الجمهور بــ”الكوميساريات”، حتى لو كان ذلك بداعي الحصول على وثيقة من الوثائق، إلا للضرورة التي لا محيد عنها.

لقد كانت الشرطة في تلك الفترات التاريخية الحالكة جهازا يضرب له ألف حساب بسبب الصورة النمطية التي تكونت في وعي العامة و هي صورة كانت تقدم هذا الجهاز باعتباره كواحد من “عفاريت الجن” التي لا سلطان للآدمي على اتقاء شرورها، و الحقيقة أن تلك الصورة كان لها من الأسباب ما يُبَــرِّرُها، فقد كانت بعض مخافر الشرطة في مناسبات و تواريخ سابقةأمكنةً تبعث على القلق و عدم الإطمئنان، فالداخل إليها قد يكون،في بعض الأحوال، مفقودا، والخارج منها مولودا، فالحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان المواطن كان شيئا مفقودا و غير متاح إلافي النادر من الأحوال، ونتجت عن ذلك الوضع انتهاكات متفاوتة الحدة و متعددة الأشكال و طالت أعدادا من المواطنين، انتهاكات معنوية من جراء سوء المعاملة، و انتهاكات مادية وثقتها مؤسسات مدنية.

لكن الأمور لم يكتب لها الإستمرار على هذ النمط من قهر الحقوق و الاستهانة بقيمتها، فقد دشنت السلطة العليا بالبلد عهدا جديدا تمثلت جِدّتُه في إجراء إصلاحات جوهرية و ذات بعد استراتيجي شملت قضايا مختلفة جاء في مقدمتها القطعُ مع السلوكيات المنافية لحقوق الإنسان، وبفعل هذه السياسة الملكية المحمودة، المؤسسة على ضوابط حقوقية، فقد تولى رجال أكفاء، يُشهد لهم بالنزاهة و بعد النظر، مَهَمَّةَ تخريج أفواج جديدة من رجال الشرطة بإمكانها أداء وظائفها الجسيمة وهي مستندة على تكوين يعتمد على مناهج جديدة تستمد مرجعيتها النظرية من الثقافة الحقوقية الكونية، وهكذا أصبحنا نشاهد في كل ربوع الوطن رجال شرطة يمكننا الإفتخار بهم و بأدائهم النبيل الذي ينسجم مع “مقاصد الوظيفة الشرطية”و هي “خدمة المواطن والتطبيق السليم والحازم للقانون بدون نكوص ولا شطط” على حد تعبير المدير العام للأمن الوطني.

في حديث جمعني بأحد الأصدقاء حول واقع الأمن بالمغرب و مدى احترام رجال الشرطة للمبادئ العامة لحقوق الإنسان، اكتشفت مدى التحول الذي طرأ على نظرة المواطن تجاه جهاز الأمن، هذا التحول عبر عنه هذا الصديق بقوله : الآن عليك أن تخشى من تصرفات الرعاع و العوام، مضيفا : الآن ليس عليك أن تخشى من تدخلات رجال البوليس، كما كان الحال في السابق، فهؤلاء في غالبيتهم شباب ظرفاء، يتعاملون مع المواطنين بروح من الأخلاق العالية و يستجيبون لكل نداء يوجه لهم، كما يحرصون على إرضاء الجميع في دائرة ما يسمح به القانون.

رغم عدم معرفتي بطبيعة التكوين المعتمد بمعاهد الشرطة، إلا أنني أعتقد أن  تغييرات قد حدث في مناهج التكوين و التدريب المعتمدة في معاهد الشرطة و هو ما أنتج بالضرورة خريجين واعين و ملتزمين بضوابط و أخلاقيات وظيفة الشرطة.

لكن يبقى التساؤل الذي لابد من طرحه: هل فعلا نستحق هذا التحول العميق والإيجابي في الأداء الشرطي ببلادنا، وهل من المعقول أن نشاهد أعدادا متزايدة ممن يتطاولن على رجال الأمن، من المنحرفين الذين يشهرون أسلحتهم للإعتداء على رجال اختاروا المغامرة بأمنهم و سلامتهم من أجل خدمة الأمن العمومي؟

لأجل ذلك نقول بصوت مسموع : تحية لرجال الشرطة بالمغرب.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
حمزه
المعلق(ة)
2 يناير 2023 08:50

تحية احترام لرجال الامن .

محمد مكنوني
المعلق(ة)
19 يوليو 2022 10:04

التطاول على رجال الشرطة مصدره القانون ، كيف ذلك ؟
فالمشرع عليه التحرك بدل الركون إلى فوانين أصبحت بآلية وخاصة أن المجرم يتطور بتطور المجتمع .
فالشرطة عملها الاساسي هو تطبيق القانون والقانون يكبل ايديها لانة يجب حلحلة المنظومة التشريعية .
فالمؤسسة الأمنية مطالبة بدورها رغم الإكراهأت ويجب أن نقر بهذا وخاصة منذ سنة 2015 فالشرطة تعيش أن صح التعبير عصرا ذهبيا وهناك عمل جبار ولهم الفضل في ذلك لكن ما أحوج رجال الشرطة إلى مؤسسة الوسيط هذه المؤسسة ستعطيها متنفسا ويجب الاهتداء بالشرطة الفرنسية ومنذ سنة 2013 ومؤسسة الوسيط جعل الشرطة الفرنسية تتنفس الصعداء.
والختم فصيانة الامن امانة عظمى في أعناقنا جميعا حسب المنطوق السامي 30 يوليوز 2016.
وحتى لا أنسى هناك إضافة بسيطة ومادام تمت الإشارة إلى التقصير في التشريع ولقد حان الوقت لأعضاء المواطن المغربي من المحامي أثناء تقديمه دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية لأن هذا سيساعد حتما على سد الطريق عن الاحتجاجات المفربكة التي تعطل مسار التنمية.

حمرة
المعلق(ة)
19 يوليو 2022 00:02

تحية لجميع الاجهزة الامنية من رجال السلطة واعوانها والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية والمخابرات الذاخلية والخارجية. وتحية لقواتنا المسلحة الملكية وخاصة المرابطة على الحدود في المناطق الجنوبية وتقهر المرتزقة بوليزاريو ومن ورائها الجار الحقود الجزائر.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x