لماذا وإلى أين ؟

“العــــــم سام عنوان القوة”

محمد العطلاتي

على امتداد فترات الحرب الباردة بين المعسكرين، الغربي و الشرقي، ظهرت للوجود بشكل متتابع و متواتر شعارات قوية تنادي و تدعو بالويـل و الثبور للأمريكان و عملائهم المحليين، شعارات  صنعتها، قبل أن تتبناها، حركات شبه سياسية مصابة بوباء “اليسارية” غير المتحور.

انطلقت “حرب الشعارات” ضد الأمريكان الرأسماليين منذ تأسيس حلفي الناتو و وارسو بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، و استمر ترديدها و إنشادها في كل المناسبات ردحا من الزمن، و كان معظم اليساريين وقتئذ يعتقدون بانهيار و زوال الولايات المتحدة، لأنها كانت، بحسب معتقداتهم النظرية، تعيش مرحلة “الإمبريالية”، و الإمبريالية كمرحلة من مراحل في التطور التاريخي للرأسمالية، هي آخر المراحل المؤدية إلى هلاكها و انقراضها سواء كنمط إنتاج أو أسلوب حكم، و ذلك، بالطبع، وفق تقديرات وتكهنات كبــار منظري الاشــــتراكية.

خلال هذه الفترات من الحرب الباردة، كان  اعتقادُ اليساريين راسخا بأن الإتحاد السوفييتي يعد حليفا موثوقا به، إذ اعتبره  بعضهم حليفا مبدئيا  فيما صنفه آخرون في دائرة الحلفاء الإستراتيجيين، و اعتقد معظمهم أن زوال الإمبرياليين الأمريكان ليس سوى مسألة وقت فهم لاشك واقعون في الحضيض الأسفل، لكن الأمور لم تسر بهذا المنطق الكافر بالرأسمالية، إذ  قبل أن مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين انهار جدار برلين، بدل أن تنهار الرأسمالية الأمريكية، وذلك قبل أن ينهار معه الحلف المسمى وارسو و تتفكك من بعده “الامبراطورية” الإشتراكية التي أسسها الرفيق ستالين “رحمه الله”، و تصير مجرد أطلال و رسوم.

بعد انهيار “الجدار” اتجه الناس صوب الغرب، و ولوا ظهورهم للشرق البئيس، فالحرية، مطلبهم الأزلي، موطنُها هو غرب الديموقراطية و ليس شرق الإستبداد، و هكذا سطع نجم اللبرالية و أفل نجم الإشتراكية الباهت، و انفرد الأمريكان بقيادة العالم و أصبحوا سادة له دون منازع، يمسكون أطراف العالم بأياديهم الطويلة.

في غضون ذلك، داوم أقطاب اليسار الاشتراكي على رفع شعارات تلو أخرى منادية بسقوط الأمريكان، و بدل الإطلاع على الأسباب الكامنة وراء تقدم الأمريكان و صلابة بنيانهم كدولة عظمى، استمر دعاة اليسار و قساوسته في صياغة الشعارات و ترديدها في المناسبات أو حتى دون مناسبة.

لقد بلغ الأمريكان منتهى درجات التقدم بين أمم العالم، فهم قوة عالمية لا تقهر، لأنهم اكتسبوا أسباب العظمة، و العظمة، كميزة ينشدها الجميع، تتأسس بشرط اكتساب عناصر القوة، و القوة، في حالة الدول كما في حالة الأفراد، لا يتحقق نيلها إلا بالتوفر على جيش جبار و اقتصاد متين، و الأهم من ذلك السبق في تحصيل المعلومة، فالأمريكان خير أمة تعلم فوائد القاعدة القائلة:”معرفة الأشياء خير من جهلها”، و لذلك، لم يكتف الأمريكان ببناء جيش لا يقهر و اقتصاد عملاق، بل طوروا جهازا للحصول على المعلومة في حينها، و لا يهم أن تكون الجهة المستهدفة موالية لها أو مناهضة، فالأمريكان، لرجاحة تفكيرهم، لا يثقون إلا في أنفسهم.

قد يناهض المرء دولة كأمريكا، خصوصا في ظروف مثل التي يشهدها العالم، ظروف تُنبأ باحتمال اشتعال صراعات ضارية، سواء كانت تلك المناهضة لأسباب عقائدية أو اقتصادية، لكننا في جميع الأحوال ليس بإستطاعتنا و لا بمقدورنا الإنكار بأن العظمة الحقيقية لا تتأتى للراغب فيها و الساعي وراءها بإطلاق الشعارات الطنانة المسجوعة، بل إن ذلك يتم حتما بأخذ العبر من التجارب المُفلحة، تلك التجارب التي قد تساعدنا على الخروج من ظلمات التهيؤات و أوهام الأحلام، و التجربة المعنية في هذه النازلة، على وجه التحديد و الدقة، هي تجربة الكائن العملاق المعروف باسم “العم سام” وليس ما دونها من التجارب العبثية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
الطاغوت وعبدته
المعلق(ة)
8 أغسطس 2022 17:58

من يتجبر بالقوة يموت بالضعف،

مسلم حنيف
المعلق(ة)
8 أغسطس 2022 07:32

أنا بريء من امريكا ومن حب امريكا ومن حب الذين يحبون أمريكا و إن قلتم أن امريكا هي الله فانا اول الملحدين..أ.م

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x