لماذا وإلى أين ؟

بوعشرين…وصرخة رضيعة مكلومة

كلّما أبحرت في رسالة مناجاة بوعشرين لنجله رضى… سألت نفسي ماذا عساه يقول للرضيعة التي وطأ والدتها في المخاض؟ وأي سلوان هذا الذي يَجبُر خاطر لظَى جنين تعذّب في الأحشاء؟

وكانت نفسي تُمنّي النفس … علَّها تعثر في خضم هذا الزخم الكبير من المشاعر على عَبَــراتِ اعتذار دافقة للرضيعة المجني عليها في ثنايا المشيمة، مثلما انهارت دموع المتهم على أخاديده أسفاً على لعبة العيد التي أخلفها لابنه في أعياد الفطر السعيد.

وأنا أتماهى وأتعاطف مع طفل صغير، مثقل بأسئلة الغياب، ومُحمّل بآهات الفراق، تساءلت ما نصيب الرضيعة من سيل مشاعر المتهم تلك؟ ألا تحتاج إلى التفاتة اعتذار في لحظة انكسار الخاطر بعدما عزّ فراق الابن؟ ألا تراودك صورة الرضيعة وهي تئن في حبلها السُري؟ أم أن عذاب الضمير وسهد البعاد لا يشمل سوى الأنجال وذوي القربى، وينفر من أبناء الضحايا؟

فإذا كان “أصدق أنواع الحب هو أن ترى المحبوب في المنام”، فإن أثقل الأوزار هي أن تمعن في الهروب من نظرات ضحاياك في الواقع، وأن تطاردك دعوات الرضيع المظلوم في الأسحار، وأكثر من ذلك أن تنسلخ من ثقافة الإقرار والاعتذار.

فالذي يقف بينك وبين وَصلِ كريمك رضى… ليس هو القانون ولا قضبان السجن ولا السجّان، وإنما هي “دعوات المظلوم إلى رب الظالم في كربة الظلم الموصول…”، فطوق نجاة الأب المرهف قد تكون مجرد رسالة اعتذار يكتب في طرتها ” أنا أسف أيتها الرضيعة البريئة”.

فعندما كانوا يقتادونك ذات جمعة من شهر فبراير إلى غرفة الأمان الشرطية، كانت الرضيعة لا تطلب من الله سوى غرفة آمنة للحياة، بعدما وسمتها بندوب الاغتصاب المريرة.

وعندما “صادروا” قلمك وريشتك ومحبرة مدادك، وأنت مساق إلى زنزانتك الباردة، كانت الرضيعة تئن وتسترق أنفاسها من تحت أنقاض لحدها، بعدما أسدلت عليها كل تلك الأثقال، وبخلت عليها حتى برسالة اعتذار.

لكن الرضيعة تقول لك بلسان كل الأمهات… غازل ابنك بالأحاسيس الفياضة، وجُد عليه بكل تلك العبارات المرهفة.. فستبقى دائما مدينا لي برسالة اعتذار مهما أدانك القضاء أو حكم ببراءتك.

واذرف الدموع من أجفانك الساخنة على نجلك رضى، الذي أتقاسم وإياه براءة الأطفال، لكنك ستبقى مُحملا بأوزاري، منذورا بنذر الاعتذار نحوي، مهما أمعنت في الهروب والفرار.

ومهما تاجرت بأحاسيس ابنك، ومهما نقلت معاناته المفترضة خارج جدران غرفته الملونة، ومهما تباكيت على لعبته الخشبية المكسورة، أو عيد ميلاده الساقط سهوا من ذاكرة الأب المسجون… سأبقى ها هناك ملازمة لك في نومك وإيقاظك، بدون لعبتي الصغيرة، ولا غرفتي بدون الألوان، ولكني لن أكون مطلقا أصلا تجاريا يصلح فقط للمزايدة في بورصة خطايا الآباء.

لقد سمعتهم يقولون قولا مأثورا ” لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت”، فلا ترمي بخطاياك على القانون، ولا تُعلّق ذنوبك على مقتل الحرية، ولا تنثر أوزارك على مشجب البراءة… فأنت تعلم أن الكنبة المعلومة كانت سبب كبوتك، وأن مُنطلق انحناءك كان مع طيف الرضيعة، الذي حضر عندما غاب ضميرك، وغاب عندما حضرت مناجاتك لابنك رضى.

لقد تصفحت وتصفحت مرارا رسالتك تلك… فأدركت بأن الرضيعة لن يكون لها نصيب من الاعتذار، كما أيقنت بأن تلك الرسالة أخطأت العنوان.

فالمرسل إليه لم يكن الطفل رضى، إذ ما حاجة فتى صغير بأحجيات المؤامرة وأقبية السجون، وبماذا تنفعه أقوال نزار قباني في شعر السياسة وسياسة الشعر. إنها رسالة لمن يهمه الأمر! والذي يهمه الأمر هنا هو قصاص الضحايا وليست دموع وعبَرات المتهم.

*فاعلة حقوقية

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

5 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
رشيد
المعلق(ة)
25 يونيو 2018 16:23

أولا لما هذا اليقين من أن بوعشرين مذنب، ثم أن المعاشرة الجنسية مع الأم وهي حامل مسألة طبيعية ولا مانع منها حتى طبيا ، وليس فيها أي أذى للدنين ، أما إن كنت تتحدثين عن اغتصاب فهذه مسألة أخرىى , ثم كيف ستكونين أنت مع ضميرك إذا كان بوعشرين بريئا من كل هذه التهم ؟ هل ستعتدرين له ؟ أعتقد أن مقالك هذا ليس نابعا من اهتمامك بالرضيعة، ربما في المسألة إنَّ ؟ ! ؟ !

الكاشف
المعلق(ة)
22 يونيو 2018 18:15

لما كل هذا التعاطف مع ذئب بشري أكثر من ثابت في زمانه

AZIZ
المعلق(ة)
22 يونيو 2018 09:10

هنالك انتقال خطير فاللغة ففي البداية وصفت الكاتبة بوعشرين بالمتهم، لكنها فيما بعد تكلفت بإدانته مستعملة كلمات من الحقل الغوي للأجنه. مقال لا يغني ولا يسمن

Rachida
المعلق(ة)
21 يونيو 2018 17:00

خطاب الفاعلات الجمعويات يتشابه. وهذا شيء تعودنا عليه من خلال تصريحاتهن ومقالاتهن التي تقطر سما بدون سبب. يكفي أن يكون الخصم رجلا أو “ذكرا”. وهذا المرض متفشي لدى شريحة كبيرة من العانسات والفاشلات في حياتهن.

Zeroual Jihad
المعلق(ة)
21 يونيو 2018 14:34

مقال في المستوى يستحب نشره على أكبر نطاق ،بوعشرين أمسى في مزبلة التاريخ.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x